لم تهدأ لحد الآن أنشطة الاحتجاج على الأنشطة المضادة لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المسيئة للإسلام، حيث سمحت السلطات بتنظيم تظاهرة كبرى بعد صلاة الجمعة تشارك فيها الفعاليات السياسية والدينية والشعبية الموريتانية من كافة الاتجاهات.
وأدانت أحزاب اتحاد قوى التقدم، وتكتل القوى الديمقراطية، وحزب الصواب، وحزب التناوب الديمقراطي، وهي أكبر أحزاب المعارضة أمس “الإمعان في نشر رسوم الكاريكاتير المسيئة للإسلام وللرسول محمد عليه الصلاة والسلام في فرنسا” معتبرة “أن هذا الفعل ينطوي على أبعاد عنصرية مقيتة، تسيء في المقام الأول إلى من يقترفها، كما أنها لا تخدم السلم بين الدول والشعوب”.
وأعربت الأحزاب المذكورة في بيان مشترك أمس عن “إدانتها المطلقة لموقف النظام الفرنسي المستفز”، رافضة “بشدة وبحزم كل عمل إرهابي لمواجهة الاستفزازات” ومعتبرة أن “العنف لا يولد غير العنف”.
ودعت الأحزاب الجميع إلى “التعبير عن المشاعر وعن نصرة الجناب الشريف بكل الطرق المدنية والسلمية”، كما دعت “كافة الشعوب والحكومات الإسلامية وجميع الأحرار في العالم، لشجب الإساءة إلى نبيّ الإسلام، التي يُصرّ البعض في فرنسا على مُواصلتها”. وأوضحت الأحزاب “أن فرنسا تجتاحها هذه الأيام حمّى نشر رسوم الكاريكاتير المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، ما يعكس رغبة لدى أوساط عديدة في هذا البلد في الاستمرار في تشجيع ونشر “الإسلاموفوبيا” في أبشع صورها، من اضطهاد للمرأة المسلمة كمنع الفتيات والبنات المحجبات من الدراسة وأحياناً من العمل، وبثّ الكراهية ضد الإسلام والمسلمين”.
وتابعت الأحزاب التعبير عن مواقفها قائلة “إن التبنّي الرسمي للرسوم المسيئة للرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، الذي أقدم عليه النظام الفرنسي، وعرضها على المباني الشاهقة، هو احتقار صارخ لمليار ونصف من المسلمين. وإننا، وفي الوقت الذي نشعر فيه بالغضب الشديد من هذه الحملة المسعورة التي أراد لها أصحابها أن تكون تحت شعار “حرية التعبير”، فإننا نرى أن الأمر إنما هو حق أريد به باطل، حيث إن الإسلام يبقى المستهدف الوحيد بهذا الشكل الممنهج، كما أن حرية التعبير لا يمكن أن تبرر، لأي سبب من الأسباب، الاستفزاز والتهجم على معتقدات أكثر من مليار ونصف شخص في العالم”.
وضمن تدوينات كبار الساسة والكتاب حول الأزمة مع فرنسا، كتب وزير الخارجية الأسبق محمد فال بلال، رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات: “هل تعلم أن صحيفة “شارلي إبدو” كانت تسمى “هارا كيري” في أيامها الأولى، وذات يوم، نشرت رسماً كاريكاتورياً عن الجنرال ديغول، فصدرت ضدها أحكام قاسية من القضاء الفرنسي من ضمنها مصادرة عددها ذاك، وحلّها وتحريم استخدام اسمها وشعارها (المرجع: الجريدة الرسمية الفرنسية بتاريخ 15 نوفمبر 1970)، والسبب الذي أثارته العدالة الفرنسية هو “قدسية شخص ديغول”؟.
وأضاف: “ولكي يتمكن صحافيو “هارا كيري” من الاستمرار في عملهم والحصول على المعيش، قرروا الانطلاق في مغامرة جديدة، فتدبروا أمرهم وبحثوا عن اسم مثير ومستفز يعيد إلى الذاكرة “هارا كيري” والرسوم الديغولية، وفكروا في اختيار اسم “شارل ديغول إيبدو” أو “شارلْ إيبدو”، ولكنهم خافوا من سيف العدالة، فاختاروا اسم “شارلي إيبدو”، هكذا كانت البداية”.
“وهل تعلم، يضيف الوزير بلال، أن بعض هؤلاء “الكاريكاتيريين” الذين يرفضون اليوم قدسية نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، ويسيئون إليه برسوم مهينة هم أنفسهم من تعرضوا للعقوبة عام 1970 بسبب “كاريكاتيرات ديغول”، وهل تعلم أن هذه الدولة الفرنسية التي حرمتهم من هذا الحق بالنسبة لديغول هي نفس الدولة التي تمنحهم اليوم حق الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل تعلم أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ترفض اعتبار الإساءة للرموز الدينية رافداً من روافد حرية التعبير؟”. وقال: “مع هذا كله، يأتيك ماكرون ليقول لك إن أي مسلم ساخط من الرسوم المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام (كما سخط الفرنسيون قبلهم من رسوم ديغول)، إنما هو متطرف ومتعصب لا يستطيع العيش في الجمهورية، هل هناك وقاحة أكثر من هذه؟”.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»