تواصلت في موريتانيا أمس ضغوط كبار الساسة والمدونين على الرئيس الغزواني من أجل التصرف والتعامل بقوة مع إغلاق البوليساريو لمنفذ الكركرات الحدودي الضار، حسب الضاغطين بمصالح موريتانيا، حيث تعبر منه وارداتها الغذائية القادمة من المغرب، وتعبر منه صادراتها السمكية الموجهة نحو أوروبا عبر المغرب.
وتزامن هذا الإغلاق وما صاحبه من ضغوط، مع إعادة نشر قام بها المدونون لتصريحات سابقة أدلى بها الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي خلال لقاء مع ممثلي عدد من الأحزاب السياسية الموريتانية التي حضرت مؤتمر جبهة البوليساريو الأخير.
وحث إبراهيم غالي موريتانيا في تصريحاته تلك التي لم ترق لكثير من الساسة، على التدخل لتحريك الملف الصحراوي الذي يواجه الإهمال، مهدداً بأن الصحراويين لن يبقوا مكتوفي الأيدي طول الزمن، وبأن موريتانيا هي المتضرر الأول إذا عاد الملف لوضع ما قبل وقف إطلاق النار لعام 1991.
وكتب الوزير سيدي وحمد محم والرئيس السابق لحزب الاتحاد الحاكم في موريتانيا: «تابعت بعناية تصريحاً أدلى به الأخ إبراهيم غالي، الأمين العام لجبهة البوليساريو، وبغض النظر عن سياق التصريح وتوقيت نشره، وبغض النظر عن التفسيرات التي أعطيت له في الجانب المتعلق بعلاقات الشعبين الصحراوي والموريتاني، فإنني أوضح للأخ إبراهيم أن القول بأن موريتانيا هي أكبر متضرر من الحرب غير دقيق ولا ودي بالمرة، فإما أن تكون أطراف النزاع جميعاً متضررة ونحن متضررون بضررها باعتبارهم إخوة لنا وأهلاً وجيرة، وإلا فإننا غير متضررين مطلقاً، إذ لسنا طرفاً في النزاع على أية أرض، وليست لنا مطالب ولا مشاكل مع أي كان، وقد عملنا جاهدين مذ خرجنا من هذا النزاع على أن ندفع باتجاه الحل في سياقه الدولي الذي ارتضته أطرافه، وبالتالي فقد كنا دائماً جزء من الحل ولسنا طرفاً في المشكل».
وأضاف: «وأكثر من ذلك، فنحن قادرون على تحقيق وحماية مصالحنا الاقتصادية الحيوية، وبناء التوازن والحياد في علاقاتنا مع الأشقاء والجيران، أما الأهم من كل ذلك فهو أننا قادرون وأكثر من أي وقت مضى على الدفاع عن حوزتنا الترابية شبراً بشبر وذرة بذرة في وجه أي معتد مهما كان».
«لذلك، يضيف الوزير السابق ولد محم، أتمنى صادقاً، سيادة الأخ الأمين العام أن تنتبهوا لتعابيركم وتصريحاتكم حين تكون موجهة إلى موريتانيا، فلا يقبل ممن هو في خبرتكم وتجربتكم ومستوى معرفتكم بالملف أن يُصدر تصريحات قابلة للتأويل بما يسيء إلى علاقات شعبين نجحا بجدارة كبيرة في تجاوز جراح الماضي».
وقال: «لست في وارد تقييم أي ضرر ولا التنبؤ به، ولكني على يقين أن علاقاتنا بالصحراويين في الصحراء ومخيمات اللجوء لن تتأثر أو تتضرر بمثل هذه التصريحات».
وكتب سيدي محمد، أبرز مدوني موريتانيا، تحت عنوان «الكركرات… مسمار جحا»: «قامت مجموعة من الصحراويين القادمين من مخيمات تندوف رفقة قوة عسكرية يوم الأربعاء 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بإغلاق معبر الكركرات فقطعوا بذلك الطريق على الواردات والصادرات بين موريتانيا والمغرب، وهو ما أضر بنا في موريتانيا، وأفادت بعثة الأمم المتحدة بالصحراء «المينورسو» بوجود عشرات الأشخاص في الشريط العازل بمعبر الكركرات، مما يعيق حركة المرور التي تمر عبر المنطقة».وأضاف: «تقول البوليساريو إن الهدف من هذه الخطوة الضغط على المغرب والمجتمع الدولي لتبني خيارها في قضية الصحراء، لكن بإمكان الصحراويين الإضرار في المغرب دون الإضرار بنا، فللبوليساريو طابورها في مدن الصحراء الغربية ويمنكها تحريكه في أي وقت كما حدث في مخيم (أديم إزيك) في العيون، فالبوليساريو لم يرقبوا في موريتانيا إلاً ولا ذمة ولا رحماً، وهي المتضرر الأكبر بل إن ذبابهم الإلكتروني يسخر منا بأن هدفهم تحرير أرضهم وهدفنا (الطماطم والمطيشة) فاللوم ليس عليهم بل علينا على ضعفنا وخورنا فنحن خارج الحسابات».
وتابع سيدي محمد: «فلو كان من أقدم على الإضرار بنا يعلم أنه سيدفع ثمن ذلك من مصالحه عندنا لما أقدم عليه؛ فقد كان الرئيس معاوية على علاته رجلاً حازماً حاسماً حين يتعلق الأمر بالمصالح الوطنية، ففي سنة 2000 حين بدأ الرئيس السنغالي عبد الله واد، شق القنوات الخاصة بالمشروع السنغالي، المسمى «مشروع الأحواض الجافة» وتضررت المشاريع الزراعية الموريتانية بسبب الجفاف الناتج عن فقد المياه إثر الضخ السنغالي ولم يستجب واد للنداءات الموريتانية، شرع ولد الطايع فى إجراءات عملية حيث رأى أن ما سيقنع واد هو ما سيرى لا ما سيسمع، فأمهل الرعايا السنغاليين فى موريتانيا أياماً لمغادرة موريتانيا وعاد الرعايا الموريتانيون من السنغال وحشد قواته على الحدود، وفى اليوم الموالي حل عبد الله واد بنواكشوط واعتذر وتحدث عن التاريخ والجغرافيا وعن أخيه حكيم إفريقيا معاوية، وتم طي صفحة الأحواض الناضبة، وكذلك فعل الرئيس معاوية مع فرنسا إبان اعتقالها للضابط اعل ولد الداه سنة 2000، فقد طرد المستشارين الفرنسيين وهدد بإغلاق المركز الثقافي الفرنسي، فقامت فرنسا بإطلاق سراح الضابط اعل ولد الداه وتهريبه عن طريق المخابرات».
وقال: «إذا لم تقم العلاقات بين الجيرة الأخوة على الاحترام والتقدير والخوف على المصالح، فإن الطرف المستكين سيكون الأضعف والخاسر، وعلى حكامنا أن يعوا ذلك، فالضعيف لا وزن له في عالم اليوم».
وتحت عنوان «هل الكركرات في كوكب آخر؟!» كتب الإعلامي محمد محفوظ أحمد «هل سينهي المغرب بالقوة حصار الكركرات، أو ينهيه «بوليساريو» وبالطبع فإن أفقر الموريتانيين هم الأكثر تضرراً من قطع إمدادات السوق بالخضار والفواكه، ولكن ليست هذه هي المشكلة، بل المشكلة الكارثة هي صمت القيادة الموريتانية وعجزها عن التحرك أو التدخل، تحت ذريعة الحياد، نعم للحياد، ولكن الحياد يجب ألا يكون سلبياً، بل يكون عجزاً ورضاء بالاستكانة والإهانة».
وقال: «كان المفروض أن تستغل القيادة الموريتانية علاقاتها الحسنة بالطرفين: المغرب والبوليساريو، لتقول لهما: نرفض أي ضرر بنا مهما كان، ولا نقبل أن نظل الحلقة الضعيفة التي يتلاعب بها هذا الطرف ليزعج الطرف الآخر».
وأضاف محمد محفوظ: «غياب الدولة الموريتانية وانعدام تحركها أو تأثيرها يعطي فعلاً الطرفين، وحتى المواطن العادي الانطباع وربما الاقتناع بأن موريتانيا بلا وزن ولا قيادة تراعي مصالح شعبها واستقرار عيشه، أما مسألة الاعتماد على التزود من المغرب أو غيره، وعجز موريتانيا عن زراعة حاجاتها البسيطة من الخضار والبقول، فهي سيئة وفشل فاضح، ولكن تلك مسألة أخرى خارجة عن موقفها الضعيف والمستكين تجاه قضية إغلاق معبر على حدودها دون أي تشاور معها أو اعتبار لها أو احترام».
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»