بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية الحالية للبرلمان المغربي، وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس، اليوم الجمعة، خطابا إلى أعضاء البرلمان، وذلك بعد يوم واحد عن التعيين الرسمي للحكومة الجديدة بقيادة حزب التجمع الوطني للاحرار حيث شرع اليوم الوزراء في عملية تبادل السلطة.
وهنأ العاهل المغربي، اثناء ترأسه الورة التشريعية، اعضاء الغرفتين والحكومة الجديدة، مشيدا “بالتنظيم الجيد ، والأجواء الإيجابية ، التي مرت فيها الانتخابات الأخيرة”، وبالمشاركة الواسعة التي عرفتها، خاصة في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
الملك محمد السادس الذي نقلت شاشات كبيرة خطابه مباشرة من القصر الملكي الى اعضاء البرلمان في اطار التقيد بتدابير الطوارئ، اعتبر ان الانتخابات الاخيرة قد كرست “انتصار الخيار الديمقراطي المغربي ، والتداول الطبيعي على تدبير الشأن العام” . وشدد على ان “الأهم ليس فوز هذا الحزب أو ذاك، لأن جميع الأحزاب سواسية لدينا”.
واضاف العاهل المغربي ان بداية هذه الولاية ، في الوقت الذي يدشن فيه المغرب مرحلة جديدة ، تقتضي تضافر الجهود ، حول الأولويات الاستراتيجية ، لمواصلة مسيرة التنمية ، ومواجهة التحديات الخارجية .
وشدد على ثلاثة أبعاد رئيسية في مقدمتها تعزيز مكانة المغرب ، والدفاع عن مصالحه العليا ، لاسيما في ظرفية مشحونة بالعديد من التحديات والمخاطر والتهديدات.
وبخصوص الأزمة الوبائية قال الملك انها قد ابانت عن عودة قضايا السيادة للواجهة ، والتسابق من أجل تحصينها ، في مختلف أبعادها ، الصحية والطاقية ، والصناعية والغذائية ، وغيرها ، مع ما يواكب ذلك من تعصب من طرف البعض .
ولفت الى ان المغرب تمكن من تدبير حاجياته، وتزويد الأسواق بالمواد الأساسية، بكميات كافية ، وبطريقة عادية ، نبه في هذا الباب على ان العديد من الدول سجلت اختلالات كبيرة ، في توفير هذه المواد وتوزيعها .
وشدد في ذات السياق على ضرورة إحداث منظومة وطنية متكاملة ، تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية ، لاسيما الغذائية والصحية والطاقية ، والعمل على التحيين (التحديث) المستمر للحاجيات الوطنية ، بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد .
وبالنسبة لما قال انه البعد الثاني ، والمتعلق بتدبير الأزمة الوبائية ، ومواصلة إنعاش الاقتصاد ،اشار الملك الى ان المملكة قد حققت الكثير من المكاسب، في حماية صحة المواطنين، وتقديم الدعم للقطاعات والفئات المتضررة، مؤكدا على ان الدولة قامت بواجبها، في توفير اللقاح بالمجان، الذي كلفها المليارات، وكل الحاجيات الضرورية، للتخفيف على المواطن من صعوبة هذه المرحلة.
وقال مستدركا أن الدولة لن تتحمل المسؤولية مكان المواطنين، في حماية أنفسهم وأسرهم، بالتلقيح واستعمال وسائل الوقاية، واحترام التدابير التي اتخذتها السلطات العمومية.
ولفت الى ان الاقتصاد الوطني يعرف انتعاشا ملموسا، رغم الآثار غير المسبوقة لهذه الأزمة، وتراجع الاقتصاد العالمي عموما، حيث كشف انه بفضل التدابير التي أطلقها، من المنتظر أن يحقق المغرب، نسبة نمو تفوق 5.5 في المئة سنة 2021. وهي نسبة لم تتحقق منذ سنوات، وتعد من بين الأعلى، على الصعيدين الجهوي والقاري.
وقال العاهل المغربي ان من المتوقع أن يسجل القطاع الفلاحي، خلال هذه السنة، نموا متميزا يفوق 17 في المئة، بفضل المجهودات المبذولة لعصرنة القطاع، والنتائج الجيدة للموسم الفلاحي.
وسجل تحقيق الصادرات الوطنية ارتفاعا ملحوظا، في عدد من القطاعات، كصناعة السيارات، والنسيج، والصناعات الإلكترونية والكهربائية.
هذا وقال انه رغم تداعيات هذه الأزمة، تتواصل الثقة في البلاد وفي دينامية اقتصادها “كما يدل على ذلك ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما يقارب 16 في المئة؛ وزيادة تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، بحوالي 46 في المئة، إلى غاية شهر اب اغسطس الماضي”.
وقد ساهمت هذه التطورات، في تمكين المغرب من التوفر على احتياطات مريحة، من العملة الصعبة، تمثل سبعة أشهر من الواردات ،يضيف الخطاب، موضحا انه رغم الصعوبات والتقلبات، التي تعرفها الأسواق العالمية، فقد تم التحكم في نسبة التضخم، في حدود 1 في المئة، بعيدا عن النسب المرتفعة لعدد من اقتصادات المنطقة.
ونوه الى ان هذه المؤشرات المسجلة تبعث، على التفاؤل والأمل، وعلى تعزيز الثقة، عند المواطنين والأسر، وتقوية روح المبادرة لدى الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين. وان الدولة من جهتها، ستواصل هذا المجهود الوطني، لا سيما من خلال الاستثمار الحكومي، ودعم وتحفيز المقاولات.
ونبه الى ضرورة اتخاذ الواقعية في هذا السياق الإيجابي، داعيا الى مواصلة العمل، بكل مسؤولية، وبروح الوطنية العالية، بعيدا عن التشاؤم، وبعض الخطابات السلبية.
أما البعد الثالث، فيتعلق بالتنزيل الفعلي للنموذج التنموي، وإطلاق مجموعة متكاملة، من المشاريع والإصلاحات من الجيل الجديد. وشدد على انه يتطلع أن تشكل هذه الولاية التشريعية، منطلقا لهذا المسار الإرادي والطموح، الذي يجسد الذكاء الجماعي للمغاربة.
واكد على ضرورة التذكير، بأن النموذج التنموي (تصور صاغته لجنة عليا مكلفة من الملك) ليس مخططا للتنمية، بمفهومه التقليدي الجامد، وإنما هو إطار عام، مفتوح للعمل، يضع ضوابط جديدة، ويفتح آفاقا واسعة أمام الجميع. وانه يشكل “الميثاق الوطني من أجل التنمية”، آلية هامة لتنزيل هذا النموذج؛ باعتباره التزاما وطنيا أمامنا، وأمام المغاربة.
وفي هذا الموضوع قال العاهل المغربي إن النموذج التنموي يفتح آفاقا واسعة، أمام عمل الحكومة والبرلمان، بكل مكوناته. وحمل الحكومة الجديدة مسؤولية وضع الأولويات والمشاريع، خلال ولايتها، وتعبئة الوسائل الضرورية لتمويلها، في إطار تنزيل هذا النموذج. وفي مقدمتها تعميم الحماية الاجتماعية، التي تحظى برعايتنا لافتا الى ان التحدي الرئيسي، في هذا الاطار يبقى هو القيام بتأهيل حقيقي للمنظومة الصحية، طبقا لأفضل المعايير، وفي تكامل بين القطاعين العام والخاص. ودعا الى تطبيق نفس المنطق، في تنفيذ إصلاح المؤسسات والشركات الحكومية، والإصلاح الضريبي، وتعزيزه في أسرع وقت، بميثاق جديد ومحفز للاستثمار.
واضاف انه بموازاة ذلك، يجب الحرص على المزيد من التناسق والتكامل والانسجام، بين السياسات العمومية، ومتابعة تنفيذها.
ودعا لهذا الغرض، لإجراء إصلاح عميق للمندوبية السامية للتخطيط، لجعلها آلية للمساعدة على التنسيق الاستراتيجي لسياسات التنمية، ومواكبة تنفيذ النموذج التنموي، وذلك باعتماد معايير مضبوطة، ووسائل حديثة للتتبع والتقويم.
واعتبر الخطاب إن بداية هذه الولاية التشريعية، تأتي في مرحلة واعدة، بالنسبة لتقدم البلاد. حكومة وبرلمانا، أغلبية ومعارضة، مسؤولون مع جميع المؤسسات والقوى الوطنية، على نجاح هذه المرحلة، من خلال التحلي بروح المبادرة، والالتزام المسؤول. ودعا في هذا السياق الجميع الى ان يكونوا في مستوى هذه المسؤولية الوطنية الجسيمة، لأن تمثيل المواطنين، وتدبير الشأن العام، المحلي والجهوي والوطني، هو أمانة في أعناقنا جميعا.