أثارت تدوينات قارنت الوضع الذي تعيشه موريتانيا بأوضاعها عام 2008 التي تسببت في آخر انقلاب عسكري تشهده البلاد، جدلاً واسعاً متواصلاً، شارك فيه موالون للرئيس الغزواني وآخرون مستقلون معارضون لعودة موريتانيا للأحكام العسكرية.
وقد غذت هذا الجدل عوامل بينها القمع الذي ووجه به محتجون على إحراق نفايات يتضرر منها سكان الضاحية الشرقية للعاصمة، والبطء الذي يلاحظه البعض في حسم ملف الفساد، واحتفاظ الرئيس الغزواني بمن يسمون محلياً «رموز الفساد».
وكتب الوزير السابق سيدي محمد محم «الذين يهاجموننا كنظام وأغلبية بدأوا يفقدون أعصابهم بشكل لافت، وخصوصاً في هجومهم على شخص رئيس الجمهورية والتي وصلت ذروتها في استدعاء الانقلابات العسكرية مما يظهر مدى مزاجية هؤلاء وانعدام أية قضية جادة لديهم».
وأضاف: «لسوء حظ هؤلاء «والقارُون» الذي يدفع لهم، فإن البلد اليوم أقوى وأصلب من أي وقت مضى، وشعبية الرئيس تتنامى وتتزايد بفضل البرامج الاجتماعية التي أعلن عنها والتي ساعدت كثيراً في تحجيم الأضرار الناجمة عن الوباء، وبفضل سياسات اليد الممدودة لكل ألوان الطيف السياسي ومنهج التشاور والتعاطي الإيجابي الذي اعتمد».
البعض اعتبرها تشويشاً والكثيرون أكدوا استحالة الرجوع للوراء
«لذلك، يقول ولد محم، فإن الاحتجاجات المحدودة التي يتوقفون عندها كثيراً ويحاولون تحميلها ما لا تتحمل، تشكل أكبر دليل على حرية مواطنينا في التظاهر والاحتجاج، وأنْ لو كانت أوضاعهم بالسوء الذي يتمناه لهم إعلام الفساد وممولوه لخرجوا وعبروا عن ذلك بكل حرية وقوة، لكن وعيهم ووطنيتهم أعلى وأرفع من تلك الأصوات المبحوحة التي تبيع الوهم وتمتهنه».
وزاد: «مع ذلك، فنحن كأغلبية، مقصرون في حق رئيسنا الذي انتخبنا، وفي حق هذا الأداء الذي لا ندعي له الكمال ولا العصمة، لكنه يظل أداء متميزاً في أبعاده الاجتماعية والسياسية والأمنية وحتى الدبلوماسية، كما ما زلنا، كنخب سياسية، قاصرين عن الاستثمار السياسي المطلوب لهذا الأداء ومنجزه، ناهيك عن مواكبة الرئيس في أشرس معركة تخوضها قوى الفساد والاختلاس ضده».
وتحت عنوان «الساكنون في مزابل التاريخ» كتب الإعلامي والسياسي الموريتاني البارز محمد فال سيله: «الحالمون بانقلاب عسكري، في بلادنا، هم الساكنون، أبداً، على هوامش الفكر وفي مزابل التاريخ؛ لقد قطعنا أكثر من نصف الطريق المؤدي إلى «الواد السياسي المقدس» حيث لم يعد الدستور مجرد وريقات منتفخة نكتبها ونمحوها ونغيرها ونعدلها ونشرحها ونؤولها حسب أمزجة الطغاة وباعة الضمير، بل أضحى عقداً اجتماعياً ومنجى نلجأ إليه ونحتمي به ونحميه».
وأضاف: «لم يعد الرجوع إلى الوراء ممكناً، فالعهود الاستثنائية، بما تحمل من ويلات وأغلال وظلمات وعصي وترميل وتيتيم، ولّت لغير رجعة، ومستوى الوعي السياسي أصبح متراساً أيديولوجياً يحول دون السقوط في بئر «البيان رقم 1» وأكاذيب المناكب المزخرفة بالنياشين والأنجم».
وقال: «مَن منا لا يتذكر انقلاب عزيز: مظاهرات يومية، واحتجاجات داخلية وخارجية، وجرحى، وموقوفون، وأزمات تفتأ تتعقد، واحتقانات لا تتوقف، حين كادت الحياة الاقتصادية تتوقف في العاصمة، وحين فر المستثمرون، وارتبك المشهد، في تلك الفترة الفاحمة الدامسة اقتربت البلاد من الهاوية، وكادت تسقط في جحيم البلبلة والفوضى، وكاد الانقلابي الآثم يرفع الراية البيضاء لولا مراوغة ذكية (من اللاعبيْن المحترفيْن نيكولا ساركوزي وعبد الله واد) أفضت إلى قبول الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية بمفاوضات دكار التي مثلت أكبر خدعة راحت ضحيتها المعارضة ومن ثم المسلسل الديمقراطي الموريتاني برمته».
«اليوم، وفي جو يطبعه الإجماع، يضيف محمد فال، وفي ظروف تتسم بالتهدئة الشاملة، وفي مشهد قائم على التشاور والإشراك، نسمع للساكنين على هوامش الفكر حشرجة، خفية وعلنية، تدعو باستحياء إلى الانقلاب على الدستور، وتقارن اليوم، وما فيه من تلاحم وانسجام بالأمس وما فيه من الاحتقانات والتشظي!.. إنهم زبانية العذاب السياسي، الواقفون سرمداً أمام خيارات السلم، الرافضون أبداً لنِعَم الاستقرار، المتلاعبون يومياً بجو السكينة».
ودعا الكاتب لمحاكمة كل «أي فاعل أو «مفعول به» وأي سياسي، فاعل أو «مفعول معه» يدعو صراحة أو ضمناً، إلى انقلاب عسكري» مؤكداً «أنه يتوجب على القضاء أن يسائل من يدعو لذلك ويحاكمه ويدينه لأنه يعرّض الوضع الراهن، الهش أصلاً لأسباب بنيوية، للتأزيم، ويعيد الساحة إلى النقطة صفر، ويعرّض البلاد لمرحلة من التفكك لا يمكن أن نتنبأ بمآلاتها».
وزاد: «إن على صناع الرأي أن يصطفوا في وجه مثل هذه الدعايات الهدامة، إذ ليس من المقبول أن نجعل من خطأ شرطي أو شطط دركي مطية يركبها الساكنون في مزابل التاريخ ليصلوا بالبلاد إلى قاع بحر متلاطم من الحسرة والتعاسة والندم».
وكتبت الإعلامية منى بنت الدي تقول: «من يكتبون عن انقلاب عسكري أو ثورة شعبية إنما يكتبون عن أماني من يقترب حبل الفجيعة من رقابهم، فانقلاب أو ثورة لم تنتجهما حماقات العشرية وفظائعها، لن تحدثه تجاوزات رغم شجبنا لها مازالت محدودة ومعزولة وقد تكون مدبرة بأياد خفية من أزلام العشرية وخلاياها الخبيثة».
وكتب المدون سيدنا عزيز: «لا تتعبوا أنفسكم بتذكار الماضي والعزف عليه، فلا غزواني سيدي ولد الشيخ عبد الله رحمة الله عليه وأطال في عمر الأول، ولا النظام شبيه بالنظام السابق من حيث التركيبة وحضور المعاونين».
وقال: «لعله غابَ عنكم أن هذا النظام أريد له أن يسقط في الشوط الأول فأتت صناديق الاقتراع بما لا يشتهي الخصوم الذين خططوا لشيء آخر، وأن رأس النظام أتى من رحم الدولة العميقة وليس من خارجها، وأنه مدير الاستخبارات العسكرية في مرحلة من حكم ولد الطايع، وأنه المدير العام للأمن الوطني، وكان له دوره المحوري في المرحلة الانتقالية في الدفاع والداخلية ووزارات أخرى، وأنه قائد الجيوش عشر سنين، ولولا وجوده لما ظل النظام المغضوب عليه شعبياً وعسكرياً يوماً واحداً، ولما تم تأمين الحدود وكسبت موريتانيا ثقة الشركاء، وأن شعبيته أكبر من أن يحجبها الغوغاء وأصحاب الأجندات، ولعل المتابعين لاحظوها في أرجاء موريتانيا، حتى أن المعارضة بدأت تدخل على خط الموالاة ليس رغبة منها في الحصول على المكاسب الشخصية كما يدعي بعض أعوان النظام السابق، فلو كانت أهدافهم ضيقة لقبلوا بإغراءاته وما قدمه في سبيل تخليهم عن مواقفهم، بل إنهم شاهدوا بداية إصلاح حقيقي داخل البلد».
وضمن هذا الجدل، كتبت وكالة الوئام الوطني الإخبارية المستقلة: «بين الفينة والأخرى، يعلن أحد المدونين أو سياسيي الصف العاشر، أن الظروف باتت حبلى بأسباب الانقلاب على الشرعية الدستورية، والحقيقة أن الرأي العام لم ير أي شيء يوحي بالتأزم الذي يقود عادة إلى التفكير في انقلاب عسكري كحل أخير».
وأضافت في مقالها الافتتاحي، «أن المقارنات التي تأتي من هنا وهناك، بين الوضع الحالي والوضع سنة 2007، مجرد محاولة للتشويش على المشهد، وهي استراتيجية دأبنا عليها كلما اقتربت ساعة محاكمة الضالعين في ملف العشرية السوداء، وهذه الدعوات والدعايات لم يعد لها أي تأثير على الرأي العام، لأن منبعها معروف وهو رأس حربة عشرية النهب، وهدفها معروف وهو التشويش على المسار القضائي لملف العشرية السوداء».
وأضافت الوكالة: «كل المؤشرات، سواء على المستوى الداخلي، حيث الانسجام والمشاريع التنموية والتعاطي الإيجابي مع تطلعات الجماهير، أو على المستوى الخارجي حيث اطمأنّ الشركاء على مستوى الاستقرار وجدية القرارات، تدل على أنه لا مبرر إطلاقاً لأي تغيير خارج إطار ما ينص عليه الدستور».