أعلن السجناء السلفيون الموريتانيون في رسالة للرئيس الموريتاني وجهها واحد وعشرون منهم أمس «عن كامل ندمهم على ما اقترفوه في السابق، مادين الأيدي للصلح مع مجتمعهم المسلم».
«إننا نحن الموقعين أسفله، يضيف أصحاب ما بات يعرف بـ: «ملف السجناء السلفيين» نجدد التأكيد على نبذنا لنهج الغلو في الدين، وتمسكنا بما قرره علماء البلد العاملون، من توجيهات فكرية ونصائح منهجية أزالت عنا شبهات التنطع وغشاوات الجهل الذي هو السبب في كل انحراف، ولما اتضح لنا الحق كان لزاماً علينا أن نرجع إليه، فالرجوع للحق خير من التمادي في الباطل».
وتابع السلفيون خطابهم للرئيس الغزواني: «لقد قدّر الله أن تأثرنا أيام المراهقة الفكرية بأفكار الغلو والتطرف، وساعد على ذلك جو التضييق وحصار العمل الإسلامي الذي شهدته التسعينات وما بعدها، وهو ما أدى بنا إلى جنوح وانحراف عن الجادة السوية لهذا الدين».
وأضافوا: «كانت فترة السجن التي عشناها مرحلة مهمة في حياتنا، رغم ضررها القاصر والمتعدي، إذ شكلت فرصة لتقييم ما اعتنقنا من أفكار، ونهجنا من رؤى، من خلال كثير من التأمل والقراءة والمباحثة، فعرفنا من أين أُوتِينا، وأدركنا أن معرفة الحق وسلوك الصراط المستقيم تقتضي الأخذ عن العلماء الراسخين والرجوع إليهم في كل ما يعرض والاسترشاد بهم والاستنارة بآرائهم، وخرجنا من ذلك بيقين عميق، وهو أننا كنا على خطأ في ذلك المنهج الذي يأباه ديننا وترفضه قيمنا الحضارية، وتجرمه قوانيننا التي هي بحمد الله، مستنبطة من تشريعات هذا الدين».
«وفي سياق تلك المراجعات، تضيف الرسالة، أدركنا أن الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام ليس عملاً طائشاً يقوم به كل من شاء فيستهدف مستأمناً أو رجل أمن، بل هو حكم إلهي منطلقه حب الخير للناس ومنع الظلم، وغايته حفظ الدين وحماية البيضة والمخاطب باتخاذ قراره أولو الأمر من العلماء والأمراء، وأن غيرهم من عوام المسلمين ليسوا مخولين شرعاً بالخوض فيه، لأن ذلك مهمة ولاة الأمر والعلماء الراسخين».
وتابع السجناء توبتهم يقولون: «ونحن اليوم بحمد الله مدركون تماماً أن التعايش السلمي الذي يقوم على احترام قناعات الآخرين مهما اختلفت عنا هو النهج السوي الذي تحتاجه بلادنا من أجل مستقبل واعد، ونحن إذ أدركنا هذه الحقائق، وإذ رجعنا عما ابتلينا به من غلو وانحراف ابتغاء وجه الله، وندمنا على مخالفة أمره، قررنا أن نعلن عن ذلك، وترجمناه فيما وجهنا إليكم من رسائل ما كنا لنوجهها لولا أنها نتيجة لقناعة راسخة، وليست مجرد وقوع تحت إكراهات السجن، رغم ما عشناه في سجننا من شدة وقسوة؛ ونحن إذ نعلن هذا، نرجو أن نعامل بما يناسبه من عفو وصفح، حتى نكون لبنة صالحة في مجتمعنا المسلم».
وختموا رسالتهم باستعطاف الرئيس الغزواني قائلين: «تعلمون أننا نعيش ظرفية خاصة، تتطلب تجاوباً إيجابياً، وتكاتفاً للجهود، وتعاوناً على البر والتقوى، والسعيد من جعله الله منفساً لكربات المؤمنين؛ وها نحن نمد الأيدي ابتغاء الصلح مع مجتمعنا المسلم».
وكان السجناء السلفيون في موريتانيا قد عبروا مراراً عن «رغبتهم في فتح حوار جديد مع الحكومة يشمل جميع المشمولين في ملفات الجهاديين في البلاد» مؤكدين في رسالة أخيرة لهم التزامهم بخط الحوار ومنهجه والقبول بنتائجه، باعتباره الوسيلة لإنهاء «الأزمة وحلها» والقضاء على أسبابها، رغم تشخيصهم لسلبيات رافقت تطبيق نتائج نسخة الحوار الذي جرى عام 2010.
ويبلغ عدد السجناء السلفيين الموريتانيين 33 سجيناً، كلهم محبوسون في السجن المدني في نواكشوط إلا واحداً، يوجد في سجن دار النعيم (شرق العاصمة)».وحوكم أفراد هذه المجموعة على أساس «الترويج لجماعات إرهابية، والانتماء إلى جمعية أشرار، والتعصب الديني، وحمل السلاح، والتدريب، ومحاولة اختطاف رعايا أجانب».وكانت محكمة موريتانية قضت في العام 2010 بالإعدام على الخديم ولد السمان، وسيدي ولد سيدينا، ومعروف ولد الهيبة، في محاكمة طالب فيها الادعاء بإعدام سبعة متهمين على خلفية ما يعرف بـ «مواجهة سانتر أمتير» وهي مواجهة دامية بين عناصر من تنظيم «أنصار الله المرابطون» بقيادة ولد السمان ووحدات من الأمن والجيش، قتل فيها ضابط من الشرطة وعنصران من التنظيم.
وأيدت محكمة الاستئناف في العاصمة الموريتانية نواكشوط عام 2014 أحكاماً بالإعدام والسجن المؤبد صادرة قبل سنوات على خمسة من قادة تيار السلفية الجهادية.
ومن أبرز المحكوم عليهم في هذه القضايا الخـَدِيم ولد السَمَّان زعيم ما يعرف بتنظيم أنصار الله في بلاد المرابطين المحسوب على تنظيم القاعدة، وسِيدي ولد سِيديـنا المدان في قضية قتل السياح الفرنسيين.
يذكر أن أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم الموريتانية لم تنفذ منذ نحو ثلاثين سنة رغم أن حكم الإعدام منصوص عليه في قانون البلاد، ويقبع حالياً في السجون الموريتانية أكثر من ثلاثين سجيناً صدرت في حقهم أحكام بالإعدام.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»