بينما تواصل شرطة الجرائم المالية بصمت تحقيقاتها مع ثلاثة من أقرباء الرئيس السابق ممن يعدون من أكبر أثرياء البلد، يواصل هو حربه ضد النيابة العامة وضد البرلمان، حيث عدد جبهات تصديه للتحقيقات الجارية معه.
فقد فتح الرئيس السابق جبهة دفاع يقودها من باريس محامون فرنسيون، هاجموا في رسالة للرئيس الغزواني مسار التحقيقات الجارية مع موكلهم، وهددوا بمقاضاة جميع من ينشط فيما يعتبرونه “استهدافه”، كما فتح الرئيس السابق جبهة أخرى للدفاع عنه يقودها مهاجرون موريتانيون في الولايات المتحدة.
وعلى المستوى الداخلي حيث بدأ الخناق يضيق على الرئيس السابق، واصل فريق دفاعه مقارعة لفيف المحامين المدافع عن الدولة التي تعتبر المتضرر المدني في هذا الملف.
وأكد دفاع الرئيس في بيان وزعوه أن “اللفيف المدافع عن الدولة تحدث مرارا بوصفه يمثل الطرف المدني في مسطرة متابعة موكلنا، وفات عليهم أن مركز الطرف المدني لا ينشأ –قانونيا- في هذه المرحلة، لأنه يتعلق بالطرفية في الدعوى المدنية التابعة إذا ما وجه الاتهام وحركت الدعوى العمومية المتبوعة، أما قبل ذلك فلا وجود لدعوى حتى يكون لها أطراف مدنية أو غير مدنية”.
وأضاف البيان: “ثم إنه إذا ما نشأ هذا المركز القانوني، فلن يكون لصاحبه الحديث فيما سوى دعواه المدنية من قبيل تحديد الضرر وتقدير التعويض، أما الحديث في الدعوى العمومية ومبرراتها وموانعها فشأن النيابة العامة”.
“أما مركز الشاكي القائم بالحق المدني لدى الشرطة، يضيف البيان، فلا يرتب أي حق سوى منح صاحبه مركز الطرف المدني إذا نشأت الدعوى، وهو يستوجب تقديم شكاية متضمنة لطبيعة الضرر وحجمه وسببه، ومعلوم أن منشأ هذه المسطرة هو نتائج التحقيق البرلماني غير الدستوري، وليس شكاية مقدمة من طرف هذا اللفيف”.
وتابع محامو الرئيس السابق ردودهم على خصومهم في الدفاع عن الدولة: “ناقش هذا اللفيف مضمون المادة 93 من الدستور، فخلط المصطلحات واستنجد بمفاهيم عامة من قبيل “المستساغ” و”الثقافة” محاولا دحض نص دستوري واضح وصريح وجلي ولا يقبل التأويل، وهو فوق ذلك تجسيد لمبدأ معروف، ومن العجيب حقا ألا يكون هذا اللفيف على علم بمبدأ جمهوري تقليدي معروف ومشهور، هو مبدأ عدم مسؤولية رئيس الجمهورية عن الأفعال التي يقوم بها أثناء ممارسته سلطاته”.
وزاد البيان: “الأغرب من ذلك أن يعتبر اللفيف عدم المسؤولية هنا أمرا صادما، ومن المعروف والمشهور والمتداول لدى القانونيين في الجامعات وفي المحاكم أن تقرير عدم المسؤولية عن بعض الأفعال إنما يتم حماية لبعض الوظائف الخطيرة والمهن الحساسة حتى يتأتى لأصحابها أن يؤدوا مهامهم بحرية دون ضغط أو تخويف أو تأثير، وتسمى الحصانة الموضوعية، لأنها تحصن موضوعا معينا من أن يكون محلا للمساءلة، وتلازم صاحبها دائما، كأفعال الرئيس أثناء مأموريته طبقا للمادة 93 من الدستور، وكما يدلي به نواب البرلمان من رأي أو تصويت أثناء أداء مهامهم طبقا للمادة 50 من الدستور، وكما يباشره المحامون من إجراءات لصالح موكليهم أو ما يبدونه من آراء أثناء ممارستهم مهنتهم أو بمناسبتها طبقا للمادة 44 من قانون المحاماة”.
وتساءل محامو الرئيس السابق في بيانهم قائلين: “فهل يعتبر اللفيف عدم مسؤولية النواب في المادة 50 من الدستور، وعدم مسؤولية المحامين في المادة 44 من قانون المحاماة أمرا صادما للضمير الجمعي لشعبنا؟! وهل يساءل النواب والمحامون عن أفعالهم المحصنة بعد انتهاء وظائفهم؟!”.
وأضافوا مدافعين عن موكلهم: “أما الأخطر من كل هذا في بيان اللفيف فهو الخلط الفج بين الحصانة الموضوعية التي هي مانع من موانع المسؤولية حيث تمنع المساءلة عن أفعال معينة، وبين الحصانة الإجرائية التي تمنع إجراءات المتابعة خلال فترة معينة أو دون القيام بإجراءات خاصة معينة، غير أنها لا تكون مانعا من المسؤولية”.
وحول امتناع الرئيس عن الرد على أسئلة المحققين التي انتقدها دفاع الدولة واعتبره ازدراء لمؤسسات الدولة، أكد دفاع الرئيس السابق أن “ما قاله محامو الدولة عن ممارسة حق الصمت المكرس في كل قوانين العالم باعتباره جزءا من حقوق الدفاع المقدسة، فهم يناسب الدول البوليسية وأنظمة التعذيب والإكراه، أما دولة القانون والحريات فحقوق الدفاع فيها مقدسة سيما إذا ارتبطت بمبدأ استصحاب البراءة الأصلية”.
وحول تقييد حرية الرئيس السابق، أكد محاموه في بيانهم أن “لفيف محامي الدولة حاول أن يمنح وكيل الجمهورية حق تقييد الحريات المكفولة دستوريا دون الاستناد على قانون، ليعطوه بذلك حق منع موكلنا من التنقل دون مراعاة عدم الاختصاص طبقا للمادة 93 من الدستور، ودون الالتزام بالضوابط والآجال المحددة في المادة 40 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 33 من قانون مكافحة الفساد”.
هذا، ومن المتوقع أن تحيل النيابة العامة ملف الرئيس السابق إلى «قاضي التحقيق»، الذي سيتولى الإشراف على التحقيق الجنائي، وبناء على ذلك يمكنه أن يحيل المتهمين إلى السجن على ذمة التحقيق.
ولم يعرف حتى الآن إن كانت جميع الملفات ستكون موضع «تحقيق جنائي»، أم أن بعضها ستحفظ فيه الدعوى، بناء على المعلومات التي توصلت إليها الشرطة.
وتضمنت الملفات المحقق فيها صفقات الشركة الموريتانية للكهرباء «صوملك»، وصفقات البنية التحية، وصفقات الشركة الوطنية للصناعة والمناجم «سنيم» وسياساتها التجارية، وبيع عقارات الدولة.
وفور استلامها الملفات، أعلنت النيابة العامة أن «إجراءات البحث والتحقيق ستتم بشكل مجرد ومحايد، وطبقا للقواعد والمعايير الإجرائية المقررة قضائيا»، متعهدة بأن ستعطيها الوقت اللازم.
وأكدت النيابة العامة أن كل من يكشف البحث عن ارتكابه لوقائع مجرمة ستتم متابعته وتقديمه أمام القضاء المختص لينال الجزاء المناسب، في إطار محاكمة عادلة تضمن احترام حقوق الدفاع.
وفيما تتفاعل هذه التحقيقات، يواصل الرأي العام الموريتاني بفارغ صبر انتظاره لاكتمال التحقيقات وللمسار الذي سيأخذه ملف الرئيس السابق.