تهدّد مياه المحيط الأطلسي بابتلاع نواكشوط في موقعها المنخفض والقريب من ساحل المحيط، نتيجة التغيرات المنتاخية وارتفاع مستوى البحر وانخفاض مستوى الكثبان الرمليّة القريبة من الشاطئ وتشبّع تربة العاصمة والتلوّث وعدم توفّر شبكة للصرف الصحي.
ومع كل تهديد بالغرق، يعبّر الموريتانيّون عن قلق كبير على عاصمتهم التي يسكنها ربع سكان البلاد، خصوصاً عندما يلمسون ذلك شخصياً. أحمد ولد سيداتي (39 عاماً)، مثلاً، فوجئ بعدم صلاحيّة قطعة الأرض التي اشتراها في غرب المدينة، على الرغم من أنها تقع في واحد من أرقى أحياء العاصمة. يقول: "بدأنا أشغال البناء وحفر الأسس، ففوجئنا بتدفق المياه الجوفيّة. وحين عاين المهندس منسوب تلك المياه، نصحني بوقف البناء".
إلى ذلك، أصبح المقاولون بمعظمهم يستخدمون الإسمنت المقاوم للملوحة في نواكشوط، ويختارون مشاريعهم بعيداً عن أحياء عدّة تقع تحت مستوى سطح البحر. وعلى الرغم من حاجة العاصمة إلى التوسّع العمراني، إلا أن مناطق في غرب نواكشوط وشمالها أصبحت غير صالحة للبناء بسبب الملوحة أو المياه الجوفيّة.
ويوضح الخبير البيئي، سيدي محمد ولد حمادي، أن "أحياء نواكشوط بمعظمها تقع تحت مستوى مياه المحيط. والعاصمة التي شيّدت عام 1957 على منخفض سباخ، يفصل بينها وبين المحيط شريط من الكثبان الرمليّة. وقد ساءت حال تربتها نتيجة تأثرها بعوامل عدّة، ولم تعد صالحة للبناء".
يضيف: "في البداية، كانت شبكة الصرف الصحي متواضعة فيها. ومع توالي سنوات الجفاف وما صحبها من تقلبات اجتماعيّة، استقبلت نواكشوط آلاف المهاجرين، وارتفع تعداد سكانها من ستة آلاف نسمة في عام 1962 إلى 958 ألف نسمة عام 2012. فاستقر السكان الجدد، ومعظمهم من القرى، في المناطق المنخفضة التي لا تصلح للسكن. لكن الدولة لم تحتوِ المشكلة ولم تعدّ أراضٍ صالحة للبناء وتوفّر بنى تحتيّة لاحتواء تدفّق المهاجرين نحو العاصمة. فكانت النتيجة أن المياه العادمة تُجمَع في خزانات تحت المنازل يتمّ تفريغها من حين إلى آخر في حين يتسرّب جزء منها".
ويشير ولد حمادي إلى أنه "ومع وجود مياه جوفيّة تحت نواكشوط قريبة من السطح وتربة هشّة مالحة، ومع استمرار ضخّ مياه الصرف في الأرض مباشرة وتغلغلها في بنية تربة مالحة، تآكلت قشرة الجبس الفاصلة ما بين التربة والمياه الجوفيّة، وهو ما أدى إلى خروج المياه في بعض المناطق إلى سطح الأرض".
تشبّع التربة
بدأ أول تهديد حقيقي للعاصمة في عام 2006، حين تدفقت موجة على الشاطئ أحدثت ثغرات في الحاجز الرملي الذي انخفض علوّه، الأمر الذي شكّل إنذاراً جاداً باحتمال غمر جزء كبير من نواكشوط بالمياه. وبعد أربع سنوات، بدأت السلطات تواجه الخطر بإنشاء خليّة التغيّرات المناخيّة في وزارة البيئة وإطلاق عدد من المشاريع لردم الثغرات في الحاجز الرملي واستصلاح الشاطئ. لكن مشكلة الصرف الصحي بقيت عصيّة على الحلّ.
ويقول الباحث، محمد المصطفى ولد إبراهيم، إن مدينة نواكشوط "معرّضة بشكل كبير لتأثيرات التغيّرات المناخيّة، بسبب موقعها الجغرافي القريب من الساحل وانخفاض مستوى الكثبان الرمليّة المتاخمة للشاطئ"، وهو ما أكدته دراسة للبنك الدولي أدرجت نواكشوط على قائمة أكثر عشر مدن في العالم تضرراً من الاحتباس الحراري.
ويوضح أن "نواكشوط هشّة أمام التغيّرات المناخيّة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وانخفاض موقع المدينة وتقلّص الحاجز الرملي الذي يفصلها عن المحيط. وقد ظهرت ثغرات عدّة في هذا الحاجز نتيجة الاستغلال المفرط للرمال في أعمال البناء والإنشاءات وأيضاً بسبب عوامل التعرية. وقد أحدثت أمواج البحر 11 ثغرة في الحاجز الرملي الذي انخفض ارتفاعه إلى ما دون الثلاثة أمتار بعدما كان يزيد عن ستة".
دراسات متشائمة
أعدّت مراكز أبحاث دوليّة وإقليميّة دراسات تحذّر نواكشوط من المدّ البحري، من بينها دراسة لوزارة البيئة والتنمية المستدامة بالتعاون مع برنامج التنمية الحضريّة حول مخاطر غمر نواكشوط بمياه المحيط الأطلسي. وتركّزت هذه الدراسة على تشخيص التدهور الحاصل للحزام الرملي الطبيعي واقتراح جملة من الحلول العمليّة، وأكّدت وجود خطر لا يمكن التغاضي عنه بسبب هشاشة الحاجز الرملي وارتفاع ملوحة بعض الأراضي.
وثمّة دراسة أخرى أعدّها باحثون وعلماء بدعم من البنك الدولي في عام 2008، حذّرت من مخاطر غمر المدينة بمياه البحر، وقد ربطت الأمر بتوافر ظروف بيئيّة معيّنة. كذلك، حذّر البنك الدولي من احتمال اختفاء نواكشوط في أفق عام 2020.
إلى ذلك، أشارت دراسة أعدّها المركز الجهوي للاستشعار عن بُعد لدول شمال أفريقيا (كريتين)، إلى أن التهديد بغمر العاصمة وبعض المناطق القريبة منها، هو تهديد حقيقي. فالانحباس الحراري ومشكلات المدينة تجعل نواكشوط أكثر عرضة لمخاطر التغيّرات المناخيّة وتبعاتها.
من جهتهم، يؤكّد خبراء من بينهم الدكتور زغلول النجار، أن مياه المحيط الأطلسي ستغمر العاصمة نواكشوط وستتجاوزها إلى نحو 150 كيلومتراً إلى الشرق.
حلول ممكنة
ويدعو علماء بيئيّون الحكومة الموريتانيّة إلى إيجاد حلول جذريّة وتأمين العاصمة من خطر الغرق، ويؤكدون على إمكانيّة تفادي الخطر إذا ما تحرّكت السلطات سريعاً لمواجهته، من خلال المحافظة على الساحل والنُظُم البيئيّة وحل مشكلات المدينة.
ويدعو الباحث البيئي، أحمدو ولد زيدان، إلى تبنّي استراتيجيّة للتأقلم مع التغيّرات المناخيّة وإيلاء هذا "الخطر" أهميّة كبرى، بوضع نظام لمواجهة عوامل التعرية ومراقبة مستوى المياه الجوفيّة وإنشاء مرصد للشاطئ.
ويقول: "من الضروري تعزيز الحاجز الرملي ووقف استنزاف الرمال من الشاطئ وإحداث شبكة للصرف الصحي وتفادي تشييد المباني في الأماكن الأكثر عرضة للغرق، بالإضافة إلى الاهتمام بالدراسات العلميّة البيئيّة والمشاركة في الملتقيات الدوليّة لتحديد أفضل مقاربة وجمع المساعدات لمواجهة الخطر".
إلى ذلك، يرى أن الدعوات التي أطلقها بعض العلماء لإيجاد عاصمة جديدة نظراً للخطر الذي تواجهه نواكشوط، غير منطقيّة، إذ إن "الحلول البيئية قادرة على إنقاذها".
جهود حكومية
تحاول الحكومة الموريتانيّة تدارك الوضع من خلال برنامج خاص لحماية العاصمة عبر استصلاح الشاطئ واستعادة الكثبان الساحليّة وزراعة حزام أخضر. وقد نجح مشروع التأقلم مع التغيّرات المناخيّة المموّل من صندوق البيئة العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة اليونسكو والدولة الموريتانيّة، في تثبيت الحاجز الرملي وإعادة تأهيله. –
العربي الجديد