قبل أقل من 11 ساعة على انتهاء حكمه، أصدر الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب سلسلة من قرارات العفو الرئاسي، ومع ذلك ما زال من أقل الرؤساء استخداما لهذا الحق، ليتجدد الجدل حول إمكانية توظيف هذه الصلاحيات سياسيا.
ويُعتقد أن قرارات العفو هذه قد تكون آخر قرارات ترامب، الذي يُتوقع أن يسافر إلى ولاية فلوريدا وعدم المشاركة في حفل تنصيب الرئيس الجديد جو بايدن.
ويقصد بالعفو الرئاسي التنازل عن حق الدولة الأميركية تجاه مرتكب جريمة فدرالية، حيث منح الدستور الرئيسَ هذا الحق بموجب البند الأول من الفقرة الثانية في المادة الثانية من الدستور الأميركي، ويُعد العفو أحد أشكال سلطة الرأفة الممنوحة للرئيس.
وفي حين أن صلاحيات الرئيس في العفو تبدو غير محدودة، فإنه لا يمكن إصدار عفو رئاسي إلا عن جريمة فدرالية، ولا يمكن إصدار العفو عن قضايا العزل التي يصدرها الكونغرس أو الأحكام والقضايا التي تقرها الولايات.
وتضم وزارة العدل مكتبا متخصصا لشؤون العفو الرئاسية منذ عام 1893، حيث يقوم بتسجيل أوامر العفو والإشراف على الإجراءات البيروقراطية لتنفيذها.
السلسة الثالثة
تعد أوامر العفو الرئاسي الأخيرة المرة الثالثة التي يقدم فيها ترامب على استخدام هذا الحق خلال سنوات حكمه الأربع.
وشملت السلسلة الأولى عدة شخصيات، على رأسهم جو أربايو، وهو قائد شرطة سابق أدين في 25 أغسطس/آب 2017 بالتمييز وملاحقة المهاجرين.
وقوبل العفو عن أربايو بانتقادات واسعة النطاق من المعارضين السياسيين، خاصة أن ترامب أصدره في وقت مبكر من رئاسته.
وتضمنت السلسلة الثانية تشارلز والد صهره جاريد كوشنر، ومستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين.
وكان فلين أقر بإدلائه بتصريحات كاذبة لمكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" (FBI)، وهي جريمة دفعت ترامب إلى إقالته بعد 23 يوما من توليه منصبه في فبراير/شباط 2017.
اعلان
وانقسمت آراء الخبراء والمعلقين حول إصدار ترامب عفوا رئاسيا عن فلين، ورأى البعض أن ما قام به الرئيس الأميركي حق دستوري مارسه قبله كل رؤساء أميركا، في حين اعتبره البعض وصمة عار.
ومن أهم من شملهم العفو اليوم عدد من المشرعين السابقين، وبعض الرياضيين، ورجال الأعمال، وأصدقاء ترامب، إضافة إلى ستيف بانون المستشار السابق لترامب، وإليوت براودي أحد كبار جامعي التبرعات لحملة ترامب والمسؤول السابق في الحزب الجمهوري.
ويمثل قرار العفو عن بانون مفاجأة، إذ إنه انتقد ترامب في أحاديث مع الكاتب مايكل وولف كما جاء في كتابه "النار والغضب"، الذي نُشر قبل نهاية عام 2018. وجاء في بيان البيت الأبيض عن العفو أن "بانون يعد قائدا مهما في الحركة السياسية المحافظة، وتعرف عنه الفطنة السياسية".
وعمل بانون كبير مستشاري ترامب خلال حملة 2016 الانتخابية، ثم مستشارا إستراتيجيا للرئيس لمدة 7 أشهر. وألقي القبض عليه بتهم مخالفة قوانين جمع الأموال لأغراض سياسية، وتحويل مئات آلاف الدولارات من أموال جمعها لبناء الحاجز الحدودي مع المكسيك لاستخدامه الشخصي.
وانقسمت أحكام العفو إلى 73 عفوا كاملا، وبموجبه يُعفى الشخص من المخالفات، وتعاد له كل الحقوق المدنية التي يفقدها عند الإدانة، بالإضافة إلى 70 عفوا جزئيا، وهي لأشخاص أدينوا من محاكم اتحادية، وأغلبهم قضوا فترات من العقوبة، وسيتم الإفراج عنهم.
وتطرح قرارات العفو الرئاسي التي اتخذها ترامب عددا من الأسئلة حول ما قد يحققه من استفادة شخصية مستقبلية، في وقت تنتظره فيه محاكمة من مجلس الشيوخ، مما قد يمنعه من العمل السياسي الحكومي في المستقبل.
سلطة العفو
وتثير قرارات العفو الجدل عند اتخاذها، وحذر كثير من الخبراء من أن العفو قد يستخدم في كثير من الأحيان من أجل النفعية السياسية أكثر من تصحيح الأخطاء القضائية.
ووفقًا لبيانات وزارة العدل الأميركية وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإن ترامب منح حق العفو 45 مرة، منها 29 بمثابة عفو نهائي، و16 حالة استخدم فيها ترامب حقه في تخفيف العقوبة، على نحو أقل بكثير من سلفه باراك أوباما، الذي استخدم سلطة العفو أكثر من أي رئيس تنفيذي منذ هاري ترومان.
ويعد ترامب من أقل الرؤساء استخداما لحق العفو منذ رئاسة وليام ماكينلي في أوائل القرن العشرين. وعلى سبيل المقارنة، منح أوباما حق العفو 1927 مرة خلال فترة ولايته التي استمرت 8 سنوات، بما في ذلك 212 عفوا كاملا و1715 عفوا بتخفيف العقوبات، في حين كان الرئيس جورج بوش الأب من أقل الرؤساء منحا لحق العفو، حيث استخدم هذا الحق 77 مرة في ولايته التي استغرقت 4 سنوات.
وتوقع بعض المراقبين أن يُقدم ترامب على العفو عن نفسه، خاصة بعدما كرر في خضم تحقيقات التدخل الروسي منتصف عام 2018 تأكيد أن لديه "الحق المطلق" في القيام بذلك طبقا للدستور، لكن شبكة "سي إن إن" (CNN) أكدت اليوم أن مستشاريه القانونيين حذروه من مغبة إصدار عفو عن نفسه وعن أفراد عائلته.
المصدر : الجزيرة