للمرة الثانية يحتفل العالم الإسلامي بعيد الفطر في ظل انتشار فيروس كوفيد الفتاك: ويحل عيد الفطر هذا العام الذي سيحتفل به الخميس المقبل على الأرجح، والناس يعيشون بين الخوف من الفيروس المانع من المعايدات والزيارات، وانشغال أرباب الأسر بتكاليف العيد في ظرف عصيب، إلى جانب الجدل الفقهي الذي يشتعل كل سنة حول إثبات الهلال بالفلك أم برؤية البصر وحول إخراج زكاة الفطر بمواد الغذاء أم بالنقد.
وفي موريتانيا تتناطح جبهتان من الفقهاء والباحثين حول رؤية الهلال، حيث حذر الفريق الفلكي من تجرؤ لجنة مراقبة الأهلة على إثبات رؤية الهلال ليلة الأربعاء المقبلة لأنه من المستحيل فلكيا إثبات رؤيته تلك الليلة لكونه يولد ثلاث دقائق قبل غروب شمس الثلاثاء.
وكتب الباحث محمد محفوظ ولد أحمد من جبهة الفلكيين «نحن الآن، أو بعضنا، في قلق ورهب من أن تجتمع لجنة الأهلة مساء الثلاثاء وتتلقى شهودا بالرؤية (وقد تتلقاهم لو جلست يوم 25!!) فتثبت رؤية شهر شوال، وتعلن يوم الأربعاء يوم الفطر! هذا ما نخشاه الآن، وندعو الله ألا يكون؛ لأنه يعني أننا ضيعنا يوما أو يومين من رمضان».
وأضاف «فقد أكدت مراصد الفلك وحساباته العلمية الموثوقة استحالة رؤية الهلال مساء الثلاثاء 11 ايار/مايو في جميع دول العالم الإسلامي، وإمكانية رؤيته بصعوبة في دول أفريقيا مساء الأربعاء، فنرجو من لجنة الأهلية الموقرة أن تصرف النظر عن البحث والاجتماع قبل مساء الأربعاء، خوفا من إحراج الرؤية الوهمية، حتى لا نقول المزورة، أو أن ترد بحزم أي رؤية تصلها ذلك المساء».
وتابع «لقد آن الأوان لهذه اللجنة وغيرها من لجان العالم الإسلامي، أن تجعل الحسابات الفلكية في مقدمة وسائل إثبات الرؤية الشرعية للأهلة، خاصة أن طرق الاطلاع والتثبت من حقيقة هذه الحسابات وأجهزة الرصد المتطورة معها سالكة للجميع».
وتابع «ومن الأدلة البينة على أن الرؤية وإثباتها بالخبر أو الشهادة وسيلة لتحصيل الظن بوجود الهلال، ما ملأ كتب الحديث والفقه من اعتبار حال الشهود، وحال المِصر، وحال الجو، وحساب شهر شعبان: واليوم تعتبر موريتانيا كلها مصرا واحدا، تستطيع لجنة الأهلة سبر أغواره واستشهاد سكانه جميعا في نفس الوقت، مع ما يوفره تباين أوقات الغروب واختلاف الأجواء من تحقيق الرؤية البصَرية العادية؛ وبالتالي فمن شبه المستحيل أن لا يرى الهلال سوى شخصين أو عشرة أو مئة، من بين أكثر من أربعة ملايين شخص».
وقد سارع فقهاء الرؤية البصرية لنشر فتوى تؤكد «أن فى الاعتماد على الحساب الفلكي لإثبات دخول الشهر القمري خطآن جسيمان أولهما: إسقاط العلة الشرعية الموجبة للصوم والإفطار وهي الرؤية البصرية؛ والثاني: إحداث علة للصوم والفطر لم يشرعها الله وهو الحساب الفلكي وإضفاء الحجية عليها».
وتابع معارضو الرؤية الفلكية «الرد على الخطأين هو أن الأحاديث الكثيرة تدل على أن المعتبر في ذلك هو رؤية الهلال أو كمال العدة».
وأضاف معارضو الفلك «في الاعتماد على الحساب الفلكي إهدار للعلة الشرعية، وإسقاط لحجية الرؤية الشرعية والحجية القضائية لحكم المحاكم الشرعية، واعتبار لما ألغاه الشرع وهو الحساب الفلكي، وشذوذ عن اتفاق من يعتد به من أهل العلم وفقهاء المذاهب الذين حُكى عنهم الإجماع على عدم جواز العمل به».
وزاد المعارضون «أن رحمة الله بعباده اقتضت أن يعلق أسباب عبادتهم وعللها بأمور حسية ملموسة لكل المكلفين، دفعاً للحرج والمشقة على الناس».
إلى جانب هذا يشتعل جدال آخر زكاة الفطر بين فريقين أحدهما يؤكد أن زكاة الفطر لا تجزئ إلا بإخراجها من المواد الغذائية الأكثر استهلاكا، بينما يرى الفقهاء المعاصرون أن إخراجها من النقود أفضل لملاءمتها للفقراء. هكذا تبدو أجواء عيد الفطر في السابع والعشرين من رمضان التي هي أيضا مناسبة أخرى هي مناسبة ليلة القدر، التي يحرر فيها الشياطين المكبلون منذ بداية الشهر.
وبين منغصات كوفيد والجدل المشتعل حول رؤية الهلال وحول زكاة الفطر يردد المسلمون هذا العام مع أبي الطيب المتنبي قوله قبل عقود: «عيد بأي حال عدت؟».
عبد الله مولود
نواكشوط-»القدس العربي»