بينما تتقدم الفرق البرلمانيةبأسماء ممثليها في محكمة العدل السامية، يدور منذ أمس نقاش حول الجهة القضائية المختصة في محاكمة الرئيس السابق المتمسك، هو وهيئة دفاعه، بأن المختص بمحاكمته هو محكمة العدل السامية وحدها.
وأكد مختصون قانونيون أن الرئيس السابق قد يحاكم مرتين أمام المحاكم العادية عن أفعاله الخارجة عن مهامه المحددة في الدستور، وأمام محكمة العدل السامية أمام أفعاله المتعلقة بمهامه الدستورية إذا ارتكب الخيانة العظمى.
وأعلن سيدي محمد محم، الرئيس السابق لمحكمة العدل السامية «أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز معرض للمحاكمة أمام محكمة العدل السامية إذا وجهت له النيابة العامة اتهامها وأدانه القضاء بارتكاب أعمال مجرمة من تلك الخارجة عن صلاحياته الدستورية والتي لا تشملها الحصانة المنصوص عليها في المادة 93 من الدستور، كالإثراء بلا سبب، أو غسيل الأموال، أو الكسب غير المشروع، أو ممارسة أعمال ذات طابع ربحي يحظرها عليه الدستور».
وقال في تدوينة نشرها الثلاثاء على هامش التشكيل الجاري لمحكمة العدل السامية: «بالإمكان اعتبار تلك الإدانة في شكلها النهائي دليلاً وبينة قاطعة بارتكاب الخيانة العظمى، مما يحتم على البرلمانيين التحرك لإصدار قرار اتهام الرئيس السابق بارتكاب جريمة الخيانة العظمى بناء على ما يحكم به القضاء العادي من إدانة تثبت قيامه بجريمة الإخلال بواجباته الدستورية وممارسة أعمال يحظرها عليه الدستور، وهي الخيانة العظمى عينها، مما يمكّن من تعهد محكمة العدل السامية بالموضوع».
وأضاف: «ولأن عقوبة العزل لن تكون من بين العقوبات المعروضة للتصويت عليها من طرف أعضاء المحكمة مما سيحيل في حالة الإدانة، إلى عقوبات أخرى».
وفي خضم هذا الجدل، أكد المحامي إبراهيم أبتي، رئيس فريق الدفاع عن الدولة في ملف الفساد، في توضيحات أعلن عنها أمس «أنه لا حصانة مطلقة لأي رئيس مهما كان؛ فالرئيس يقوم بنوعين من المهام: فهناك مهام تتعلق بصلاحياته المنصوصة في الدستور وهذه لا يمكن أن يسائله عنها إلا محكمة العدل الساميــة وحدها، وهناك مهام منفصلة لا صلة لها بمهام الرئيس الدستورية فهذه تدخل ضمــن اختصاص القضاء العادي الذي يجــب أن يميز بدقة بين ما يقوم به الرئيس من أعمــال تدخل ضمن منصبه وما هو خارج عن ذلك، مثل ممارسة التجارة وتسيير الحسابات، وغير ذلك مما هو ممنوع على الرئيس».وقال: «الدولة وفرت للرئيس جميع الإمكانيات التي تجعله في غنى عن أي شيء لكي يتفرغ للشأن العام».
وأضاف المحامي أبتي: «على الجميع أن يعرف أن التشكيل الجاري لمحكمة العدل السامية ليس من أجل النظر في ملف معين، بل هو إكمال للهيئات التي نص عليها الدستور».
ويأتي هذا الجدل في خضم مشاورات واسعة تجريها الفرق البرلمانية لإكمال تشكيل محكمة العدل السامية.
وأعلن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارض (محسوب على التيار الإسلامي) وهو الحزب الأكثر تمثيلاً في البرلمان الحالي، أمس، أنه يرشح النائب البرلماني حمادي ولد سيدي المختار، لعضوية محكمة العدل السامية التي يعكف البرلمان على تشكيلها حالياً، بعد أن اكتملت الإجراءات القانونية المتعلقة بها.
وينص القانون النظامي لمحكمة العدل السامية على أن ينتخب البرلمان تسعة قضاة من بين نوابه، وفق النظام النسبي، وينتخب لهم تسعة أخلاف.
وتنص المادة 92 (جديدة) من الدستور الموريتاني على أنه: «تنشأ محكمة عدل سامية، وتتشكل من أعضاء منتخبين، من بين أعضاء الجمعية الوطنية بعد كل تجديد عام، ويتم انتخاب رئيس من بين أعضائها، ويحدد القانون النظامي تشكيل محكمة العدل السامية، وقواعد سيرها، وكذلك الإجراءات المتبعة أمامها».
وتنص المادة 93 (جديدة) على أنه «لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولاً عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى، ولا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني، وبالأغلبية المطلقة لأعضائها، وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية».وتنص المادة نفسها على «أن رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة مسؤولون جنائياً عن تصرفاتهم خلال تأدية وظائفهم، والتي تكيف على أنها جرائم أو جنح وقت ارتكابها، وتطبق عليهم الإجراءات المحددة أعلاه في حالة التآمر على أمن الدولة وكذلك على شركائهم، وفي الحالات المحددة في هذه الفقرة، تكون محكمة العدل السامية مقيدة بتحديد الجرائم أو الجنح وكذا تحديد العقوبات المنصوص عليها في القوانين الجنائية النافذة وقت وقوع تلك الأفعال».
وينتظر الرأي العام الموريتاني، منذ أشهر، اكتمال التحقيق الابتدائي الذي تجريه شرطة الجرائم المالية والاقتصادية حول التقرير المحال إلى القضاء من طرف البرلمان.
ويتساءل المهتمون بما يسمى «ملف الفسـاد» عن مآل هذا الملف: فهل سيحال هذا الملف المعقد كله إلى القضاء العادي، أم سيحال الجانـب الخاص منه بالرئيس السابق وبالوزراء إلى محكمة العدل السامية، ويحال ما يتــعلق بالأشخاص العاديين إلى القضاء العادي؟».
عبد الله مولود
نواكشوط –«القدس العربي»