مضت سنوات أربع وزيادة اليوم على تقديم موريتانيا وتونس والمغرب عام 2017 لطلبات انتساب للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بصفتي «مراقباً» وعضواً مشاركاً» دون أن يحدث أي تقدم يذكر في هذا الخيار الذي لجأت له الدول الثلاث بعد أن وقعت الدول المغاربية الخمس على شهادة وفاة اتحادها الذي ولد ليموت بسبب تعقيدات ملف الصحراء الغربية.
وقد خصصت كبريات المجلات الفرانكفونية وبخاصة «جون أفريك» و»موندافريك» ملفات لتحليل أسباب هذا التباطؤ الذي تتعامل به مجموعة «الأكواس» مع طلبات موريتانيا والمغرب وتونس الراغبة في الدخول في فضاء المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي تمكنت، عكس دول المغرب العربي، من الحفاظ على كيانها وتطويره، عبر آليات عدة بينها العملة الموحدة «الإيكو» والمنطقة التجارية الحرة.
وتختلف موريتانيا عن تونس والمغرب، فهي عضو مؤسس للمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، وقد انسحبت من هذه الهيئة عام 2000 من أجل تركيز الجهد على تحقيق أهداف اتحاد المغرب العربي المؤسس عام 1989 الذي لم يتقدم في تحقيق أهدافه وبقي قوقعة فارغة ما جعل موريتانيا تتجه من جديد للشراكة مع المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا.
وقد بذلت ما أمكنها من مجهودات حيث أجازت حكومتها في ديسمبر عام 2018 قانوناً يتضمن التصديق على اتفاق الشراكة مع المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا الموقع يوم الخامس مايو 2017 بنواكشوط.
ويقر هذا الاتفاق شراكة بين موريتانيا وأكبر تجمع اقتصادي إقليمي إفريقي في مجالات متعددة بينها دعم التعاون المشترك عبر إنشاء منطقة تجارية حرة، مصحوبة بتطبيق تعرفة جمركية مشتركة، وترقية لتنقل حر للأشخاص والممتلكات، إضافة إلى حرية الاستثمار وإقرار سياسة تجارية تشجع المبادلات في المنطقة، سبيلاً لتأسيس سوق مشتركة في عموم غرب إفريقيا.
وبالرغم من إجازة اتفاق نواكشوط، فقد دعت قمة المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا المنعقدة في مونروفيا يوم الرابع يونيو 2017، موريتانيا للعودة إلى عضوية المجموعة بصفتها عضواً مؤسساً لها.
وبما أن حكومة نواكشوط لم تستجب لدعوة القمة، فقد أقرت المجموعة اتفاق الشراكة مع موريتانيا خلال لقاء عقد في لومي عاصمة التوغو شهرين بعد قمة مونروفيا.
وتواصل حكومة نواكشوط حالياً دقها لباب المجموعة لقطع الخطوات المتبقية على استكمال الشراكة مع المجموعة.
وبالنسبة للمغرب فقد اعتاد كبار مسؤوليها التأكيد على أنها «غير مستعجلة في قضية الشراكة مع الأكواس» لكن مرور أربع سنوات كاملة على تقديم الطلب المغربي، دون أي استجابة ولا توضيح، يظل أمراً لافتاً للنظر.
وأكدت مجلة «جون أفريك» أنها لم تتمكن من الحصول على أي شروح لا من وزارة الخارجية المغربية ولا من مسؤولي الاتصال في «الأكواس» حول التأخر في حسم الطلب المغربي المقدم للمجموعة يوم 24 فبراير / شباط2017.
ويقول العربي جايدي الخبير الاقتصادي في مركز سياسات الاتحاد الإفريقي للنموذج التنموي الجديد في توضيحات ل «جون أفريك» أنه «لا حديث أبداً عن الطلب المغربي؛ فقد فوجئ المغرب بردات فعل سلبية من بعض دول «الأكواس» لكن المباحثات الثنائية متواصلة مع ذلك». «أما تونس، يضيف العربي جايدي، فقد تم قبول طلبها كعضو مراقب، لكن هل المطلوب هو مجرد الحضور التونسي الشكلي فقط لاجتماعات «الأكواس»؟
وكانت مجموعة «الأكواس» قد أعطت عام 2017 «موافقة مبدئية» على عضوية المغرب لكنها جمدت الموضوع بطريقة سرية بعد ذلك.
وقد أثار الطلب المغربي شكوكاً سياسية واقتصادية حول أهداف الهيمنة المغربية على القارة، كما أن اتحادات لأرباب العمل ونقابات في غرب إفريقيا، أبدت تخوفها من المنافسة المغربية بل من احتمال إغراق أسواق دول المجموعة بتدفق المنتوجات المغربية. وقد سجل هذا التخوف لدى مقاولين ونقابيين في السنغال وغانا، وفي نيجريا التي تسيطر على 40% من المبادلات التجارية الإقليمية.
وتقول يسرى أبورابي أستاذة العلوم السياسية في جامعة الرباط الدولية في مقال نشرته «جون أفريك» عام 2019: «لقد تمكن المغرب في ظرف عشر سنوات من احتلال المرتبة الخامسة كخامس قوة اقتصادية قارية وكأول مستثمر إفريقي في غرب إفريقيا».
يذكر هنا أن نيجريا متحفظة بشدة على عضوية المغرب بل على فتح مجموعة «الأكواس» أمام أي بلد آخر.
وقد فضلت حكومة نيجريا وهي داعمة تقليدية لجبهة بوليساريو، شأنها شأن دول ساحلية أخرى، تجميد موقفها من نزاع الصحراء، وتكريس جهودها لإنجاز المشروعات التنموية الكبرى مع المغرب البلد المستقر والمتطور؛ ومن أبرز تلك المشروعات بناء أنبوب الغاز العملاق بين المغرب ونيجريا الذي سمي «مشروع القرن» والذي يتطلب إنجازه 25 سنة من الأشغال بكلفة 25 مليار دولار. وبالرغم من الدبلوماسية الاقتصادية المغربية النشطة وبالرغم من عشرات الاتفاقيات الموقعة بين المغرب وعدة إفريقية فإن اندماج المغرب داخل القارة ما يزال ضعيفاً، حيث أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي «أن حصة مبادلات المغرب مع بقية دول إفريقيا لا تتجاوز 4%».
وجاءت القطيعة الأخيرة بين المغرب والجزائر لتضيف لهذا الضعف ضعفاً آخر.
فإلى متى ستبقى دول المغرب العربي في وضع كهذا؟ فلا هي استطاعت بناء اتحادها على أسس صلبة تكفيها مؤونة التسكع هنا وهناك، ولا هي تمكنت من ولوج سريع لمجموعة «الأكواس» أكبر المجموعات إفريقية نجاحاً في تحقيق الاندماج الاقتصادي المنشود.
عبد الله مولود
نواكشوط – «القدس العربي»: