يضع العالم كله اليوم استقرار تشاد في مقدمة الأولويات، بل ويجعلونه هدفاً أهم من إرساء الديمقراطية في هذا البلد الذي تتأثر بعدم استقراره الدول التي تحده وتلك التي تحد تلك.
فمنذ أن قضى رئيسها المارشال إدريس ديبي، الثلاثاء الماضي، خلال مواجهات مع ميليشيات جبهة التغيير والوئام المسلحة، وجمهورية تشاد تتأرجح على كف عفريت رغم انتقال السلطة بطريقة هادئة حتى الآن، من الرئيس إلى ابنه محمد.
ودخل نظام الراحل ديبي في حرب مع حركة التمرد التشادية منذ الحادي عشر إبريل الجاري، وتسببت عملياتها بشكل أو بآخر في مقتله، حسب الرواية الرسمية.
وأعلنت الحركة أنها لن تهاجم العاصمة نجامينا اليوم وستمدد المهلة التي منحتها لعائلة ديبي من أجل مراسيم دفنه؛ شريطة أن لا تتم مهاجمة قواتها.
وتنظر الأوساط الدولية المهتمة بالإرهاب بقلق كبير لمستقبل جمهورية تشاد التي تحدها بلدان غير مستقرة: فليبيا غير المستقرة منذ سنوات تحد تشاد من الشمال، ويحدها السودان من الشرق، وجمهورية إفريقيا الوسطى من الجنوب، والكاميرون ونيجيريا من الجنوب الغربي، والنيجر من الغرب.
وتعتبر تشاد عضواً فاعلاً في مجموعة دول الساحل الخمس التي تضم موريتانيا ومالي وبوركينافاسو والنيجر، حيث أظهر جيشها بسالة في المواجهات العسكرية التي جرت في مالي.
وبسبب ذلك، أصبحت المحافظة على تسيير مرحلة انتقالية هادئة في تشاد أمراً له أهميته الكبرى رغم أنه لن يتحقق بسبب حالة الحرب التي ورثها النظام الجديد القديم مع حركة التمرد العسكرية التي ترابط قواتها غير بعيد من العاصمة نجامينا.
ويعتقد المراقبون أن دور فرنسا في هذه القضية مهم وحاسم، فهي التي يوجد جيشها على التراب التشادي، كما أنها مرتبطة باتفاقية دفاع مع نظام الرئيس ديبي.
لكن الممكن المتاح، حسب المراقبين، في الظرف الحالي هو خياران: إما سحق حركة التمرد، وهو ما لن يكلف الجيش الفرنسي جهداً كبيراً، والعمل على تقوية نظام الجنرال محمد إدريس، وإما أن يفرض على النظام الجديد وعلى خصومه البدء في مفاوضات من أجل مصالحة وطنية تشادية يراها خبراء هذا الشأن شبه مستحيلة.
فقد أثبت التاريخ فشل المصالحات التشادية، كما أكد التاريخ أن تغيير الأنظمة في تشاد لا يتم إلا عبر المواجهات العسكرية الدامية.
فقد شارك الراحل ديبي في حركة تمرد ضد حكم الرئيس السابق، كوكوني وادي، في عام 1982، وأظهر دعمه لحكم خلفه الرئيس حسين حبري، (1982-1990)، وتولى منصب القائد العام للقوات المسلحة. قبل أن يتزعم “حركة الإنقاذ الوطني” التي أجبرت الرئيس السابق حسين حبري على التنحي عن الحكم عام 1990 بعد أن شنت هجوماً استمر ثلاثة أسابيع من السودان، لتجبر حسين حبري على التنحي عن الحكم ومغادرة تشاد إلى المنفى.
وضمن التحليلات التي كتبها خبراء موريتانيون عن القضية التشادية، أكد السفير المختار ولد داهي أن “جميع عناصر عدم الاستقرار كانت بادية في جمهورية تشاد: انقلاب متكرر على الدستور، وتجاذب قبلي ومناطقي ساخن، وشبه حروب عصابات على الحدود الأربع مع ليبيا السودان وسط إفريقيا الكاميرون، وحرب خارج الحدود ضد الحركات الإرهابية، وعلاقات لئيمة مع الكيان الصهيوني”.
وقال: “أما وقد حصل ما حصل، وإن لم ندْرِ على سبيل الجزم كيف حصل، وإذ قتل الرئيس إدريس وعُطِّلَ الدستور وتسلّم السلطة مجلس عسكري يترأسه نجل الرئيس الراحل، فإن مجموعة دول الساحل الخمس خصوصاً، والمجموعة الدولية عموماً، مطالبتان بمعالجة “المستجد التشادي” بكثير من الحنكة والحكمة وشيء من الخروج على المألوف”.
وأضاف السفير داهي أن “على مجموعة دول الساحل الخمس وقد قُتِلَ رئيسها الدوري إدريس دبى رحمه الله، أن تبادر لعقد قمة طارئة تنتدب خلالها رئيساً دورياً يكلف أساساً بمساعدة تشاد على عبور “المنطقة الانتقالية” بإجماع وسلام وإرساء نظام سياسي قوي سياسياً وعسكرياً واقتصادياً”.
وقال: “واجب على المجموعة الدولية كلها (الأمم المتحدة، أمريكا، روسيا، أوروبا، منظمة المؤتمر الإسلامي، الاتحاد الإفريقي) أن تدعم مجموعة دول الساحل الخمس من أجل حل عاجل غير تقليدي للأزمة التشادية، يكون قطيعة مع المعالجة التقليدية لأزمات الحكم بإفريقيا والتي تميزت دائماً بـ”نسخ ولصق” نماذج حلول كثيراً ما تميزت بالبطء الشديد وعدم النجاعة وغياب الحل الجذري و”تخفيف آلام الأزمات” بدل علاجها”. وعن الرابح من عدم استقرار تشاد، أضاف السفير داهي، “إذا كان من رابح فيما حدث ويحدث بدولة تشاد الشقيقة، فهو من دون شك الحركاتُ الإرهابية وحلفاؤها الذين قد ينشغل عنهم في أمور البيت الداخلي أحد أعتى جيوش المنطقة، كما سيخطف الشأن التشادي أنظار الأصدقاء والحلفاء مما قد تستغله الماكنة الإرهابية فى تقوية صفوفها”.
وزاد: “مبادرة الجيش التشادي بإعلان مجلس حكم عسكري انتقالي “تفادياً للفراغ، أمر وارد لكنه لن يجلب نَفَساً من الاستقرار ما لم يُشفع بشفاعة عاجلة من الإخوة بمجموعة دول الساحل الخمس وبسند دولي ناصح وصارم من أجل تشكيل حكومة مدنية تباشر مساراً تصالحياً بآليات غير تقليدية تتوخى النجاعة والحفاظ على تشاد قوية عسكرياً مستقرة سياسياً.
نواكشوط – «القدس العربي»