تحت عنوان “ملحمة جماعة عبادة الجنس التركية تنتهي بالسجن ألف عام لعدنان أوكتار”، نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريرا لمراسلتها لويز كالاغان، قالت فيه “في داخل استديو بإسطنبول كان هناك رجل بسترة بيضاء جالسا في وقت كانت فيه امرأة ترتدي تنورة قصيرة قرمزية اللون تتمايل أمامه بطريقة محرجة. وهناك جمهور مكون من الرجال والنساء يرتدون ملابس السهرة وهم يصفقون بحماس وسط موسيقى وأضواء خضراء تشع من الزاوية بشكل يجعل المكان وكأنه تحت الماء”، ثم يصفق الرجل ويتوقف الرقص وتجلس النساء ويبدأ نقاش حول الشؤون الدولية أو القيم الإسلامية أو عن المجموعة السرية المعروفة بالدولة العميقة التي تسيطر على العالم. وظلت هذه الصور والمعلومات عادية في التلفزة التركية وتعاد أكثر من مرة في اليوم وهي من بنات أفكار عدنان أوكتار، الرجل بالسترة البيضاء. وهو داعية تلفزيوني يبشر بأفكاره وحوله النساء شبه عاريات ويوافقن على ما يقول مثل الروبوت. ولدى أوكتار وأتباعه صلات وتأثير في أنحاء مختلفة من العالم بما فيها بريطانيا.
ويطلق على النساء الحاضرات دائما في برامج أوكتار لقب “القطط” أما الرجال فهم “الأسود” ومعظم أتباعه جاءوا من عائلات ثرية ومؤثرة في الدولة. وأعجبت الصحافة الشعبية بأسلوب أوكتار وأطلقت على جماعته اسم “جماعة عبادة الجنس” الإسلامية، ولكن بعد المحاكمة التي اجتاحت تركيا، وكشفت أن منظمة أوكتار لم تكن مجرد نكتة بل وارتكبت عددا من الجرائم الخطيرة ودمرت حياة الكثير من أتباعها.
وفي ملف من التهم جاء بـ 4 آلاف صفحة قدم الادعاء سلسلة من الانتهاكات الجنسية والغش والجريمة المنظمة التي وصلت إلى عمق النخبة التركية. ونفى أوكتر، 64 عاما، كل الاتهامات الموجهة إليه ولكن القاضي حكم عليه بالسجن لمدة 1.075 عاما و3 أشهر. وتم الحكم على 13 من مساعديه بأحكام أخرى تصل كلها إلى 10.000 سنة.
وتعلق كالاغان أن جاذبية المجموعة لا تزال حاضرة على منصات التواصل وفي تويتر التي انتشرت فيها الرسائل الداعمة للقطط والأسود والذين أعلنوا عن ولائهم لأوكتر وشجبوا “الخونة” الذين وضعوه في السجن.
وتقول كالاغان إنها تحدثت في الأسبوع الماضي مع واحدة من أتباعه السابقات التي تحاول إعادة بناء حياتها بعد هروبها بعد 10 أعوام في حركته.
وعبرت عن رغبة بالكشف عما حدث لها ولإخبار بقية الأتباع أن حياتهم ستكون أفضل خارج جماعة تقدس شخصا.
وقالت إليف: “أفهم صعوبة خروج الأشخاص” من الجماعة و”لو كنت فيها ولعدة سنوات وتعرض الواقع الذي يعيشن فيه للتشويه، وتم التلاعب بك لمدة 20 أو 30 عاما، فمن الصعوبة للكثيرين العودة إلى الحياة الطبيعية”.
ونشأت إليف في عائلة علمانية وتم تجنيدها وهي في سن الـ 24 عندما كانت تدرس في واحدة من أرقى الجامعات في البلاد. وبدأ أتباع أوكتر بالتقرب منها وضمها إليهم، وهذا قبل أن تظهر الفتيات الراقصات على التلفزيون، فمن التقتهم في تلك الفترة كانوا يرتدون البدلات ويتحدثون عن الإسلام بطريقة ليبرالية وأظهروا للناس أنه يجب عدم ربطهم بالعنف.
واجتذبتها رسالتهم عن القيم الدينية والفهم الليبرالي. ووجدت فيها بديلا عن العلمانية المنتشرة وسط الطبقة الاجتماعية. وبعد ذلك تركت أصدقاءها وعائلتها وانضمت إلى منظمة أوكتار “الذين كانوا من أفضل الأصدقاء حولي” و”أعني أنهم كانوا يعتنون بي ويشعروني أني مدينة لهم ويجب عليك عمل شيء مقابل ذلك. وشيئا فشيئا بدأ واقعك بالتشوه، ببطء وليس بسرعة. ولم يكن: أصبحت منا فلا يمكنك الذهاب إلى أي مكان”.
وعاشت عدة سنوات في مجمع لأوكتار بإسطنبول. وكان فيه أكثر من 140 كاميرا تسجل كل حركة يقوم بها سكانه والمئات الذين جاءوا للزيارة. وراقب الحراس المجمع، و”كان كل شخص بمن فيهم القطط يحملون أسلحة”. وعملت إليف ساعات طويلة في تنظيم مؤتمرات حول العالم وجمع معلومات لكتب أوكتر تم سرقة الكثير منها ولم تكن متماسكة.
وكانت إليف ترى أوكتار كل يوم عشر دقائق و”كان خائفا من شخص ما يريد الهجوم عليه. وكنا مستعدين لحمايته من كيان ما”.
وبدأ أوكتار بتجميع منظمته في السبعينات من القرن الماضي ولكنه لم يصبح جزءا من الوعي العام إلا بعد عقد من الزمان عندما جعلته القناة التلفزيونية التي أنشأها نجما. وقبل الوصول إلى هذه المرحلة وجهت إليه اتهامات بتشكيل عصابة إجرامية وبرئ منها وقضى وقتا في مصحة عقلية. وقضى عقودا لخلق تأثير وجمع معلومات، حيث طلب من أتباعه إقامة علاقات مع السياسيين والشخصيات البارزة والحصول على معلومات منهم. وتم انتهاك بعض الأشخاص حسب لائحة الاتهامات وشهادات أعضاء الجماعة السابقين. وتم تصوير الانتهاكات واستخدمت للابتزاز.
وسيطر أوكتار على كل ملمح من حياة إليف، مالها وعلاقاتها وعملها. وطلب منها في يوم الزواج من أحد “الأسود” الذي لم تعرفه ولم تره من قبل. لكن الزواج كان يجعلها عضوا عاديا في الحركة.
ونشر أتباع أوكتار على إنستغرام وتويتر صورا لهم وللأفراد الآخرين وهم يتناولون الطعام في المطاعم الراقية بالمنتجعات الساحلية لإعطاء انطباع أنهم أحرار ويفعلون ما يريدون. ولكنهم كما تقول إليف كانوا محاطين في أي مكان يذهبون إليه بمبعوثي أوكتر.
وبعد محاولة هروب فاشلة صودر منها جهاز الكمبيوتر وهاتفها وأمرت بالبقاء في المجمع. و”وضعوني كسجينة حيث حاولوا منعي من المغادرة، وبالطبع فقد كان ذكيا ويعرف أنني سأذهب للشرطة لو خرجت”.
ومثل كل ملامح ووجوه حركته فالقطط الراقصات في الأستديو كن يخدمن عدة أغراض منها رغبات أوكتار الجنسية والسيطرة عليهن من خلال جعلهن عرضة للخطر لو فكرن بالهروب. ومنح العرض على التلفزيون ستارة لنشاطات أوكتار الأخرى وهي توسيع تأثيره بين الطبقة السياسية والتجارية، مع أنه حصد الملايين من أتباعه حول العالم. وقالت إليف “لم يكن رجلا أحمقا ولكن كان يظهر بمظهر الأحمق حتى يسيء الناس تقدير قوته ولكي تقول الشرطة والحكومة: ما هو الضرر الذي سيلحقه رجل مثله؟” و”كان يتصرف بقصد”.
وبعد سنوات من العيش مع أوكتر هربت إليف وعادت إلى عائلتها. وبحلول عام 2018 زاد الهروب من مجمعه والنقد له.
وخلال هذه الفترة العاصفة قدمت كالاغان طلبا عبر واحدة من الشقراوات اللاتي قابلتهن في مأدبة رمضانية لمقابلة أوكتار. وكان الحوار سريعا بعد أن قابلها أوكتر في منتصف الليل. وأخذها واحد من أتباعه إلى المجمع حيث أخذت إلى استديو مضاء بنور أخضر وكان أوكتر جالسا يحدق للأسفل حيث كان بطنه منتفخا بسبب فتق أو ورم. وحولها جلس عدد من الرجال الوسيمين، ورفضت تسجيل اللقاء حتى لا يتم تحريره بعد ذلك ومنح صورة أنها تعطي شرعية للجماعة.
وبعد بداية متعثرة بدأ أوكتار بالصراخ وشجب الدولة العميقة الإنكليزية التي قال إنها تسيطر على العالم. وقال إن علاقاته مع القطط هي تعبير عن “حب قوي وعاطفة قوية ورابطة وثقة وصداقة وزمالة وشعور عظيم بالحماية”. وقال إن نقاده يحسدونه “لأنهم لا يستطيعون الحصول على الحب”. وبعد 3 أشهر اعتقل في تموز/يوليو 2018 مع 180 من أتباعه، حيث تخلى عنه بعضهم. وعثرت الشرطة على ملايين الدولارات في المجمع والأسلحة.
وبالنسبة لعدد من أتباعه السابقين فالعودة إلى الحياة الطبيعية لم تكن سهلة. وخسرت إليف عقدا من حياتها، وعندما استطاعت الهروب كانت والدتها ميتة. وعندما اتصلت عائلتها بالمجمع للسماح لها بالخروج وحضور جنازة الوالدة قيل لهم إنها لا تريد. وتقول إن سنوات حياتها مع أوكتر دمرتها مضيفة “كان ناجحا حتى بعد سجنه لآلاف السنين فلا يزال الناس يتحدثون عن بعض البنات. وهذا يؤلمني” و”أتمنى لو كانت هذه البراءة هي الواقع، مجموعة من الناس تريد المرح معا ودعم الإضرار بأحد ولكن لم يكن الحال كهذا”. يذكر أن أوكتار قدم نفسه كمضاد لنظرية التطور وألف كتابا “أطلس النشوء” من 800 صفحة وقال معظم الباحثين العلميين إنه كتاب لا يرقى لمستوى النقد العلمي. وبدأ مدافعا عن النازية لينتهي شاجبا لها. وأقام علاقات مع قادة المستوطنين في الضفة الغربية ودافع عن بناء الهيكل الثالث في مكان من الحرم الشريف. ووجدت الشرطة في مجمعه آلافا من حبوب منع الحمل، زعم أنها لمعالجة البشرة. وعرف أوكتر بهارون يحيى.