لا حديث في موريتانيا اليوم إلا عن الفساد والمفسدين، إلى جانب الاهتمام الكبير بمضمون تحقيق اللجنة البرلمانية حول تسيير الرئيس السابق، الذي سلم نصه لرئيس البرلمان أمس، والذي يتوقع أن تنجر عنه محاكمة للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وعدد من أقربائه ومعاونيه.
وطالب نشطاء حملة «معاً لمحاربة الفساد» التي تضم 700 ناشط في المجال، والتي بدأت أنشطتها مساء أمس «البرلمان بضرورة التصويت على كشف ونشر تقرير لجنة التحقيق البرلمانية».
وأكد رئيس المبادرة الناشط الحقوقي محمد الأمين ولد فاضل، خلال ندوة أمس حول الفاسد في موريتانيا، «على ضرورة كشف تقرير اللجنة البرلمانية حتى يتسنى للجميع الاطلاع عليه».
وقال «إن المبادرة ستواصل جهودهم الرامية لمحاربة الفساد»، مضيفاً أن «الفساد يعد هو الخطر الأكبر الذي يهدد كيان الدولة الموريتانية»، مؤكداً أنه «لا إصلاح من دون حرب جدية على الفساد».
وتحدث الخبير القانوني محمد محمود محمد صالح، خلال الندوة عن دور القانون في مكافحة الرشوة، فأبان «أن القانون رقم 2016- 014 الصادر بتاريخ 15 أبريل / نيسان 2016 المتعلق بمكافحة الفساد هو الإطار الوطني الذي نظم المواجهة الوطنية لمكافحة هذه الظاهرة، مع التأكيد على الإطار الدولي الأشمل المتمثل في اتفاقية الأمم المتحدة ضد الرشوة الموافق عليها في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 31 أكتوبر / تشرين الأول 2003 وصادقت عليها 187 دولة حتى الآن من بينها موريتانيا».
ثم استعرض المحاضر خطورة الرشوة في المجال الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ممثلاً بالرقم الضخم الذي ورد عن البنك الدولي، حيث يتم سنوياً دفع 1000 مليار دولار من الرشاوى في العالم.
وتحدث متدخلون خلال الندوة عن بعض الإشكالات القانونية والتنظيمية مثل «مصطلح الرشوة المعنون في النسخة الفرنسية من القانون المذكور بـ Corruption والمترجم للعربية بالفساد، فهما مصطلحان بالتأكيد لمسمى واحد؛ فكل رشوة فساد، سواء كانت في ميدان الصفقات العمومية أو في تصرفات الموظف العمومي بشكل عام».كما تطرق النقاش للإشكال القانوني المتعلق بمحاولة المفسدين التحصن بالزمن أو النافذين لتقادم الجرم؛ عندما يلجؤون لإخفاء الوقائع المتعلقة بمخالفة القانون، حيث تتضح صعوبة اكتشاف الجريمة لكونها اتفاقاً سرياً بين شخصين مستفيدين يعملان بكل الوسائل لتنفيذه طبقاً للمساطر القانونية العادية.
وأكد معلقون ومعقبون على التدخلات أن محاربة ظاهرة الفساد تتطلب عدة وسائل قانونية وقضائية ومؤسساتية وطنية ودولية تعمل على تفعيلها ومتابعتها الدول، ولكن تتطلب أيضاً مع ذلك ثقافة وجهداً من المجتمع المدني يتجسد ذلك ويستمر بالتأكيد بالإرادة السياسية الجادة.
وفي تعليق على موضوعات ندوة محاربة الفساد، أكد القيادي الإسلامي محمد جميل منصور أنه ينصح القائمين على حملة «معاً ضد الفساد» بألا توسع الحملة مفهوم الفساد ليشمل السياسي والأخلاقي والاجتماعي والثقافي»، لأن ذلك سيدخلها، حسب رأيه، متاهات وإشكالات هي في غنى عنها، ليكون مفهوم الفساد هنا سوء التسيير وتبديد المال العام وما يتعلق بذلك قانونياً وإجرائياً، والتركيز هنا معين على الاتقان والإنجاز».
وأوضح «أنه من المهم كذلك أن تدرك الحملة أنها ليست جهازاً قضائياً، يحاكم ويصدر الأحكام، بل هي من تجليات الرقابة الشعبية التي تتابع وترصد وتوثق وقد تحتسب إذا اجتمعت لها شروط ذلك، وعليها أن تبتعد عن التساهل في الحديث عن الأشخاص، وألا تسمح بالمس من الأعراض إلا بحق وتثبت ويقين، ولها في المواصفات والأمثلة مندوحة عن التحديد ما لم يتعين».
وأكد ولد منصور «أنه من الجيد التركيز على التوعية ونشر ثقافة تجريم الفساد بكل مستنداتها الشرعية والقانونية والثقافية، وأن توظف في ذلك وسائل الإعلام والتثقيف ولكن أيضاً التواصل الشعبي المباشر»، مبرزاً «أنه من المهم أن تكون الحملة مخاطبة لكل الجهات الرقابية والتشريعية والتنفيذية في مجال عملها وأن تكون مخاطباتها تتسم بالجدية والثقة واحترام الصلاحيات، ولم لا الجهات القضائية إن اجتمعت شروط ذلك الإجرائية فضلاً عن شروط التعين».
عبد الله مولود
نواكشوط- «القدس العربي»