استنكرت مجموعة “الحراطين” وهم أرقاء موريتانيا السابقون، الناشطة تحت لواء هيئة ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين، ما سمته “تكريس سياسة الإنكار والتجاهل لمعضلة العبودية وقضية الحراطين”.
جاء ذلك في بيان مطول ضمنته هذه الهيئة الناشطة في مجال الرق بالغ الحساسية، تقييماً لانعكاس سنتين من حكم الرئيس الغزواني على أوضاع مجموعة الحراطين، وختمته بمجموعة من الطلبات والتوصيات الملحة.
وأكدت هيئة الميثاق في بيانها “أنها تستنتج من تقييم سنتين خلتا من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على أن الميثاق ينظر بكثير من الأسف وعدم الرضا عما تم تقديمه خلال هذه الفترة، وخصوصاً تكريس سياسة الإنكار والتجاهل لمعضلة العبودية وقضية الحراطين”، محذرة من “أن استمرارية العمل بهذه الوتيرة سيقود المجتمع إلى الوراء مما يؤدي إلى اضمحلال ما يبذل من جهود.
وتقدم الميثاق بمقترحات وتوصيات بينها “إعطاء الأولوية في التعيينات وتولي الحقائب المهمة لأصحاب الكفاءات الوطنية التي يشهد لها بالنزاهة وحسن التسيير، وإبعاد كل من ثبت تورطهم في الفساد من تولية المناصب العليا والحساسية، مع فتح التعيينات في المناصب من سياسية وإدارية ودبلوماسية وعسكرية وأمنية أمام كل المواطنين لا يميز بينهم سوى الكفاءة، واستحداث آلية جديدة للتمييز الإيجابي لصالح الحراطين في تقلد الوظائف”.
ودعا “لمباشرة حوار وطني حول العدالة الاجتماعية المبنية على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمواطن في دولة القانون، وذلك لإنجاز عقد اجتماعي حقيقي مبني على قاعدة الانتماء المشترك لأمة موحدة على أسس ضمان الحرية لكافة المواطنين والمساواة الفعلية فيما بينهم”.
وطالب الميثاق “بوضع سياسة تنموية في الوسط الريفي تعتمد على تشجيع الإنتاج الزراعي والحيواني وتجعل ساكنة الريف شريكاً حقيقياً في وضع وتنفيذ هذه السياسة”.
وأوصى الميثاق في بيانه كذلك “بإنشاء مناطق مختارة للتعليم في المناطق الأكثر فقراً مع تأمين الدولة لكافة الامتيازات المرتبطة بهذه الحالة كجودة التعليم عبر تأطير ومتابعة تربوية وإقامة بنى تحتية، وتوفير ما يلزم من وسائل مالية مناسبة، تحفيز المدرسين والتلاميذ، مع إعطاء الأولوية لهؤلاء التلاميذ في الحصول على منح في مجالات التعليم المهني والعالي”.
وطالب الميثاق الرئيس الغزواني “بالعمل على تسوية الملف العقاري بشكل جدي وفي أقرب الآجال وذلك من خلال التقسيم العادل للأراضي بين المواطنين، وتفعيل القوانين العقارية ومتابعة تنفيذها حتى ينال كل ذي حق حقه”. وتوقف الميثاق عند مشكلة الوثائق المدنية، مطالباً الحكومة “بالعمل على تسهيل إجراءات السجل المدني حتى يحصل جميع المواطنين على أوراقهم المدنية من أجل تسجيل أبنائهم في المدارس”.
وطالب “بتمديد نظام التأمين الاجتماعي إلى نظام تأمين صحي شامل يأخذ في الحسبان الحالة الراهنة للبلد والمتميزة بوجود أكثر الموريتانيين بدون تأمين اجتماعي”.
وأكد الميثاق أنه “يستحضر وهو يقيم عامين من ولاية الرئيس محمد الشيخ الغزواني خطاب إعلان ترشحه وخرجاته طيلة الحملة الانتخابية وخاصة وعده الذي يقول فيه “لن أترك مواطناً على قارعة الطريق”، ذلك الوعد الذي أوضح الميثاق في بيانه “أنه ولد أملاً لدى عدد من المواطنين بوصوله لسدة الحكم، فكانت النتيجة أن ازدادت الأوضاع صعوبة وتفاقمت المعاناة بفعل سياسات التمييز بين المواطنين وتدوير المفسدين، وغياب العدالة في توزيع عائدات الثروات الوطنية، وكذا نتيجة لهيب ارتفاع الأسعار الذي يحرق جيب المواطن، لدرجة يمكن معها القول بأن السنتين الماضيتين من حكم الرئيس غزواني أخفقتا في تحسين وضع الفئات الهشة التي يمثل الحراطين سوادها الأعظم”.
“لقد منحنا في الميثاق من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين، يضيف البيان، للرئيس ولد الغزواني فترة سماح معتبرة لتقديرنا عالياً وبموضوعية أننا لا ننتظر منه في سنتين أن يقضي على كل ما تعانيه الفئات الهشة وفي مقدمتهم الحراطين، ولكنها فترة زمنية كافية لإعداد تصور وطني يخفف مما تتكبده هذه الفئات من معاناة لتوفير قوة يومها ويؤسس لحلول مستديمة في مختلف المجالات سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية” .
يذكر أن “الحراطين” هم زنوج من حيث أصولهم، لكنهم تعرّبوا على مر التاريخ في ظل استرقاق متطاول مارسته المجموعات العربية والبربرية المحاربة في القرون الماضية.
وينتشر “الحراطون وهم كلهم مسلمون يتكلمون اللهجة الحسانية وهي عربية ملحونة، في موريتانيا التي يمثلون فيها نسبة هامة من السكان، وفي شمال السنغال الذين يبلغ تعدادهم فيها 20 في المئة، ويعرفون في السنغال بمسمى “لبزوقه”، وفي مالي حيث يناهز تعدادهم المليونين.
وقد عانت هذه المجموعة ذات الوضع المشابه في كثير من جوانبه لوضع سكان منطقة دارفور السودانية، من التهميش والاستغلال على مر التاريخ، حيث ظل أفرادها القوة الوحيدة التي تقع على كاهلها مشاق العمل والإنتاج وخدمة “الأسياد”.
وفي عام 1978، أسست مجموعة القيادات الأولى المتخرجة من الجامعات والمنتمية لهذه الفئة “حركة الحر” التي حددت لنفسها أهدافاً، بينها إيقاف ممارسة الرق ووقف تهميش واستغلال هذه المجموعة وإدماجها بحقوق كاملة في المجتمع.
وبعد سنوات من النضال، اتسقت جهود مناضلي الحراطين مع الدفاعات الدولية عن حقوق الانسان، فشكّل ذلك عامل مساعدة لهذه المجموعة ساهم في تغيير أوضاعها نحو الأحسن، حيث تخرج منها آلاف المتعلمين في شتى مجالات الحياة ودخل أبناؤها أروقة الدولة حكاماً ووزراء ونواباً، حيث يتولى أفراد من هذه المجموعة اليوم لرئاسة الوزراء وإدارة هيئات حكومية هامة أخرى.
ولمواجهة معضلة “الحراطين”، أعلن الرئيس الموريتاني الجديد، محمد ولد الشيخ الغزواني، مباشرة بعد تنصيبه، عن إنشاء مندوبية عامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء تحت مسمى “تآزر” مكلفة بتنفيذ حزمة من المشاريع المخصصة لمكافحة الفقر والإقصاء والتهميش، سبيلاً إلى تحقيق الحماية الاجتماعية واستئصال كافة أشكال التفاوت وتعزيز الانسجام الوطني وتنسيق كافة التدخلات في المناطق المستهدفة.
وأكد الرئيس الموريتاني “أن هذه المندوبية تجسد إقامة دولة تعتبر فيها العدالة والمساواة والإخاء والمواطنة مرتكزات وقيماً تأسيسية لا مجرد مفاهيم نظرية”.
وخصصت الدولة غلافاً مالياً بمقدار 200 مليار أوقية قديمة لتمويل المندوبية وتمكينها من تنفيذ برامجها الموجهة أساساً لمحو آثار الرق عن مجموعة الحراطين.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»