تشهد العاصمة الموريتانية نواكشوط هذه الأيام نشاطا ديبلوماسيا واسعا مركزا حول تجديد وتنشيط آليات مكافحة الإرهاب ضمن مرحلة ما بعد كوفيد -19، حيث تتوازى فيها حاليا زيارتان مهمتان لكل من المنسق المساعد للمكتب الأمريكي لمكافحة الإرهاب اكريس هارنيش، والمبعوث الفرنسي الخاص للساحل فريدريك بونتمر.
الزيارتان تظهران التنافس الكبير بين باريس وواشنطن حول قيادة التنسيق الدولي لمكافحة الإرهاب في الساحل بعد شهر واحد من جولة لبيتر فام، المبعوث الأمريكي لمنطقة الساحل شملت موريتانيا ومالي.
وبدأت حكومة الرياض من جانبها حشر أنفها في ملف الساحل حيث بدأ اليوم وزيرها للشؤون الإفريقية أحمد بن عبد العزيز قطان قادما من مالي، زيارة لموريتانيا في إطار، ما سمته الوكالة الرسمية للأنباء، “تعزيز علاقات التعاون بين المملكة العربية السعودية ومجموعة دول الخمس في الساحل”.
وتعتبر موريتانيا بتوليها حاليا الرئاسة الدورية لمجموعة دول الساحل الخمس، وبوجودها على مشارف الساحل الإفريقي ولكونها همزة بين المغرب العربي وغرب إفريقيا، عاصمة التنسيق الدولي الحالي لعمليات مكافحة الإرهاب التي شهدت فتورا بسبب تبعات وباء كوفيد- 19، والتي يجري حاليا تنشيطها بآليات جديدة.
والتقى المبعوث الفرنسي الخاص للساحل الذي زار موريتانيا في شهر فبراير الماضي كلا من الرئيس محمد ولد الغزواني، ووزير الدفاع حننا ولد سيدي، ووزير الخارجية إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ووزير الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الانتاجية عثمان ممدو كان.
وتباحث المنسق المساعد للمكتب الأمريكي لمكافحة الإرهاب اكريس هارنيش، مع وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل الشيخ أحمد، ووزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الداه سيدي أعمر طالب.
وأكد بيان للسفارة الأمريكية بنواكشوط “أن مهمة اكريس هارنيش هي التباحث مع نظرائه الموريتانيين في عدد من القضايا الملحة المتعلقة بمكافحة الإرهاب، بما في ذلك وضعية المقاتلين الإرهابيين الأجانب ومكافحة التطرف العنيف والدور الذي تلعبه الحكومة والمجتمع المدني لمكافحة الإرهاب”.
أما المبعوث الفرنسي الخاص للساحل فريدريك بونتمر، فقد أكد في تصريح صحافي أنه “جاء إلى موريتانيا بصفته مسؤولا عن مهمتين إحداهما كمبعوث فرنسي خاص للساحل والأخرى بصفته يتولى منذ عدة أشهر وبشكل مؤقت مهمة الأمين العام لتحالف الساحل الذي يضم مجموعة من الدول الشمال والجنوب على أساس مقاربة متعددة لحل قضايا الساحل”.
وقال “أنا هنا في موريتانيا في إطار أول سفر لي في دولة ساحلية منذ تعييني في منصب مبعوث فرنسا للساحل قبل شهر تقريبا، ووددت في هذا الإطار تقديم موريتانيا أولا بصفتها رئيسا دوريا لمجموعة الخمس في الساحل وكذلك بصفتها تحتضن مقر الأمانة الدائمة لهذه المجموعة”.
“وقد حظيت منذ مجيئي إلى موريتانيا، يضيف فريدريك بونتمر، بلقاء وزير الاقتصاد الذي ترأس مؤخرا مجلس وزراء مجموعة الخمس في الساحل، وكذا وزير الشؤون الخارجية والتعاون ووزير الدفاع، وها هي هذه اللقاءات تتوج بلقاء مطول مع فخامة رئيس الجمهورية مكنني من استعراض الوضع الإقليمي وبرنامج عمل مجموعة الخمس في الساحل والتحديات التي تواجهها وكذلك إنجازاتها”.
وأكد المبعوث الفرنسي “أنه مرتاح جدا لمستوى التعاون المتميز بين فرنسا وموريتانيا من جهة وكذا بين فرنسا ومجموعة دول الساحل الخمس من جهة أخرى وبطبيعة الحال بين التحالف العام للساحل الذي يتولى أمانته العامة وهذه المجموعة”.
وتنضاف كل هذه المباحثات للمباحثات التي أجراها بيتر افام، أول مبعوث أمريكي خاص إلى الساحل خلال زيارته لموريتانيا خلال الفترة من 6 إلى 9 سبتمبر المنصرم، والتي التقى خلالها الرئيس محمد ولد الغزواني، والوزير الأول محمد ولد بلال، ووزراء العدل، والدفاع، والخارجية، والشؤون الإسلامية، والشؤون الاقتصادية، ومفوض حقوق الإنسان.
وتجري في الخفاء حرب سياسية ومعارك نفوذ شديدة بين باريس وواشنطن حول الدور العسكري لمجموعة دول الساحل حيث تسعى فرنسا لإدراج العمل العسكري للمجموعة تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة مؤيدة في ذلك مطلب دول المجموعة، وهو ما رفضته الولايات المتحدة ولوحت باستخدام الفيتو ضده، قبل أن تتراجع عنه فرنسا، لكنه ما يزال مطروحا بل شرطا لنجاح المواجهة العسكرية للمجموعات الجهادية المسلحة.
وللمحافظة على وجودها في هذا الملف عوضت واشنطن عن رفضها لإدراج القوة العسكرية لدول الساحل بتقديم دعم مالي بمبلغ 60 مليون دولار للقوة المشتركة، لكن التعويض الأمريكي لم يؤد للتراجع النهائي عن قضية الإدراج التي تشكل لحد الآن عثرة كبرى في وجه القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل.
عبد الله مولود
نواكشوط – “القدس العربي”