رغم محاولات لتعويض أسواق الخضروات المستوردة من المغرب عبر منفذ الكركارات بخضروات منقولة من الجنوب، فقد بدت أسواق العاصمة الموريتانية شبه خاوية أمس وأسعار الموجود منها مرتفعة، حيث وصل كيلو الطماطم لأزيد من دولارين.
وبما أن نشطاء صحراويين في المنطقة العازلة بين الجانبين هم المسؤولون عن التوقف المستمر منذ أيام لحركة الشاحنات من وإلى الكيلومتر 55 من مدينة نواذيبو على الحدود الموريتانية مع الصحراء الغربية، فقد أثارت هذه القضية وانعكاساتها على أسواق الاستهلاك الموريتانية المعتمدة على هذا المنفذ، جدلاً ونقاشاً حول ضرورة بحث موريتانيا عن الاستغناء الغذائي، وحول علاقات موريتانيا بصحراويي جبهة بوليساريو الذين لم يراعوا، حسب المدونين، المصالح الموريتانية في إغلاقهم للمعبر.
ويعتصم النشطاء الصحراويون القادمون من المخيمات الصحراوية في تندوف ومن البوادي الصحراوية الخاضعة لسيطرة جبهة بوليساريو على أعين قوات الأمم المتحدة “المينيرسو” وقوات الجيش الصحراوي، في مخيم ضربوه على الطريق غير المعبد الفاصل بين جانبي الحدود، وقد زارهم الجنرال الباكستاني الذي يقود البعثة الأممية”. إن جبهة بوليساريو سكتت عن فتح منفذ الكركارات لأسباب إنسانية تعلقت حينها بلم شمل الصحراويين في اللجوء والشتات مع ذويهم القادمين من الجزء الواقع تحت السيطرة المغربية، والمغرب سكت عنها لأنها تنسجم مع الواقع الجيوسياسي الذي صنعته المملكة على الأرض”.
وقال محللاً خلفيات الأزمة: “مؤخراً، اشتغل طرفا النزاع الصحراوي (المغرب وجبهة بوليساريو) كثيراً بقضية الصحراء على الصعيدين الدبلوماسي والحقوقي، وذلك لخلق واقع يغير مفردات نقاشات مجلس الأمن الدولي المتوقعة في نوفمبر القادم، فالمملكة المغربية فتحت قنصليات لبعض الدول الإفريقية في مدن العيون والداخلة وحاولت كل جهدها أن تنضم للمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا “الإيكواس” رغم أن عدم الانتماء جغرافياً للمنظمة شبه الإقليمية والفيتو النيجيري خذلها كثيراً، وقد نجحت المملكة المغربية حتى الآن في استدامة البعثة الأممية للعقد الثالث والحفاظ على الفيتو الفرنسي والغربي عموماً رغم رزنامة التحفظ الروسية”.
وتابع إسماعيل يعقوب: “الجانبان تحاورا بشكل مباشر مرتين في جنيف نهاية السنة قبل الماضية وبداية الماضية تحت راية الأمم المتحدة، لكن سرعان ما استقال المبعوث الأممي للمنطقة وهو الرئيس الألماني الأسبق لأسباب شخصية وتوقفت المفاوضات المباشرة”. وقال: “المعبر الحدودي الذي تسميه البوليساريو “ثغرة غير شرعية” ويسميه المغرب نقطة الحدود الجنوبية، لن يفتتح على الأرجح إلا بعد اجتماع مجلس الأمن حول القضية في نوفمبر المقبل، وقد يتحول الاعتصام المعرقل له إلى مخيم جديد للاجئين الصحراويين المعتصمين للإيغال في إحراج المملكة المغربية وإظهارها كبلد محتل للصحراء الغربية منكلٍ بمواطنيها؛ ولن يتجرأ الجيش المغربي على الأرجح على تفكيك الاعتصام بالقوة لكي لا يقترف خرقاً لوقف إطلاق النار، حيث يقع الاعتصام خارج (الجدار السادس)، وهو آخر حلقات الجدار العازل الملغوم الذي يفصل عملياً بين الفريقين والذي بناه المغرب على طول 2700 كلم وتزيد قليلاً”.
“لكن الجيش الصحراوي هو الآخر، يضيف الخبير، لن يتمكن من الانتشار خارج مناطق الاتفاق العسكري تجنباً لحرج اختراق وقف إطلاق النار، والبوليساريو المرغمة على فعل شيء محرجة جداً بسبب تداعيات الإغلاق على السوق الموريتانية، وقد تعمل على إغراق هذا السوق ببدائل زراعية من الجزائر سدّاً للذريعة”.
“في المحصلة، يقول المحلل، فإن ما يحدث في الكركارات وإن كان في ظاهره عملاً مدنياً حقوقياً يرفع القائمون عليه شعارات سياسية، فهو قتل عملي لنقطة الوصل البري الوحيدة بين المغرب وإفريقيا بعد خمس وعشرين سنة من الإغلاق البري للحدود المغربية الجزائرية، وسيلتزم الموريتانيون رسمياً، على الأرجح، الصمت والحياد تجاه الحدث، وسيتبنون البدائل استعجالياً؛ لأن سعر كيلو الخضروات تضاعف في نواكشوط بثلاثة أضعاف سعره الأصلي في يومين بسبب توقف التموين من المزارع المغربية، لكن مئات المواطنين المغاربة في نواكشوط ونواذيبو العاملين في تجارة الفاكهة والخضار القادمة من الداخل المغربي قد يضطرون لاستجلاب بضائعهم عبر البحر”.
وخلص إسماعيل يعقوب لتأكيد “أن اعتصام الگرگارات في أكتوبر 2020 هو عنوان لمرحلة جديدة من الصراع على الصحراء الغربية، يخوضها مدنيون بعيون عسكرية وعقول سياسية”.
وعلق المدون يوسف الجكني، قائلاً: “إلى متى ستظل حياتنا المعيشية مرهونة بالغير؟ أزمة بسيطة تقلب حياتنا رأساً على عقب، فنحن نمتلك أرضاً خصبة، ورغم ذلك نستورد الخضار، وشبابنا عاطل عن العمل، لكن الغريب أن تجارنا ورجال أعمالنا يثقون بما يجلبوه من خارج البلاد أكثر من داخلها”.
وتساءل محمد الكوري العربي، القيادي في حزب الإصلاح، قائلاً: “لمصلحة من إغلاق الكركارات..؟” وقال: “فليس من مصلحة البوليساريو أن يزيدوا معاناة على معاناة المواطنين الموريتانيين، الأمر الذي سيفقدهم تعاطفاً كبيراً وعمقاً إستراتيجياً للصحراويين، وإغلاق المنفذ ليس في مصلحة موريتانيا لأنه سيراكم نكداً على نكد ويعجل من تفجر الغضب الشعبي الذي يغلي تحت المرجل، وهو ليس من مصلحة المغرب الذي يعزلها عن الأسواق الإفريقية”.
وأضاف: “ماذا يضر الجزائر إذا أغلقت الكركارات، وانعزلت المغرب عن الأسواق الإفريقية وتعفنت شاحنات الخضرة على الحدود الموريتانية؟ وماذا تخسر الجزائر إذا اتجهت موريتانيا، والحالة هذه، نحو المنتجات الزراعية الجزائرية تعويضاً، وبديلاً عن المنتوجات الزراعية المغربية؟”.
أما محمد الأمين الفاضل، أبرز مدوني موريتانيا، فقد أكد “أن تكرار غلق معبر الكركرات أصبح يطرح مشكلة حقيقية، وهو ما يفرض على موريتانيا كدولة أن تفكر بشكل جدي في إيجاد حل نهائي لهذه المشكلة”.
وأضاف أن الحل يجب أن يكون من شقين: مؤقت (تكتيكي)، ودائم (استراتيجي)، فالحل التكتيكي يتمثل في تفعيل البديل، وهو استيراد الخضروات من السنغال أو الجزائر لخلق بدائل، بينما الحل الاستراتيجي هو وضع خطة استراتيجية فعالة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضروات، بل وتحقيق فائض من الخضروات يتم تصديره إلى مالي المجاورة على سبيل المثال.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»: