لم يكد الفريق أول عبد اللطيف وراق، المفتش العام للقوات المسلحة المغربية، يغادر العاصمة الموريتانية نواكشوط أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، في إطار دورة للجنة العسكرية الموريتانية المغربية المشتركة، حتى رتبت الجزائر بمهارة بالغة زيارة لقائد أركان الجيوش الموريتاني الفريق محمد بمبه مكت الذي عاد للتو من زيارة دامت أسبوعاً للجزائر.
وأظهرت هذه الزيارات المكانة الاستراتيجية الهامة التي أصبحت موريتانيا تتبوؤها منذ اندلاع أحداث الكركرات التي هزت المنطقة والتي لم تخمد نيرانها لحد الساعة، حيث يؤكد الصحراويون أن الحرب متواصلة بينما يظهر المغاربة أن الوضع هادئ بل تحت السيطرة.
كما أظهرت هاتان الزيارتان أن موريتانيا وإن كانت الخاصرة الرخوة في المنطقة، فإنها باتت تمثل رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه، وذلك بموقعها الذي تحتاج إليه المغرب للعبور التجاري والاقتصادي نحو إفريقيا، وبحيادها في قضية الصحراء الذي تحتاج إليه الجزائر في إدارتها لملف البوليساريو الذي يشهد ضعفاً منذ أن عزز المغرب تأييد أطراف دولية نافذة لتبعية الصحراء الغربية له.
ويرى دبلوماسي موريتاني مطلع فضل عدم ذكر اسمه “أن موريتانيا قد أوضحت لجارتيها الكبيرتين ولأول مرة، موقفها من الحالة العسكرية في الشمال وشرحت لهما شروطها للجوار الآمن، حيث أفهمت للمغاربة حرصها على بقائهم التام داخل حدودهم، كما شرحت للجزائر رفضها لأي تصرف قد تقوم به البوليساريو للتسلل نحو المواقع المغربية أو مواقع التماس”.
وجاء بعد هذه الخطوات تأسيس الحكومة الموريتانية قبل يومين لمنطقة دفاع حساسة في الشمال.
وأكد بيان لمجلس الوزراء الموريتاني “مصادقة الحكومة على إحداثيات المعالم البرية التي تجسد حدود هذه المنطقة، التي تقع في الشمال الموريتاني والتي تعتبر خالية أو غير مأهولة، وقد تشكل أماكن للعبور بالنسبة للإرهابين ومهربي المخدرات وجماعات الجريمة المنظمة”.
وحسب مصادر مقربة من هذا الشأن، فإن تأسيس هذه المنطقة لم يرق للصحراويين لكونها ستضيق مجال تحركهم، أما المغاربة فقد رحبوا بمنطقة الدفاع واعتبرتها صحافتهم “حداً لحرية الانفصاليين ومشعلي الحروب”.
ويأتي تأسيس هذه المنطقة بعد أيام قليلة من تعرض منقبين موريتانيين لقصف تحذيري مغربي شوهدت شظاياه ولم يسفر عن إصابات.
كما جاء بعد أيام من بعد تعرض دورية عسكرية موريتانية لإطلاق نار بعد اقترابها من موقع دفاعي لقوة مغربية، اعتبرتها هدفاً معادياً.
وقد تصرف أفراد الدورية الموريتانية بالرد على مصدر النيران وفقاً لما تمليه قواعد الاشتباك، قبل أن يتم التعارف ويُفَضَّ الاشتباك دون أن ينجم عن إطلاق النار أية أضرار في طاقم الدورية، حسب بيان للجيش الموريتاني.
وكانت موريتانيا قد أغلقت في تموز/ يوليو 2017، المنطقة المحاذية لحدودها مع الجزائر معلنة “أن المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية كلها منطقة عسكرية محظورة على المدنيين”.
وأكدت السلطات الموريتانية ذلك التاريخ أن الهدف من إغلاق المنطقة الحدودية الشمالية هو مكافحة عمليات التهريب الآتية من جنوب الجزائر في اتجاه مالي، كما أن مجموعات إرهابية تتحرك بشكل مقلق في تلك المنطقة.
وتزامن كل هذا مع زيارة عمل أنهاها الفريق محمد بمبه مكت قائد الأركان العامة للجيوش أمس للجزائر، تباحث خلالها مع الفريق السعيد شنقريحة قائد أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري.
وقد أكد قائد الجيش الجزائري خلال اللقاء “أن هذه الزيارة تكتسي أهمية خاصة للبلدين الشقيقين وستسمح دون شك بتطوير علاقاتهما، خاصة على ضوء تطور الوضع الأمني السائد في المنطقة”.
وأضاف الفريق السعيد شنقريحة مخاطباً قائد الأركان العامة للجيوش الموريتاني: “بالطبع فإن زيارتكم الأولى هذه للجزائر تكتسي أهمية خاصة لبلدينا الشقيقين وستسمح دون شك بتطوير علاقاتنا كما تشكل فرصة سانحة لتطوير مستوى التعاون بين جيشينا في المجالات ذات الاهتمام المشترك.. غير أنه يبقى تعزيز التعاون العسكري بين مؤسستينا أكثر من ضرورة لمواجهة التحديات الأمنية المفروضة على منطقتنا، مع دراسة السبل والوسائل الكفيلة لتمكين جيشينا من تنفيذ مهامهما في هذا الوضع المحفوف بالمخاطر والتهديدات من جميع الجهات، ومن هذا المنطلق أرى أنه من المجدي الاستفادة بشكل أكبر من آليات التعاون الأمني المتاحة، لا سيما لجنة الأركان العملياتية المشتركة، بحيث يتمحور التعاون على تبادل المعلومات وتنسيق الأعمال على جانبي الحدود المشتركة للدول الأعضاء”.
وقال: “أؤكد لكم مرة أخرى رغبتنا في العمل على تعزيز العلاقات الثنائية العسكرية التي تربطنا من أجل مواجهة مختلف التحديات الأمنية التي تهدد منطقتنا المغاربية ومنطقة الساحل”.
وفي كلمة جوابية، أكد قائد الأركان العامة للجيوش الفريق محمد بمبه مكت أن “الإرادة السياسية للقيادة في بلدينا الشقيقين سعت على مر التاريخ إلى إتاحة وتوفير جو ملائم، يساهم في جودة العلاقات الثنائية بين بلدينا، وهي علاقات نابعة من الروابط التاريخية والاجتماعية والدينية وعلاقات حسن الجوار والمصير المشترك. وأغتنم هذه الفرصة للتعبير عن مدى تقديرنا للمواقف النبيلة المشرفة للشقيقة الجزائر اتجاه موريتانيا، ووقوفها الدائم إلى جانبنا في أحلك الأزمات وأكثرها تهديداً لأمننا الوطني”.
وقبل زيارة قائد الأركان الموريتاني للجزائر، عقدت اللجنة العسكرية المشتركة بين موريتانيا والمغرب ثاني دورة لها بنواكشوط من أجل تعزيز علاقات التعاون العسكري بين البلدين في مختلف المجالات العسكرية والأمنية وآفاق تطوير وتنمية هذا التعاون في المستقبل.
وتؤكد هذه التطورات كلها وجود حراك أمني وعسكري جديد في شبه المنطقة هدفه بالنسبة لموريتانيا، حسب محلل عسكري، “هو إعادة التوازن للساحة الحدودية المشتركة مع المغرب والجزائر والبوليساريو، وأن تدرك الجارتان أنما كان بالإمكان فعله من قبل لم يعد ممكناً اليوم بعد أن أكمل الجيش الموريتاني خلال السنوات الخمس الأخيرة تجهيزه وتدريبه، وبعد أن راكم خبرات عسكرية عبر تجاربه التي كانت حرب الصحراء عام 1976، أول مجالاتها وأكثرها خصوبة”.
عبد الله مولود
نواكشوط- «القدس العربي»