قرأت للتو عدة مقالات كتبت خلال الأيام الرمضانية المباركة الماضية تهاجم العمل الجمعوي الخيري والقائمين عليه متخذة من مطالبة النائب البرلماني محمد غلام ولد الحاج الشيخ لرئيس الدولة بالإستقالة في جلسة البرلمان الأخيرة مطية لذلك .
ما جاء في مختلف تلك المقالات يوضح أن الهجوم لم يكن على الرجل ولا ردا على ما ورد في كلمته. ما ورد في المقالات هو هجوم على منهج معين وتوجه سياسي مخالف بدأ صوته الجهور يزعج ساكنة القصر الرمادي فانتدبت له من مصاصي دماء الشعب من لا خلاق له وقيم لديه ولا مروءة تمنعه من الولوغ في أعراض من انتدبوا أنفسهم لخدمة الشعب الموريتاني وإيثاره على أنفسهم.
إن محاولة متأنية لدراسة ما بين سطور تلك المقالات يمكن من خلالها الاستنتاج أن البعض بدأ يجر النظام الحالي وقيادته إلى مصادمات حقيقية مع طيف سياسي واجتماعي واسع من أبناء الوطن عبر التخطيط لمؤامرة يبدوا أن نسج خيوطها لم تستوى على سوقها.
ليكن في علم أصحاب الأقلام المأجورة ومن يقف خلفها أنه يحق لأي نائب برلماني أن يقول ما يراه تعبيرا عن اللحظة السياسية، وأن يعبر عنه بالطريقة التي يراها ملائمة في المكان الذي يجده مناسب. وليعلموا أن دعوة النائب محمد غلام ولد الحاج الشيخ لإستقالة الرئيس محمد ولد عبد العزيز هي نفس الدعوة التي حملتها منسقية المعارضة الديمقراطية في أيامها الأخيرة تحت شعار "الرحيل" حيث أعدت مسيرات تخدمه وتدعوا إليه، وبالتالي فإن هذه الدعوة ليست خروجا عن النص – بلغة المتمسرحين ومريديهم- بقدر ما هي استعادة لخطاب سياسي مرحلي تتعزز المطالبة به بوجود ممارسات الفساد واسعة الانتشار والتي ضخت فيه دماءا جديدة، بل أعادت إليه نضارته وشبابه.
الفساد على أشده في موريتانيا ولعل آخر تجلياته هو الاستمرار في عبثية الزيارات الكرنفالية التي يصرف عليها من دم المواطن وعرق العامل والضرائب على راتب الموظف ثم من وقت المعايد للإدارات حين يجدها خاوية على عروشها.
الفساد موجود في الصفقات حين يتم منحها للأقربين والمتملقين بالتراضي، الفساد موجود في المصارف والبنوك حين يتحول من لديه ذرة ممانعة إلى متهم مجرم يستحق أقصى العقاب والإقصاء والسجن، الفساد متجذر داخل إدارات الدولة حيث تعشش الرشوة وتقيم المحسوبية وتتوطن الانتفاعية.
الفساد هو المنهج المعتمد لدى الطبقة الحاكمة هذه الأيام سلوكا وأسلوبا وممارسة ولذلك من غير المستبعد أن تكون هناك حناجر على شكل خناجر تدافع عنه حال وجود ممارسيه في السلطة ثم تتحول عند زوالهم إلى أصوات مبحوحة لا تكاد تسمع لها همسا.
ونحن نرى كل ذلك عين اليقين ألا يحق لنا أن نعتبر أن الرئيس محمد غلام كان رصينا جدا في عباراته حيث طالب الرئيس بالاستقالة؟ نعم كان رصينا جدا كان عليه أن يصدح بكلمة المرحلة الحالية "إرحل" فهي لأنسب والأقرب للتعبير عن ما يجول في خواطر أبناء شريحة واسعة جدا من الطيف السياسي الوطني.
الوقت مناسبا جدا لأن نقول لرئيس الدولة "إرحل" فالأزمة السياسية على أشدها، والاقتصادية في أوج قوتها، والاجتماعية توشك أن تعصف بالمجتمع وكينونته، والنظام مشغول بتوزيع الفتات على ثلة من المعتكفين في محرابه، ثم المن على الشعب الموريتاني بحرية التعبير التي هي استحقاق دفع من أجله كثيرا من حرية وكرامة أبناءه.
نشد على أيدي النائب البرلماني محمد غلام ولد الحاج الشيخ في دعوته لرحيل رأس النظام لعل من انتدبوا أنفسهم للدفاع عنه اليوم يجدون موقعا في مستقبل البلد أو حظوة عند قادم حكامه.
/ محمد محفوظ المختار