بات من شبه المؤكد أن تحسم النيابة العامة في نواكشوط الغربية، اليوم الثلاثاء، متعلقات أكبر ملف فساد تعرفه موريتانيا منذ استقلالها، وذلك بعد أن أكملت شرطة الجرائم المالية والاقتصادية تحقيقاتها على مدى ستة أشهر في هذا الملف المثير الذي أحاله البرلمان للقضاء، وبعد أن تكاملت محاضر التحقيقات.
وسيشهد الأسبوع الجاري، حسب مصادر مقربة من هذا الملف، الكشف عمن تمخض التحقيق الابتدائي عن أدلة كافية وبراهين ضدهم ليقوم الادعاء بمتابعتهم.
ولم تستبعد المصادر أن يدخل هذا الملف الذي يتابعه الرأي العام الموريتاني على نطاق واسع، مرحلة جديدة قد تشمل إيداع بعض الأشخاص المتورطين في السجن على ذمة التحقيق، ووقف متابعة من لم يثبت ضدهم أي اتهام.
ونقلت صحيفة «موندافريك» الاستقصائية في تحقيق لها عن ملف الفساد، عن مصدر مقرب من هذا الشأن قوله «إن شرطة الجرائم المالية والاقتصادية تمكنت من إنجاز تحقيق معمق وتحضير ملف ضخم يؤكد أن الرئيس السابق وأعوانه قد نهبوا البلد وهو ما يجعل محاكمتهم أمراً لا مفر منه، كما يجعل من المتوقع كذلك إدانتهم».
وأضافت الصحيفة: «بدر نجل الرئيس السابق الذي قطع دراسته قبل الحصول على الثانوية وهو لا يمارس أي نشاط تجاري لكنه يملك فيلاهات في جزر الكناري، ويمتطي أرقى السيارات، ويلبس ساعات Hublot الغالية التي يزيد سعر الواحدة منها عن 40 مليون أوقية موريتانية، كما يملك عشرات المنازل الراقية في موريتانيا وخارجها».
وتابعت الصحيفة: «أما السيدة الأولى السابقة تكبر بنت أحمد التي يسميها البعض «مالكة العاصمة» تشبيهاً لها بليلى الطرابلسي الملقبة بـ «مالكة قرطاج» فقد اشترت شقة في الدائرة 16 في باريس وهو ما قد يؤدي بها لمحاكمة بتهمة «نهب أملاك الدولة» كما وقع للرئيسين الكونغولي والغابوني».
أما الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز فقد تابع خطته الرافضة للتعاون مع المحققين، حيث أكد أن ما يتعرض له مجرد محاكمة سياسية، وأنه محصن بالمادة 93 من الدستور، وقال: «أموالي ليس مصدرها خزانة الدولة ولا البنك المركزي». ولم يفتأ محامو الرئيس السابق يؤكدون «أن أصل أموال موكلهم هو المساعدات التي حصل عليها خلال الحملات الانتخابية، وهو مع ذلك الهدايا التي منحها له عدد من الزعماء الأجانب».
ويعتقد محامو الدولة الموريتانية «أن حجج دفاع الرئيس السابق لا يمكن أن تثبت أمام عشرات المشاريع العقارية التي توقفت، والتي من بينها العمارات الضخمة والمراكز التجارية الراقية والتي تنتظر كلها القرارات التي سيتخذها القضاء».
واعتبرت هيئة الدفاع عن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، المتابع على ذمة التحقيق في قضايا رشوة وفساد «أن تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في سجل موكلها، فخ ومكيدة لن تجني منه البلاد سوى الفتن والخيبة والخراب» وفق تعبيرها.
ووصفت هيئة الدفاع عن ولد عبد العزيز لجنة التحقيق البرلمانية بكونها «لا أصل لها ولا فرع في الدستور الموريتاني، وبالتالي فهي باطلة، وعملها باطل» حسب تعبير الدفاع.
وأكدت أن «الرئيس السابق لا تمكن مساءلته بسبب حصانته المنصوصة صراحة في الفقرة الأولى من المادة 93 من الدستور» كما أن «الوزراء المشمولين في الملف لديهم امتياز قضائي يجعل مساءلتهم من اختصاص محكمة العدل السامية وليس من اختصاص القضاء العادي، وذلك بمقتضى الفقرة الأخيرة من نفس المادة 93 من الدستور».
أما إذا أحالت النيابة العامة الملف على قاضي التحقيق، أو «عهدت به لإحدى المحاكم مباشرة» ففي هذه الحالة أيضاً تتوقع هيئة الدفاع أن «القضاء الجالس سيعلن، لا محالة، عدم اختصاصه».
وفي سياق متصل، أشار بيان هيئة الدفاع عن الرئيس الموريتاني السابق إلى أن شرطة الجرائم الاقتصادية كانت قد استدعت ولد عبد العزيز، الخميس قبل الماضي، للتوقيع على المحاضر التي تعنيه، مبرزة «أن موكلها رفض التوقيع وظل متشبثاً بحصانته من المساءلة التي تمنحها له، حسب قولهم، المادة 93 من الدستور».
وكان البرلمان الموريتاني قد أعلن بداية العام الماضي عن اعتماد لجنة تحقيق لفحص عدد من الملفات والصفقات المنفذة في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي حكم موريتانيا ما بين 2009 و2019.
وفي أواخر تموز / يوليو الماضي، أصدرت اللجنة تقريراً بنتائج التحقيق تضمن «اتهامات للرئيس السابق بوجود شبهات فساد» وأحيل التقرير إلى وزير العدل الذي أحاله بدوره للقضاء، ليبدأ مسار جديد من التحقيق تولته شرطة الجرائم الاقتصادية، وأنهته الأسبوع الماضي.
وفي شهر آب/ أغسطس الماضي، استدعي ولد عبد العزيز من طرف الشرطة القضائية، وبعد ذلك تم اعتقاله لمدة أسبوع قبل أن يتم إطلاق سراحه مع وضعه تحت المراقبة وسحب جواز سفره وتجميد حساباته البنكية.
وينفي ولد عبد العزيز التهم الموجهة إليه ويعتبر أن لجنة التحقيق البرلمانية «وسيلة سياسية لاستئصال أنصاره من مفاصل الدولة وإخراجه من الحزب الحــاكم».
عبد الله مولود
نواكشوط- «القدس العربي»