في الوقتِ الذي تنشغل فيه الولايات المتحدة الأمريكيّة بصِراعاتها الداخليّة وكيفيّة إنقاذ اقتِصادها من عثَراته المُتفاقمة بسبب الانتِشار السّريع لفيروس كورونا، تُواصِل الصين مسيرتها نحو زعامة العالم عَسكريًّا وسِياسيًّا واقتصاديًّا.
آخِر التّقارير الغربيّة التي نَشرت صُحف أوروبيّة مُقتطفاتٍ منها في الأيّام القليلة الماضية تُؤكّد أنّ الاقتصاد الصيني يسير بسُرعةٍ لاحتِلال المرتبة الأولى عالميًّا بوتيرةِ نموّ تصل إلى نسبة 6 بالمِئة، مدعومًا بقوّةٍ عسكريّة تملك حامِلات طائرات وغوّاصات حديثة، ومنظومات صاروخيّة دقيقة عالية التّقنيّة وعابرةً للقارّات.
آخِر إنجازات الصين الاقتصاديّة توقيع اتفاقيّة الشّراكة الاقتصاديّة الإقليميّة الشّاملة الجديدة التي جاءت ثمرة مُفاوضات استمرّت أكثر من خمس سنوات، وتَضُم الدّول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، علاوةً على أستراليا ونيوزيلندا، واليابان وكوريا الجنوبيّة، وتُشكّل هذه الدول مُجتمعةً حواليّ ثُلث سكّان العالم، وثُلث النّاتج الاقتصادي العالمي، إنّها أكبر اتفاقيّة تجاريّة في العالم، ولا ننسى في هذه العُجالة مشروع “الحِزام الطّريق” الصيني الذي يُشكّل فتحًا اقتصاديًّا في القارّتين الآسيويّة والإفريقيّة.
هذا الانفتاح الاقتصادي المدروس بعنايةٍ يُثير حفيظة العالم الغربي وقلقه وغيرته من هذا الصّعود الصيني المُتسارع إلى القمّة، حتّى أن صحيفة “التايمز” البريطانيّة تعترف به، وتُؤكّد في مقالٍ افتتاحيٍّ لها، أنّ سيطرة الصين على النّظام الأمني العالمي باتت مسألة وَقتٍ، ولكنّ أيّ قوّة عُظمى ترى قِيادة العالم حسب رأيها تحتاج إلى شكلٍ من أشكال الحُب لها ومنتوجاتها، و”أنّ القوّتين العسكريّة والاقتصاديّة ليسَا كافيين”.
المُثير للسّخرية أنّ الصّحيفة تُؤكّد أنّ الرئيس الصيني شي جين بينغ غير محبوب، وأنّ بلاده الصين مَكروهةٌ عالميًّا، لا نعرف كيف وصلت الصّحيفة التي تَعكِس أقوالها فِكر المُؤسّسة الرأسماليّة العالميّة إلى هذه النّتيجة، فهل أمريكا، ومن قبلها بريطانيا وفرنسا كانت محبوبةً عالميًّا، وأخذت إذن شُعوب العالم للتربّع على عرش الحُكم طِوال المِئة عام الماضية؟ وهل الرئيس دونالد ترامب زعيم أمريكا الحالي محبوبٌ حتى من نِصف مُواطني بلاده، ناهِيك عن شُعوبِ العالم الأُخرى؟
هذا القلق الغربيّ ربّما يُفسّر، جُزئيًّا أو كُلِّيًّا، عمليّة “الشّيطنة” للصين التي تسير على قدمٍ وساق في مُعظم وسائل الإعلام الغربيّة، إن لم يَكُن كلّها هذه الأيّام، واستِخدام اتّهامات مُضلّلة، أو غير مُؤكّدة، في هذا الصّدد، مِثل تحميلها مسؤوليّة انتِشار فيروس كورونا عالميًّا، باعتِبار أنّ حالاته الأُولى جرى رصدها في إقليم ووهان الصّيني.
نحن في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” لا نُدافع عن الصين، وإنّما نعرض ونرصد حقائق حول مُجريات الأمور وتطوّراتها في العالم بأسْرِه، وإنْ كُنّا في الوقتِ نفسه نُدرك جيّدًا أنّ جميع مصائبنا كشُعوبٍ عربيّة، أو شرق أوسطيّة، جاءت من الغرب الأمريكي الأوروبي وزعامته، وليس من الشّرق الصيني، فلا يهمّنا أو يُقلقنا إن تتزعّم الصين أو روسيا العالم، فهُما لن يكونا أكثر سُوءًا وضررًا من زعامة الولايات المتحدة، وقبلها أُوروبيًّا للعالم.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”