تعد ليبيا رابع أكبر البلدان مساحة في القارة الإفريقية والسادسة عشرة على مستوى العالم، وهو ما يفرض عليها تحديات كبرى من الناحية الجيو- سياسية.
عند توصيف الأزمة الليبية بشقها السياسي لا بد من العودة إلى الوراء والنظر في الدوافع التي تمثلت في عدة نقاط أبرزها التدخلات الخارجية والإقليمية والدولية باتجاهات متناقضة لرسم مستقبل الدولة بعد اغتيال رئيسها معمر القذافي.
لقد تدخلت الأمم المتحدة وبعثت برناردينو ليون مندوباً لها إلى ليبيا، حيث عمل لصياغة اتفاق، إلا أنه اتهم بالانحياز لفريق دون آخر، وخلفه مارتن كوبلز وتمت صياغة اتفاق الصخيرات في المغرب في 17 كانون الأول 2015 وفيه تم التوافق على تشكيل ثلاث هيئات: المجلس الرئاسي والحكومة والمجلس الأعلى للدولة، وتشكلت “حكومة الوفاق” برئاسة فايز السراج في طرابلس بوصفه “رئيساً للحكومة والمجلس الرئاسي” في الوقت نفسه، وبذلك انتهى الواقع السياسي في ليبيا إلى أزمة عميقة، فالشرق الليبي تديره حكومة مستقلة وهي الحكومة المؤقتة أو حكومة الأزمة كما يطلق عليها ويرأسها عبد الله الثني، أما العاصمة طرابلس ومعظم الغرب، يدير شؤونه حكومة الوفاق ويقودها فايز السراج، وبذلك أصبحت الأزمة الليبية أكثر وضوحاً، ومن أبرز فصول هذه الأزمة الاتفاق على مسودة اتفاق برعاية الأمم المتحدة، غير أنه بقي ضبابي الملامح.
وفي ظل هذا الواقع المأزوم وغياب الحد الأدنى من المشتركات التي تجمع الحكومتين حول سبل إدارة البلاد تشهد ليبيا تحديات اجتماعية واقتصادية وأمنية واضحة سواء في العاصمة طرابلس أو في بقية المدن والأقاليم، حيث لا تتحكم “حكومة الوفاق” بأغلب المجموعات المسلحة على الأرض ذات الولاءات السياسية المتعددة سواء لحزب أم لمدن أو لقبائل.
فهل يصبح التقسيم الحالي للبلاد أمراً واقعاً تفرضه القوى المسيطرة على الأرض وداعموها من الخارج في ظل استمرار الفلتان الأمني وزيادة حدّة الخلافات السياسية؟
في حال فشل جهود التوافق السياسي ووصول أطراف الصراع في ليبيا إلى قناعة بعدم استمرار الحوار السياسي وبصعوبة حسم الصراع عسكرياً لصالحها وتفضيلها خيار الانقسام وإنشاء كيانات مستقلة على استمرار وحدة الدولة بالصورة القائمة على هذا المستوى، فإن خيار التقسيم يفرض تداعيات خطيرة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.
على الصعيد الداخلي يعمل التقسيم على إنتاج كيانات هزيلة متصارعة تساهم في استمرار حالة الاستنزاف بينها، ما يقوض إمكانية تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد إضافة إلى إلحاق أضرار بالغة بالحالة الاجتماعية والوحدة الوطنية، نظراً لوصول مسار الإصلاح السياسي في البلاد إلى طريق مسدود، ناهيك عن توفير تربة خصبة للتطرف وتمدد الحركات الإرهابية المتشددة.
أما على الصعيد الخارجي، فإن ازدياد حجم التدخلات الخارجية يجعل من ليبيا ساحة لخوض الصراعات الخارجية على حساب مصالح الشعب الليبي ويؤثر على الصعيد الدولي في مسار التحول السياسي والديمقراطي إقليمياً ودولياً.
وفي السياق ذاته حذر تقرير “مجموعة الأزمات الدولية” حول ليبيا من سيناريوهات مظلمة في حال تعثر الجهود الرامية لحل سلمي في ليبيا.
ووصف التقرير الملف الليبي بالقول:” إن وقف إطلاق النار الهش الذي تم توقيعه في تشرين الأول ما زال سارياً وقد جنب البلاد تجدد الصراع حتى الآن”، لكن التوترات لا تزال مرتفعة، خاصة مع بداية عام جديد لا تلوح في أفقه بوادر لحل سياسي يمكن أن يمهد الطريق لإعادة توحيد البلد، مع حكومتين متنافستين ومؤسسات مالية وعسكرية موازية.
ويرى التقرير أن اتفاق استئناف إنتاج النفط والصادرات ساعد في تهدئة التوترات العسكرية مشيراً إلى أنه بات اليوم مهدداً بالانهيار، ما قد يترتب عليه مشاكل مالية جديدة أكثر خطورة بعد الجمود السياسي الذي مرت به البلاد والذي كان آخره تعثر المشاركين في مؤتمر الحوار في تونس بالتوصل إلى اتفاق حول التصويت على آلية اختيار أعضاء المؤسسات الجديدة المقترحة ما قد يؤدي إلى استمرار فشل المحادثات السياسية ويوصل البلاد إلى لعبة إلقاء اللوم بين الفصائل المتناحرة وربما يعرض وقف إطلاق النار الهش للخطر.
وذهب تقرير “مجموعة الأزمات الدولية” إلى القول “إن بعض المفسدين يتربصون داخل مؤتمر الحوار الليبي وهم حريصون على تخريب تعيين هيئة تنفيذية جديدة لأسباب مختلفة فالبعض يريد بقاء السراج، لأنه سيستفيد من الوضع الراهن فيما يعتقد البعض الآخر أن تعيين حكومة مؤقتة جديدة سيؤخر الانتخابات المقرر إجراؤها نهاية العام الجاري، إلى أجل غير مسمى، لكون المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني يليامز ستترك منصبها قريباً، ما يمكن أن يُغلق الفرصة لاختيار حكومة جديدة، ما لم يختر خليفتها إعطاء العملية فرصة أخرى، وهو أمر لا يمكن تأكيده”.
ويبدو في نهاية المطاف أن سيناريو الحل السياسي هو الأفضل فهو ينطوي على نتائج إيجابية كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، الأمر الذي يدعو إلى اعتماده خياراً مفضلاً، وهو ما يؤكد على ضرورة تضافر الجهود الليبية والإقليمية والدولية من أجل إنجازه وتذليل العقبات التي تعترض طريقه، فهل تُوفَق الأمم المتحدة في جهودها للوصول بليبيا إلى اتفاق؟
عن «الغارديان» البريطانية