على جميع الألسن هنا في موريتانيا، مطالبات باسترداد الأموال العامة التي أثبتت تحريات لجنة التحقيق البرلمانية أن نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، قد نهبها وبددها وأساء تسييرها، بالمليارات.
وعلى جميع الألسن كذلك مطالبات بمحاكمة الرئيس السابق وكل من اقترف خلال حكمه جريمة فساد أو نهب، وفقاً لما تضمنه تقرير محققي البرلمان.
هذه أبرز ردود الفعل التي قوبل بها التقرير الذي أعدته لجنة التحقيق البرلمانية خلال الأشهر الستة الماضية والذي واصل البرلمان أمس مناقشته.
وصادق البرلمان أمس على مقترح توصية وقعها رؤساء الفرق البرلمانية بإحالة تقرير لجنة التحقيق البرلمانية إلى وزير العدل تمهيداً لإحالته إلى القضاء.
ويقضي المقترح بإحالة الملفات الخارجة عن اختصاص محكمة العدل السامية إلى وزير العدل.
وأظهر تقرير اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في ملفات وصفقات عشرية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، فضائح فساد ونهب للمال العام لم تشهد موريتانيا مثيلاً لها من قبل.
وأكد التقرير تورط الرئيس السابق وكبار معاونيه وأقربائه في ملفات مريبة، فقد نهب المال العام وأبرمت الصفقات المثيرة والمريبة، حتى أشرفت البلاد على الانهيار الاقتصادي.
وكشفت لجنة التحقيق البرلمانية عن استشراء فساد لا حدود له في الوزارات والشركات وهيئات إبرام الصفقات والهيئات الرقابية للدولة، كما كشفت عن ضلوع واسع لمسؤولي الدولة على جميع المستويات في الفساد.
وأبانت في تقريرها اختلالات كبيرة لا حدود لها في المنظومة القانونية والإدارية للدولة الموريتانية.
ولكن رغم تطرق اللجنة في تقريرها إلى مقربين من الرئيس السابق، فإنها لم تذكر عن الرئيس السابق نفسه ما كانت الشائعات تنقل من إدانته إدانة صريحة معينة.
وضمن التعليقات على هذا الملف المثير، تساءل الكاتب حسيتن محنض عن مستقبل الأمور بعد نشر هذا الكم الهائل من المعلومات الدقيقة، وقال: «إذا كان ذلك كذلك فلا أعرف كيف ستسير المرحلة القادمة؟ هل بمحاسبة كل الضالعين من المسؤولين كما توصي اللجنة أم بغير ذلك؟
وهل سيكون ذلك فاتحة لتحقيقات أوسع لم يشملها عمل اللجنة حتى الآن.. وأين سيكون موقع الرئيس السابق من كل هذا؟ سيكون هو الأضعف أو هو الأقوى؟
الأمر على كل حال مثير ولا أعرف إلى أين سيتجه!
وخرج المدون محمد الأمين الفاضل باستخلاصات بعد اطلاعه على تقرير اللجنة، أولها «أن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني لن يتدخل في مسار الملف، وأن الرئيسين الحالي والسابق جمعتهما صداقة قوية لعقود طويلة، وعندما قرر الرئيس غزواني أن يفتح أو يسمح بفتح ملفات فساد ضد صديقه، فذلك يعني بأنه لن يغلق ملفات الآخرين، فكل من جاء ذكره في التقرير لن يجد حماية خاصة من الرئيس».
وأضاف: «بطبيعة الحال، سيخوض المتضررون من التقرير وملحقاته حملات إعلامية قوية، وسيدعمهم «عملاء الفساد» وجيش من المثبطين والسلبيين، وما أكثر المثبطين والسلبيين في هذه البلاد، الشيء الذي يستدعي من جميع مناهضي الفساد في هذه البلاد أن يقفوا وقفة رجل واحد: فالمعركة القادمة ستكون مصيرية في الحرب على الفساد التي تم إطلاقها بصمت ودون رفع أي شعار».
وقال: «المفارقة أن الرئيس غزواني لم يتحدث عن الفساد، ولو بكلمة واحدة، طيلة حملته الانتخابية، وفي ذلك ما يستحق أن نتوقف عنده في مناسبة قادمة».
وتابع الفاضل تعليقة قائلاً: «سيقولون لكم في الحملة المضادة بأن اللجنة فاسدة، وأن البرلمان فاسد والقضاء فاسد، وكل ذلك غير صحيح، وسيعني بأن فساد النظام السابق أعم وأوسع مما جاء في التقرير، وأن فساد البرلمان والقضاء جريمة أخرى يستحق أن يحاسب عليها النظام السابق».
وعلق القيادي الإسلامي البارز الحسن ولد محمد على هذه التطورات قائلاً: «كشف ملخص تقرير لجنة التحقيق الذي عرض أمام البرلمان اليوم عما كنا، في المعارضة عموماً وفي حزب تواصل خصوصاً، ننادي به منذ أكثر من عشر سنوات، وهو أن النهب الذي امتد للأسف الشديد عقوداً من عمر الدولة الموريتانية شهد قفزة خطيرة، نوعاً، وكماً، ومستوى في فترتي الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الرئاسيتين».
«لقد كشف التحقيق المحدود ، يضيف ولد محمد، الذي قامت به اللجنة البرلمانية في مدة وجيزة، أن نظام ولد عبد العزيز كان قائماً على عقلية غريبة في التعامل مع المال العام؛ فهو يأخذ منه ما شاء بالطريقة التي يريد وفي الوقت الذي يريد، وهو تصرف يدل على قدر كبير من التأكد من ضعف جهاز الدولة، وعلى تخطيط لبقاء طويل الأمد في السلطة».
وأضاف: «إن هذا الجهد يقتضي شكر اللجنة البرلمانية على أدائها المتميز، ومن خلفها البرلمان الذي أقر تشكيلها، والمعارضة التي بادرت بطرح المقترح.. والأغلبية التي دعمته وانخرطت فيه. وما من شك في أن هذا لم يكن ليتم لولا دعم الجهاز التنفيذي والرئيس الذي يمتلك الأغلبية في نواب البرلمان».
وقال: «لقد قامت اللجنة والبرلمان، ومن ورائهم الجهاز التنفيذي، بعمل جبار وضع المسؤولية على عاتق القضاء الذي سيكون المحطة المقبلة، والحاسمة في هذا المسار» وهي مسؤولية جسيمة، يقول المدون، يجب على السلطات العليا أن تشارك في تحملها بدعم القضاء أولاً بمنحه المساحة التي يخوله إياها القانون، وبحمايته من التدخلات التي قد تعوق أداءه لمهمته، وبإنفاذ القانون العادل وغير الانتقامي في كل المراحل».
وقال: «إنها أيضاً مسؤولية الرأي العام، بصحافته وأحزابه السياسية ومنظمات مجتمعه المدني وكتّابه ومدونيه، من أجل حماية هذا الجهد الذي قام به البرلمان، ومتابعته في المحطات المقبلة، فقد نهبت ثروات هذا البلد بما يكفي، وجوع فقراؤه بسبب مراكمة الثروات الحرام، وقد آن الأوان لطي هذه الصفحة، والعمل على حماية ثروات الأجيال ومقدرات الدولة من النهابين».
عبد الله مولود
نواكشوط –«القدس العربي»