لم يأت اعتماد القانون الجديد للجمعيات في موريتانيا من أجل منظمات المجتمع المدني، فحسب، بل لتلبية تطلعات سياسيين وهيئات لم تستوعبها الأطر الحزبية.
القانون بالإضافة إلى أهدافه الأساسية المتمثلة في تسهيل إنشاء الجمعيات ونقلها من مرحلة انتظار الترخيص إلى وضع جديد، يشجع أيضا مشاركة المنظمات المدنية في وضع السياسات العمومية.
الأهداف السياسية للقانون الجديد، عبّر عنها كذلك حجم التفاعل والارتياح من طرف النخبة السياسية الموريتانية التي رأت فيه تكريسا لجو الانفتاح وتطبيع المشهد السياسي الذي بدأ به الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني حكمه قبل أكثر من سنة.
فتح سياسي
النائب البرلماني، بيرام الداه اعبيد، المرشح الرئاسي الذي حل ثانيا في الاستحقاقات الأخيرة، كان أول المشيدين بالقانون الجديد للجمعيات.
وأكد النائب البرلماني بيرام الذي يرأس منظمة "الإيرا" الحقوقية غير المرخصة، أنه تلقى "بكل ارتياح تمرير الحكومة الموريتانية لقانون التصريح للجمعيات المدنية".
بالنسبة لهذا الناشط الحقوقي والزعيم السياسي الصاعد فإن القانون يزيل عقبة الترخيص أمام منظمته، بل ويفتح المجال أمام دخوله السياسية من بوابة الأحزاب السياسية، والمنظمات المرخصة، بعد أن ولجها منذ 2014 من بواب الترشح المستقل أو ممارسة النشاط تحت يافطة أحزب أخرى.
واعتبر النائب بيرام ولد اعبيدي في بيان باسم منظمته أن "تطبيق هذا القانون يعتبر ركيزة أساسية لدولة القانون وشرط نفاذ لحرية التجمع والتنظيم وواجب المساهمة في العمل العام"، وفق تعبيره.
ويعتبر الناشط السياسي الموريتاني عبد الله موسى، أن مصادقة البرلمان على قانون الجمعيات والهيئات يجسد رؤية جديدة تنسجم مع الدستور، وفق تعبيره.
وأشار عبر حسابه على فيس بوك، إلى أن القانون الجديد يكرس أيضا حرية الانتماء للجمعيات أو التنظيمات بهدف خلق حركة فاعلة وشريكة في التنمية" على حد وصفه.
أما الناشط المدني المصطفى عبد الرحمن فيرى أن القانون "قفزة نوعية في مجال ممارسة العمل المدني" في البلاد، مطالبا في تدوينة بحسابه على فيس بوك بـ"تكثيف النقاش والورشات التي تقوم بشرح مواد القانون للمنخرطين في مجال العمل المدني".
تكريس الانفتاح
اعتماد القانون الجديد للجمعيات في موريتانيا يأتي في خضم حراك جديد للمشهد السياسي، ومحاولات إطلاق حوار وطني جديد، بدأت المداولات والاتصالات الممهدة له.
الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني يواصل إجراء اللقاءات الثنائية مع الشخصيات السياسية وزعماء الأحزاب.
لقاءات يرى البعض أنها تستهدف تحضير الأجواء، وترتيب الأولويات، وطبخ مائدة الحوار على نار هادئة، ضمانا لنجاحه وتحقيق غاياته المرجوة منه.
وتعزز هذا التوجه الاتصالات السياسية مكثفة التي يجريها حاليا حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا، مع الطبقة السياسية، لإطلاق حوار وطني يتناول القضايا الاجتماعية، ويقدم الحلول والمقاربات للعديد من تلك الملفات التي تشغل الرأي العام منذ عقود.
وجاءت الدعوة لإطلاق الحوار ،وفق مصادر مطلعة، بإيعاز من الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، وتزامنت مع لقاءات موازية أجراها كذلك مع قادة أحزاب وشخصيات سياسية وحقوقية، تضمنت الوقوف على أجندة الحوار المرتقب.
ويتوقع مراقبون للشأن السياسي في موريتانيا، أن يناقش الحوار قضايا الوحدة الوطنية والتنمية، بالإضافة إلى ملف ما يعرف بـ"الاسترقاق" وتبعاته الحقوقية والسياسية.
ويرى البعض أن إطلاق هذا الحوار يأتي استجابة لدعوات متكررة من الأحزاب والقوى السياسية للرئيس الموريتاني منذ وصوله للسلطة، بتنظيم حوار شامل يعالج مختلف تلك القضايا.
قانون الجمعيات الموريتاني
وصادقت الحكومة الموريتانية خلال اجتماعها الأخير على مشروع قانون متعلق بالجمعيات والهيئات والشبكات.
وحسب بيان مجلس الوزراء فإن القانون الجديد "يجسد رؤية جديدة تنسجم مع الآليات الدستورية من حيث حريات الانتماء إلى جمعيات أو تنظيمات من أجل قيام حركة فاعلة وشريكة في التنمية الوطنية".
ويستحدث القانون، بحسب البيان عدة إصلاحات هامة من أبرزها "الانتقال من نظام الترخيص المسبق إلى نظام التصريح".
وتتحدث المادة الثالثة من هذا القانون عن مشاركة الجمعيات المدنية في مسارات الحوار حول السياسات العمومية في إطار التشاور والتبادل حول السياسات العمومية، مشيرا إلى أنه يحق للجمعيات أن تشارك في مسارات الحوار سواء كان منظما على المستوى المركزي أو الجهوي أو المحلي حول القضايا ذات الصلة بمجال تدخلها.
العين الإخبارية