يسود في موريتانيا حالياً انشغال عام بارتفاع كبير ومزعج لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، وهو ارتفاع ناجم عن انعكاسات كورونا على السوق الدولية، حسبما تؤكده السلطات، كما أنه ناجم من ناحية ثانية عن استيراد موريتانيا لمعظم مستهلكاتها من الخارج، وهو ما يتطلب توفير عملات صعبة، بالتوازي مع عملة محلية ضعيفة.
وقوبل ارتفاع الأسعار باحتجاجات شعبية وبيانات تنديد من أحزاب المعارضة، كما قوبل بشروح قدمها المختار داهي، وزير الثقافة الناطق الرسمي باسم الحكومة، وأكد فيها “أن أسعار المواد الاستهلاكية في الأسواق الوطنية تحت السيطرة وتتم مراقبتها دائماً، حيث يقدم تقرير كل أسبوع في مجلس الوزراء عن وضعية الأسعار على عموم التراب الوطني، فضلاً عن متابعة وزارة التجارة اليومية للأسواق”، وفق تعبيره.
وأوضح ولد داهي “أنه لا يوجد ارتفاع دائم، وما يحدث منه مؤقت وهو شيء عادي، وتابع لحالة السوق التي تشهد تقلبات في الأسعار دائماً”.
وأضاف “أن ما يثار حول ارتفاع الأسعار في البلد يتسم بـكثير من المبالغة إلى جانب بعض المضاربات التي تحدث في السوق وبعض الأسباب المتعلقة بالتموين، لكنه في كل مرة يتدخل القطاع الوصي في الوقت المناسب لضبط الأسعار، بالإضافة إلى الإجراءات التي تقوم به الحكومة للتخفيف من ارتفاع الأسعار، كدكاكين أمل، مع ما تقوم به مفوضية الأمن الغذائي من تدخل لصالح المواطنين من أصحاب الدخل المحدود”.
وفي خضم هذه الأزمة، أعلن الرئيس الغزواني “أنه قرر، في ظل أزمة ارتفاع الأسعار الأخيرة، استحداث آلية وطنية لاستيراد المواد والسلع الأساسية، وتوفيرها للمواطن بأسعار مناسبة، بعيداً عن المضاربات، لتكون بذلك أداة تنظيم وعامل استقرار لسوق هذه المواد”.
وأوضح في خطاب افتتح به قبل يومين منتديات البناء والأشغال العامة “أنه كلف مندوبية “تآزر” (هيئة حكومية مختصة في مكافحة الفقر) بتوفير السلع بالكميات المطلوبة في جميع محلات البيع المدعومة، كما ألزم الحكومة بالمحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين الأكثر فقراً بصرف النظر عن تكلفة ذلك”.
وقررت اللجنة الوزارية المكلفة بضبط ومتابعة أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية التي شكلتها الحكومة مؤخراً، تفعيل لجنة متابعة الأسواق ومدها بالوسائل العملية الكفيلة بتمكينها من القيام بالمهمة المسندة إليها على أكمل وجه؛ كما قررت استكمال كل المتطلبات الإجرائية والقانونية الضرورية للبدء في التنفيذ الفوري والصارم للتدابير المتخذة، بما في ذلك تنزيل التخفيضات في الأسعار على المستوى الجهوي حرصاً على عدم تجاوز الهوامش المترتبة على نقل المواد من العاصمة، وضمان التزويد الدائم لحوانيت “تآزر” بالمواد الاستهلاكية الأساسية، وزيادة كميات الحصص الحالية الموجهة لهذه الحوانيت بالنصف، إضافة للتنفيذ الفوري للاتفاق المبرم مع الجزارين القاضي بتخفيض أسعار اللحوم الحمراء.
وقررت اللجنة كذلك رفع كميات الأسماك الموزعة شهرياً بسعر خمس أواق جديدة لتصل 1000 طن، وإضافة 500 طن من النوعيات الأجود المستعملة على نطاق واسع في الوجبات الرئيسية وبيعها بـ 70 أوقية جديدة”.
وندد حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (معارض ومحسوب على الإخوان) في بيان خصصه لقضية الأسعار، بما سماه “الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الاستهلاكية الذي أدى لأزمة خانقة يكتوي بنارها المواطنون من مختلف الطبقات في ظل تدني الأجور والانتشار الواسع للبطالة وارتفاع نسبة الفقر”.
“ومن مميزات هذه الأزمة المتفاقمة، يضيف الحزب، أن ارتفاع الأسعار شمل جميع المواد دون استثناء، وأن نسبة الارتفاع قاربت 100% في حالات كثيرة واقتربت منها في أغلب الحالات”، مضيفاً “أنه من الملاحظ غياب أي جهد فعال للحكومة للتصدي لهذه الأزمة وللتخفيف من معاناة المواطنين”، حسب تعبير الحزب.
“إننا في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، يضيف البيان، وقوفاً مع المواطن وذودًا عن مصالحه، نعلن شجبنا واستنكارنا للفشل الحكومي في التصدي لارتفاع الأسعار الذي لم يعد يطاق، ودعمنا التام للأصوات المطالبة بالتدخل لحل أزمة الارتفاع الجنوني للأسعار، ودعوتنا كل القوى السياسية إلى التنسيق لدعم مطالب المواطنين المشروعة بخفضها”.
وأكد الحزب رفضه لما سماه “الدعايات التبريرية التي تحاول إقناع المواطن بأن ما يعيشه من ارتفاع صارخ للأسعار ناتج عن أسباب خارجية، باعتبار أن دور الحكومة هو التدخل لفرض التوازن بين القدرة الشرائية للمواطن وأسعار عرض المواد الاستهلاكية، خاصة الأساسية منها”.
هذا وأكد خبراء في ندوة نظمها منتدى المستهلك الموريتاني “أن أسباب ارتفاع الأسعار في الأسواق الموريتانية كثيرة، ومنها خفض الدولار وإصدار مزيد من الأوراق النقدية له، الشيء الذي جعله يهوي بسبب عرضه الزائد، وكذا ضعف الإنتاج الصناعي الذي سببته جائحة كوفيد19 مما تسبب في تناقص في سلاسل الإنتاج وغلاء المحروقات عالمياً وتراجع الدولة عن إلغاء الجمركة الذي قررته العام 2020”.
وضمن النقاش المشتعل حول قضية الأسعار، أكد الإعلامي البارز الحسين محنض “أن أهل الكفاءة من الاقتصاديين يعرفون أن الأسعار لا تنخفض بقرار إداري أو حكومي لأنك إذا فرضت على التاجر تسعيرة لا يربح معها فسيغير نشاطه وتختفي المادة ويرتفع سعرها بدلاً من أن ينخفض”، مضيفاً “أن الأسعار لا تنخفض بمجرد التفاهمات مع التجار لأن مبرر وجود التاجر هو الربح ولا يقبل التنازل عنه إلا بربح آخر”.
وقال: “انخفاض الأسعار يتم باتباع طرق معروفة، مثل معاقبة الاحتكار وتشجيع الليبرالية الشفافة وفرض قواعد المنافسة والعمل على تنويع مصادر البضائع، وحفز زيادة العرض مقابل الطلب عن طريق تشجيع موردين جدد على استيراد نفس المواد أو تكليف شركة باستيرادها، وتقوية القدرة الشرائية للمواطن عن طريق تخفيض أسعار المحروقات، إذ لا مجال لخفض الأسعار دون خفض أسعار المحروقات، فالنقل هو عصب الاقتصاد”.
وأضاف: “من آليات محاربة ارتفاع الأسعار كذلك تقوية العملة الوطنية “الأوقية” مقابل العملات والسلع والخدمات الأخرى، ويمكن أن يتم ذلك الآن ببساطة عن طريق الترخيص ببيع الذهب المستخرج من التنقيب التقليدي دون المرور بالبنك المركزي الذي ينبغي أن يكون مجرد زبون كالآخرين، مع تعليق أو خفض الضرائب الجمركية على المواد الأساسية خاصة مواد الزيوت والألبان والأرز والدجاج والسكر”.
نواكشوط – «القدس العربي»