في اليوم الذي انتخب فيه الرئيس الغزواني رئيسا لموريتانيا قبل سنتين، قرر القضاء الموريتاني إحالة سلفه محمد ولد عبد العزيز للسجن وذلك بعد أن امتنع لمرتين متتاليتين من توقيع الحضور الذي ألزمه به قاضي التحقيق في 11 مايو الماضي.
وفرض قاضي التحقيق بالنيابة العامة بولاية نواكشوط الغربية، على الرئيس السابق الإقامة المنزلية الإجبارية وأن يوقع ثلاث مرات أمام الشرطة مع الإبقاء “على التدابير السابقة للمراقبة القضائية التي سبق إخضاعه لها وذلك لمدة شهرين تتجدد تلقائيا أربع مرات ما لم يصدر أمر بخلاف ذلك”.
وقام الرئيس السابق خلال الأسابيع الأخيرة بنشاطات سياسية عدة، وعقد مؤتمرات صحافية وتجمعات انتقد فيها بشدة نظام الرئيس الغزواني وأداء حكومته، كما أثارت مسيراته الراجلة نحو مقر إدارة الأمن وتجمع المارة الفضوليين حوله استنكار الجهات الأمنية.
وقضى الرئيس السابق ليلة الأربعاء بإدارة الأمن التي سيمكث فيها فترة حجر صحي لأسبوعين ضمن إجراءات الاحتراز من فيروس كورونا، قبل إحالته إلى السجن دون تحديد للسجن الذي سيحال إليه والذي يرجح أن يكون سجنا بناه الرئيس السابق بمدينة ألاك وسط موريتانيا.
وتأتي إحالة ولد عبد العزيز إلى السجن عقب تغيبه عن التوقيع الأحد الماضي، حيث عاد إلى منزله بعد مغادرته، احتجاجا على تدخل الشرطة لمنع مرافقيه من مواصلة السير معه.
وقابل حزب الرباط الوطني من أجل الحقوق وبناء الأجيال الذي انضم له الرئيس السابق قبل شهر من الآن ضمن ما وصفه خصومه بأنه «محاولة لتسييس ملفه»، قرار إحالة الرئيس السابق للسجن بالاستنكار والتنديد.
وأكد رئيس الحزب السعد لوليد في مؤتمر صحافي أمس أنه «يرفض إحالة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز للسجن، وأنه سينظم خلال الأيام المقبلة أنشطة احتجاجية لرفض هذا السجن».
وقال «في الأيام القادمة ستكون لنا وقفات ومسيرات ونشاطات واعتصامات لمؤازرة القائد»، وهو اللقب الذي يطلقه الحزب وأنصاره على ولد عبد العزيز.
واعتبر ولد لوليد أن «سجن ولد عبد العزيز تراجع للحريات في البلد»، مؤكدا أن «أنشطتهم الاحتجاجية تسعى إلى «الدفاع عن المكاسب التي حققناها بالسجون والاعتقالات طيلة الأربعين عاما الماضية».
ولد عبد العزيز هو خامس رئيس موريتاني يسجن مع اختلاف حالته عن الأربعة الآخرين حيث إن سجنه بسبب الفساد المالي بينما سجن السابقون لأسباب سياسية.
وانهالت على صفحات الفيس تدوينات الساسة وكبار المدونين المرحبة بسجن الرئيس السابق الذي هو خامس رئيس موريتاني يسجن مع اختلاف حالته عن الأربعة الآخرين حيث إن سجنه بسبب الفساد المالي بينما سجن الباقون لأسباب سياسية.
وكتب عبد الرحمن ودادي الذي سبق أن تعرض للسجن في آخر عهد الرئيس السابق «سجن ولد عبد العزيز هو أهم حدث في تاريخ موريتانيا: فمن اليوم سيفكر ألف مرة من تسول له نفسه سرقة أموال هذا الشعب المسكين».
وقال «سبحان الله، لم أشك يوما بأن هذا هو مصيره وكان هذا الدافع لي لأن أواجهه لأكثر من عقد كامل بلا كلل ولا ملل، فتحية لكل الشجعان الذين آمنوا بأن الله يمهل ولا يهمل وأبت نفوسهم الرضوخ لسارق جاهل متغطرس ركيك».
وأضاف «ألف مبروك، وإن شاء الله نرى التحاق بقية شركائه به ليحصدوا ثمرة إجرامهم بحق بلد وصلوا فيه لأعلى المناصب وكان الجزاء الهدم والتخريب لإرضاء النفوس المريضة بحب المال».
وعلق الدكتور أبو العباس ابرهام على سجن الرئيس السابق قائلا «كنتُ قد التزمت الصمت الكِتابي غالباً في هذا الصراع منذ انتهاء المعركة على الحزب الحاكِم الخريف الماضي، فقد كان موقِفي يعود إلى عدة قناعات: الأولى أنّ السابِق أصبَح جثّة سياسيّة والثاني أنّ الكلام في هذا الصراع صار إلى حد كبير كلاماً فِرقياً أكثَر مما هو نقاشٌ عمومي حقيقي في المعايير والمحاسَبة والحريّات السياسيّة والانتقال الدّيمقراطي».
وأضاف أبو العباس محللا الوضع «أعتقِد أنّ عزيزاً لم يبق جثّة سياسيّة طول الوقت، بل إنّه، في أثناء الموتِ السريري للمعارضة، تربّص بهذه المؤسّسة ليكونَها؛ صحيحٌ أنّه لعِب اللعبة بمستوى عجيب من عدم الاعتراف بقواعِد الربح والخسارة، التي هي بديهيات السياسة، ولكنّه سجَل نقاطاً».
وقال «لا بدّ من نضال حقوقي لمراقبة الثروة العامّة والتأكّد من أنّ النهب الفاحِش لثروة البلد الذي حصل في السنوات الماضيّة لن يتكرّر، للأسَف المُشكِلة أنّ الجيل الجديد من النشطاء الميدانيين غير محترِف في رصد الأشياء والتعبير عنها وأنّ المعارضة باعت المباراة، لا بدّ من مراصِد جديدة للرقابة والتصفير على الأخطاء».
وعلق الإعلامي حنفي دهاه على قضية سجن الرئيس السابق قائلا «اليوم يُحال ولد عبد العزيز للسجن بعد عامين على تنظيم انتخابات فاز فيها الرئيس محمد ولد الغزواني، واستتب فيها حكمه، فلا هو محتاج لسجن عزيز في توطيد دعائم حكمه، ولا هو مضطر لتغييبه من أجل أن يفرض نفسه رئيساً معترفاً به، وإنما دفعته قناعاته في أن يعيد للبلاد ملياراتها التي سُرقت خلال اثني عشر عاماً، كان فيها الرئيس السابق أشبه بالأرَضَة وبالفويسقة التي ورد في الحديث أنها تُقتَل في الحل والحرم».
وقال «عزيز هو خامس رئيس موريتاني يسجن، وكان هو سجّان آخرهم، ولكنه أول رئيس يسجن لأنه سرق، ونهب، وأغلّ، وقد سجن الأربعة لأسباب سياسية، فلم يشاغبوا ولا طووا المدينة مشياً على الأقدام، ولا بكوا على حكم تم انتزاعه منهم بصناديق الاقتراع، وليس بصناديق أكرا، ولا تحدثوا للإعلام بغرور وغلظة وكأنهم أوصياء على البلاد».
وأضاف حنفي دهاه «اليوم هو يوم تاريخي، بكل المعايير، لموريتانيا وللعالم العربي ولإفريقيا، فهو يوم يسجن فيه مستبد، وسارق لأموال شعبه، من أجل إعادة منهوباته، وهو حدث غير مسبوق في موريتانيا ونادر الحدوث في البلدان الأخرى».
وقال «يستحق ولد عبد العزيز السجن، لما أفسد وانتهك من حرمات الوطن، ويستحق ولد الغزواني الاحترام لأن علاقته الشخصية به لم تدفعه للانحياز له ضد الوطن، فلم تأخذه في مراعاة المصلحة العامة لومة لائم «فلو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها».
وزاد «اليوم يبدأ بناء موريتانيا وتُضرب في مقتل، كل دعاية سامة عن عدالة لا تستهدف إلا الضعفاء وتزدهر الآمال بغد حر كريم».
هذا وغادر ولد عبد العزيز السلطة منتصف عام 2019، قبل أن تعاجله لجنة تحقيق برلمانية بتحقيق أثار شبهات حول تورطه في عمليات فساد، حيث أحيل التقرير للنيابة العامة في مارس/آذار الماضي ووجهت للرئيس السابق بموجبه وبعد بحث ابتدائي، تهم بالفساد وغسيل الأموال والإثراء غير المشروع.
ويدافع ولد عبد العزيز عن نفسه، رافضا التهم الموجهة إليه، ويؤكد أنه لم يتورط في أي عمليات فساد خلال عشر سنوات من حكم البلاد، معتبرا أن التهم الموجهة إليه هي في حقيقتها «تصفية حسابات سياسية».
ويدعي الرئيس السابق ومحاموه أن المادة 93 من الدستور تحميه من المساءلة أمام القضاء العادي، عن أفعاله في فترة حكمه وأنه لا يمكن أن يحاكم إلا أمام محكمة العدل السامية وبتهمة واحدة هي الخيانة العظمى.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»: