بعد أسابيع قليلة من بدء جلسات محاكمة 20 متهماً في قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، أعدت النيابة العامة التركية، الإثنين، لائحة الاتهام الثانية بحق 6 مشتبهين سعوديين، في إطار التحقيقات المتواصلة بالقضية، وذلك بالتزامن مع قرب الذكرى السنوية الثانية على الجريمة التي هزت العالم.
وطلبت النيابة في لائحة الاتهام بإنزال عقوبة السجن المؤبد المشدد على اثنين من المشتبه بهم، والحبس من 6 أشهر إلى 5 سنوات لكل من الـ 4 الآخرين. وبعد مصادقة النيابة على اللائحة المكونة من 41 صفحة والمعدة بحق 6 مشتبهين فارين، أرسلتها إلى المحكمة لدمجها مع القضية المرفوعة ضد المتهمين الـ20 الآخرين.
وتضمنت اللائحة طلبا بإنزال عقوبة السجن المؤبد المشدد على معاون القنصل سلطان يحيى أ. والملحق ياسر خالد م. بتهمة “القتل العمد والتعذيب الوحشي مع سبق الإصرار والترصد”، والسجن من 6 أشهر لـ 5 سنوات لأحمد عبد العزيز م. وخالد يحيى م. ومحمد إبراهيم أ. وعبيد غازي أ. بتهمة “إخفاء أو إزالة أو تغيير أدلة الجريمة”.
وعلى الرغم من أن القضاء لم يكشف تفاصيل أكثر عن المتهمين الجدد ولا أسمائهم الكاملة إلا أنه يمكن مطابقة الأسماء الأولى مع بعض الأسماء التي جرى تسريبها عقب الجريمة.
ومن بين المتهمين الجدد المختص الكيميائي أحمد عبد العزيز الجنوبي وخبير السموم خالد يحيى الزهراني اللذان وصلا إسطنبول على رأس فريق بعد أيام من جريمة قتل خاشقجي على أنهما أعضاء في فريق التحقيق السعودي قبل أن يتبين أنهما مسؤولان عن فريق وصل خصيصاً من أجل محاولة محو آثار الجريمة بشكل كامل وآثار الجثة وتضليل فرق التحقيق التركية لمنعها من الوصول لأي أدلة ملموسة تتعلق بالجريمة.
وكانت صحيفة صباح التركية كشفت آنذاك أن السعودية أرسلت بعد 9 أيام من جريمة خاشقجي فريق “مسح وإخفاء الأدلة”، بزعامة الجنوبي والزهراني حيث عمل الفريق لمدة أسبوع كامل متنقلاً بين مبنى القنصلية الذي شهد جريمة القتل ومنزل القنصل الذي يعتقد أنه شهد عملية التخلص من الجثمان.
وإلى جانب الجنوبي والزهراني، طالبت النيابة بإنزال عقوبة السجن المؤبد المشدد بحق 2 آخرين كانا ضمن فريق الاغتيال الأساسي لخاشقجي وهما من الموظفين الأساسيين في مبنى القنصلية قبيل الجريمة أحدهما كان يحمل مسمى “معاون القنصل” وآخر يحمل مسمى “ملحق” حيث ثبت أنهما كانا على علم بالجريمة قبيل تنفيذها وشاركا في التخطيط والتنفيذ، وغادرا تركيا بصحبة فريق الاغتيال عقب تنفيذ الجريمة.
وفي يوليو/ تموز الماضي، عقدت في إسطنبول أولى جلسات محاكمة 20 من المتهمين بارتكاب جريمة قتل خاشقجي، وسط تأكيدات على ضرورة الكشف عن مسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الجريمة عقب إثبات التهم الموجهة لمستشاره سعود القحطاني ومساعده أحمد عسيري أبرز المتهمين المباشرين في الجريمة التي ما زال يكتنفها الكثير من الغموض لا سيما فيما يتعلق بمصير الجثمان والمستوى السياسي الأعلى الذي أعطى الأوامر لتنفيذ الجريمة.
وجرت المحاكمة بناء على لائحة اتهام مكونة من 117 صفحة كانت النيابة التركية العامة في إسطنبول قد أعدتها بحق المتهمين في الجريمة في 25 مارس/آذار الماضي وطالبت فيها النيابة بإنزال عقوبة السجن المؤبد المشدد بحق المتهمين “أحمد بن محمد العسيري” و”سعود القحطاني”، بتهمة “التحريض على القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي”، والمؤبد بحق الـ 18 الآخرين بتهمة “القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي”، وأشارت اللائحة إلى أن العسيري والقحطاني خططا لعملية القتل وأمرا فريق الجريمة بتنفيذ المهمة.
وبموجب لائحة الاتهام، فإن العسيري هو المسؤول الأول عن التخطيط للعملية، وأنه هو من أعطى التعليمات للمتهم منصور أبو حسين بتشكيل فريق من أجل التعامل مع خاشقجي في حال رفض الأخير العودة إلى السعودية طوعاً أو قاوم قرار نقله للمملكة، فيما صنف القحطاني على أنه المتهم رقم 2 في القضية باعتبار أنه لعب دوراً محورياً في تهديد خاشقجي سابقاً وتكوين فريق القتل لاحقاً.
واعتبرت لائحة الاتهام منصور أبو حسين المتهم رقم 3 في القضية لدوره الأمني والاستخباراتي المتقدم في الفريق وجرى وصفه مجدداً في لائحة الاتهام بأنه عمل بمكتب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو أحد المتهمين بالمشاركة في عملية القتل وتقطيع الجثمان وإخفائه بشكل مباشر.
وتسببت جريمة خاشقجي في توتر العلاقات التركية السعودية، وانهالت انتقادات دولية غير مسبوقة للسعودية لا سيما ولي العهد محمد بن سلمان الذي عبرت العديد من الحكومات الغربية إلى جانب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) عن اعتقادها أنه هو من أصدر الأوامر بقتل خاشقجي.
ومنذ وقوع الجريمة حتى اليوم، كشفت التحقيقات التركية عن كافة التفاصيل المتعلقة بالجريمة من حيث الأوامر والمسؤولين والمنفذين وهوياتهم وطريقة تنفيذ العملية ودخول وخروج البلاد ومحاولات التمويه، وأثبتت ذلك من خلال تسجيلات مصورة، لكن اللغز الأكبر ما زال يتعلق بجثمان خاشقجي الذي لم يعلن حتى الآن عن أي أدلة جنائية تثبت مكانه أو طريقة التخلص منه على الرغم من الاعتقاد الراسخ بأدلة غير قطعية أنه جرى تقطيع الجثمان في القنصلية ونقله إلى منزل القنصل حيث تم هناك التخلص منه عن طريق فرن كبير يوجد في باحة المنزل بالإضافة إلى استخدام مواد كيميائية قوية محت أي آثار تتعلق بالجثمان. ويُؤمل أن تكشف جلسات المحاكمة تفاصيل جديدة عن مصير الجثمان.