واصل المدونون الموريتانيون من خصوم ومعارضي الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، أمس، سخريتهم من شرائه للحزب الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي، الذي أكدته مصادر مقربة منه.
وعبر رئاسة هذا الحزب، سيدخل الرئيس السابق الساحة السياسية، وهو ما سيتيح له الاتصاف بصفة «سجين سياسي» إذا ما تمخضت التحقيقات التي نشرها البرلمان والتي يتتبعها القضاء حالياً حول تسييره الغامض لموريتانيا، عن اعتقاله ومحاكمته.
ولجأ الرئيس السابق لتأجير هذا الحزب لتأكده من أن السلطات لن تسمح له بتأسيس حزب سياسي باسمه.
ودخل هذا الحزب الصغير البرلمان عام 2006 بعد أن اتخذه الإسلاميون قناة لترشيح أحد نوابهم، ويرأسه محفوظ ولد أعزيزي، وهو قومي عروبي مشهور بتأييده لبشار الأسد، وبقربه من الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
وضمن التدوينات الكثيرة التي كتبت عن شراء هذا الحزب، كتب الإعلامي البارز حنفي دهاه: “اشترى الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز مقراً لحزبه الجديد الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي، بأربعمائة مليون أوقية (مليون أورو)”.
وقال: “الحزب الذي يتوقع أن يقوده إسلكو ولد إيزيد بيه (وزير الخارجية الأسبق) كان في السابق مجرد حزب حقيبة، تعود صاحبه محفوظ ولد اعزيزي على الاقتيات منه، فمرة يؤجره للإصلاحيين الوسطيين ليترشحوا منه للانتخابات البرلمانية، قبل ترخيص “تواصل”، وقد يفسر هذا تعاطف إعلام الإسلاميين معه، ولا أخص بالذكر وكالة “الأخبار أنفو” التي لم تعد تخفي انحيازها للرئيس السابق (لأسباب ليس الوقت وقت ذكرها).
وقال: “لا أتوقع أن يقضي محفوظ ولد اعزيزي على الفقر من هذه الصفقة التي أبرمها مع رئيس سابق ضنين، مهدداً بمصادرة أمواله”.
وعلق المدون حبيب الله أحمد، على صفقة الحزب الوحدوي قائلاً: “ربما يعتقد عزيز أن تأسيسه لحزب سيمنحه حصانة، فعلى الأقل إذا سجن سيظهر بمظهر سجين رأي، ولربما اعتقد أنه سيكون بديلاً للمعارضة».
وقال: “من المستبعد أن يكون للحزب شعبية تمكنه من الوقوف على قدميه، فاستمالة الناس بالمال وحده لا تكفى لحشد الدعم لحزب مجهري أكبر ما فيه عمارة مقر تحوم الشبهات حول المال الذى أنفق فيها».
وكتب المدون عبد الرحمن ودادي: “ولد عبد العزيز يطلق سماسرته لجمع الأنصار في القهاوي وعبر حملة اتصالات مكثفة، وكل من يريد لقاءه يلتقي به وبسرعة، وموضوعه الأساسي التهجم على ولد الغزواني ورواية بعض القصص عنه”.
وقال: “بعض السذج سارعوا للقاء الرئيس السابق تصوراً أنه سيوزع عليهم أموالاً، ولكنه لم يعط أحداً أي مبلغ، حسب الروايات، بل لم يقدم لهم حتى أي شراب ولا مياه ولا شاي، ولكنه لمح أن المناصب الحكومية لما بعد عودته للسلطة متوفرة، وبخاصة أنه اكتشف أن معظم من كانوا معه خونة ولن يوظفهم أبداً مرة أخرى، كما عرض على الزوار الكثير من أفكاره السياسية وقصص حربه على الفساد، ولم يمانع بالتقاط صور السلفي”.
وعلقت وكالة «الأخبار» في معالجة نشرتها عن الموضوع قائلة: “أعاد مقربون من الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الحياة إلى الحزب الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي، بعد سنوات من الانعزال في أحد أحياء مقاطعة عرفات، وبعد أن كان ضحية حل من وزارة الداخلية، ألغاه القضاء لاحقاً”.
وتولى الوزير السابق سيدنا عالي ولد محمد خونه، رفيق ولد عبد العزيز، في معركة المرجعية، قيادة الحزب الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي، عقب مؤتمر قال مؤسس الحزب محفوظ ولد اعزيزي، إنهم عقدوه الأسبوع الماضي عقب انضمام شخصيات منسحبة من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وانتخبوا خلال قيادة جديدة”.
وعرف المؤتمر، وفقاً لتصريحات مؤسسه، انزياحه من أمانته العامة، وهي أهم منصب فيه، إلى الأمين العام المساعد، ليستعيد ولد محمد خونه مركزاً أزيح منه بهدوء قبل أشهر من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذي يحكم موريتانيا حالياً.
وكان الحزب الوحدوي قد ذهب ضحية مقرر أصدره وزير الداخلية بداية مارس 2019، ويقضي بحل 76 حزباً سياسياً، وذلك تطبيقاً للقانون رقم: 031/2018 الصادر بتاريخ 18 يوليو 2018، المتعلق بالأحزاب السياسية.
وتنص المادة: 20 (جديدة) من هذا القانون، في فقرتها الخامسة، على أنه «يتم بقوة القانون حل كل حزب سياسي قدم مرشحين لاقتراعين بلديين اثنين وحصل على أقل من 1٪ الأصوات المعبر عنها في كل اقتراع، أو الذي لم يشارك في اقتراعين بلديين اثنين متواليين».
وقد رفض القائمون على حزب الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي الاستسلام لقرار الحل الصادر عن وزارة الداخلية، وتقدموا بطعن أمام القضاء، حيث حكم لصالحهم في نوفمبر الماضي، وطعنت وزارة الداخلية في الحكم لتخسر القضية للمرة الثانية.
وبموجب حكم القضاء، عاد الحزب إلى الحياة من جديد، غير أنه بقي على عزلته في مقر صغير بأحد أحياء نواكشوط الجنوبية، قبل أن يستولي عليه الرئيس السابق في صفقة سياسية مع مؤسسه.
ومع نفي مؤسس الحزب الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي محفوظ ولد اعزيزي، في تصريح لوكالة «الأخبار» انضمام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، أو وجوده في هيئاته، إلا أن ظلال الرئيس السابق تبدو واضحة، من خلال تولي شخصيات ذات علاقة وطيدة بالرئيس السابق لقيادة الحزب.
فالأمين العام الجديد المنتخب لقيادة الحزب الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي هو آخر شخصية يختارها الرئيس السابق لقيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم قبل أن يخسرا معاً معركة مرجعية الحزب الذي اختار أعضاؤه الرئيس الغزواني مرجعية لهم.
كما ظهر ضمن قيادة الحزب الجديدة الوزير السابق ومدير ديوان ولد عبد العزيز لسنوات، إسلكو ولد أحمد إزيد بيه، وكذا محمد جبريل انيانغ وزير الشباب السابق ومدير الحملة الشبابية لولد عبد العزيز خلال انتخابات 2014.
وكان الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز قد صرح أكثر من مرة بنيته العودة لممارسة السياسة بعد مغادرة الحكم، وتحدث في مؤتمر صحافي عقده ليلة اختتام حملة رئاسيات 2019 بأنه سيبقى متابعاً لما يجري في البلاد، وسيبدي ملاحظاته على الشأن العام عندما يرى ضرورة لذلك.
وكانت التدوينة الوحيدة التي عبرت بمرارة عن شراء الرئيس السابق للحزب الوحدوي، هي التي كتبها المخبوش الكبير، وقال فيها: “الدولة الوحيدة في العالم التي تباع فيها الأحزاب وتشترى كبضاعة استهلاكية عادية هي موريتانيا؛ ألا يوجد قانون ينظم الحياة السياسية في البلد ويمنع هذه الممارسة الإجرامية السيئة؟!”.
عبد الله مولود
نواكشوط – «القدس العربي»