استأنفت لجنة العدل والداخلية والدفاع في الجمعية الوطنية الموريتانية، أمس الخميس، مناقشتها لتعديل القانون النظامي لمحكمة العدل السامية بعد أن أوقفت، آخر الأسبوع الماضي، اجتماعاتها الخاصة بهذا التعديل لأسباب أثارت جدلاً كبيراً داخل الرأي العام الموريتاني.
وسبق للجنة أن أدخلت التعديلات المقررة على مشروع قانون المحكمة السامية التي تتولى محاكمة الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء، وأحالت التعديلات المقترحة من قبل نواب البرلمان، إلى الحكومة.
وتتعلق هذه التعديلات أساساً بالنص على تشكيل المحكمة من نواب الجمعية الوطنية وحدهم بعد إلغاء غرفة الشيوخ، حيث كانت تشكيلة المحكمة، حسب نظامها السابق، مشتركاً بين النواب والشيوخ.
ولم تتمكن لجنة العدل والداخلية والدفاع من عقد جلسة كانت مقرّرة الخميس الماضي، فأجلتها إلى السبت الموالي، قبل أن تلغي عقدها في النهاية «لأسباب فنيّة» حسب تأكيدات لرئيسها النائب جدو ولد منّابه.
ونصت المادتان 92 و93 من الدستور الموريتاني المؤرخ في 20 تموز/يوليو 1991 على تأسيس محكمة العدل السامية، وهي مختصة بمحاكمة رئيس الجمهورية في حالة الخيانة العظمى، وكذا محاكمة رئيس وأعضاء الحكومة بخصوص الجرائم المرتكبة من طرفهم خلال ممارستهم لوظائفهم.
ويأتي تعديل القانون النظامي لمحكمة العدل السامية في خضم جدل كبير حول ارتباط إحياء هذه المحكمة المعطلة منذ سنوات، بمحاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بتهم فساد كشف عنها تقرير ينتظر أن تسلمه لجنة تقرير برلمانية خاصة للجمعية الوطنية خلال أيام.
ودعت لجنة التحقيق البرلمانية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يوم الخميس الماضي للمثول أمامها، لكنه رفض استلام استدعائه كما رفض المثول أمام اللجنة.
ولم يهدأ لحد الآن الجدل المحتدم بين فقهاء القانون والمحامين منذ أسبوعين حول الجهة المختصة بمحاكمة الرئيس السابق، بين من يرى أن المختص في ذلك هو محكمة العدل السامية وحدها، ومن يرى أن محكمة العدل مختصة في محاكمته أثناء وجوده في الرئاسة، أما خارج الرئاسة فالمختص في محاكمته هو القضاء العادي.
وذهب اتجاه ثالث إلى إمكانية الجمع بين مسار محكمة العدل السامية جنباً إلى جنب مع مسار القضاء العادي.
وأكد المحامي محمد ولد أمين أنه «تم إدراج عبارة في النسخة الفرنسية من المادة 93 من دستورتموز/يوليو 2006 تقول «إن رئيس الجمهورية ليس مسؤولاً عن التصرفات التي قام بها خلال ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى» لكن يضيف المحامي، امعنوا النظر في النص الفرنسي وقارنوه بالنص العربي الذي يقول «لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولاً عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى».
نلاحظ، يقول أن مفردة «أثناء ممارسة سلطاته» تحدد شرط توقيت يحصر الحصانة في أجل زمني يبدأ مع التنصيب وينتهي بإعلان نهاية الولاية أو شغور المنصب، وهذا الرأي هو الذي عليه المنطق، وهو الذي عليه التشريعات في كل دول العالم.
وقال: «لعل فقهاء القانون الذين صاغوا الدستور الموريتاني تلاعبوا بالرئيس الراحل علي ولد محمد فال، إذ يفهم من التباين الدلالي بين النسختين العربية والفرنسية أن هؤلاء الفقهاء أرادوا تقديم ضمانة مطلقة للرئيس بغية طمأنته، فصاغوا النسخة الفرنسية في ذلك الاتجاه، وأرادوا في الوقت نفسه إفساح المجال لإمكانية محاكمة الرئيس كما هو معروف في كل دول العالم، فصاغوا النسخة العربية في اتجاه مختلف تماماً».
وأضاف المحامي أمين: «الفرق كبير وواضح بين كلمة «Dans» الفرنسية وكلمة «أثناء» العربية.. إذ ترادف كلمة Dans لفظة «في» المستخدمة أساساً لتحديد الحيز المكاني، ومن المعروف لغة أن الحيز المكاني ينسحب على المنصب، فالرئاسة مكان ومكانة في نفس الوقت؛ خلافاً لذلك تستخدم كلمة «أثناء» لتحديد الزمن، وهكذا أصبح دستور موريتانيا يقول بالعربية إنه تجب محاكمة ولد عبد العزيز أمام القضاء العادي على أي فعل مجرم قام به أثناء ولايته، ولا يحتاج الأمر إلى أي شيء، وتقول النسخة الفرنسية إنه لا يعتبر مسؤولاً عن أي فعل قام به إلا فعل الخيانة العظمى الذي حدده قانون العقوبات وربطه بأفعال عسكرية محددة».
وقال: «طبقاً لما سلف، لا تمكن محاكمة رئيس الجمهورية السابق إلا أمام محكمة برلمانية حسب الصيغة الفرنسية، وتمكن محاكمته أمام القضاء العادي بل تجب حسب الصيغة العربية».
وأضاف: «الذهاب بعزيز ورهطه نحو القضاء العادي أقرب للعدل، وهو تطبيق حرفي لنص القانون، فمن المعلوم أن المحكمة السامية لا معقب لحكمها، وبذلك قد يسبق السيف العذل فيها بسرعة مفزعة، وهي في ذلك تشبه المحاكم العسكرية سيئة الصيت، كما أنها تؤدي الى تضييع حقوق الناس، إذ لا تقبل أن يوجد فيها طرف مدني، أما أمام القضاء العادي فسيجوز لمن اعتقلوا بشكايات كيدية أو ملفقة مقاضاة الرئيس السابق وطلب تعويضات عن المظالم التي تجرعوها خلال حكمه، بمن فيهم مدير مخابرات القذافي عبد الله السنوسي، وذووه الذين يمكن أن يشكلوا طرفاً مدنياً في المحاكمات أمام القضاء العادي».
ودعا المحامي أمين وكيل نيابة غرب نواكشوط، إلى ألاَ ينتظر إحالة من أحد، وأن يعتبر ما تناقلته الصحافة إبلاغاً له، وأن يستدعي الرئيس السابق بل وأن ينتزع الملف برمته من النواب».
وصدر أول قانون إنشاء محكمة العدل السامية في موريتانيا سنة 1959، وظلت هذه المحكمة دون وجود مطلقاً بعد ذلك، ورغم أن دستور 1991 نص على وجودها كهيئة دستورية فإنها ظلت كذلك معطلة ولم يصدر أي قانون ينشئها حتى سنة 2007 في عهد الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، حيث تقدمت حكومته بمشروع القانون المنشئ والمنظم لهذه المحكمة، واكتملت مصادقة الجمعية الوطنية عليه في ربيع 2008 لكن التشكيل النهائي لهذه المحكمة لم يكتمل لحد الآن.
عبد الله مولود
نواكشوط –»القدس العربي