لم يكد البرلمان الموريتاني يجيز “قانون حماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن”، حتى اندلعت حرب بيانات ساخنة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة.
ومع أن نفاذ القانون مرتبط بإصداره موقعاً من طرف رئيس الجمهورية، فقد أخافت إجازته المدونين الموريتانيين الذين غيروا نمط تدويناتهم ونقلوا انتقاداتهم على مواقع التواصل من أسلوبها المباشر لأساليب الكناية والاستعارة والبناء للمجهول. وقابل حزب تكتل القوى الديمقراطية، أحد أكبر أحزاب المعارضة وأكثرها مهادنة لنظام الرئيس الغزواني، إجازة قانون الرموز بالتنديد والإدانة.
وأكد في بيان، رد عليه الحزب الحاكم بقوة، أنه يندد “باعتماد قانون الرموز، في الوقت الذي ينتظر فيه البلد انطلاق حوار وطني شامل، من المرتقب أن يتطرق لموضوع ترسيخ دولة القانون”.
وأضاف: “إننا ننبّه الحكومة على أنّ الأسلوب الأحادي، بواسطة أغلبية أتوماتيكية في البرلمان، خاصة فيما يتعلق بمواضيع حسّاسة، يتنافى مع روح الانفتاح والتشاور التي تنشدها السلطة التنفيذية منذ قدومها؛ ونحن نعبّر عن خشيتنا من عودة الممارسات الاستبدادية التي عرفها البلد في الماضي، وندعو كافة القوى الوطنية إلى رصّ الصفوف للدفاع عن دولة القانون”.
وتابع حزب التكتل الذي يقوده أحمد ولد داداه: “أصّرت الحكومة على تمرير «قانون حماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن»، أمام البرلمان، ضاربة بعرض الحائط ما نجم عن تقديم هذا النص من استقطاب سياسي حاد، ورفض مجتمعي واسع، نظراً لما يشكله من خطر على الحريات العامة والخاصة، وما يمثله من انتهاك للدستور والمواثيق الدولية التي وقعت عليها بلادنا، وبالنظر لما يمثله هذا النص من تقويض للمكتسبات الوطنية في هذا المجال”.
وبادر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، للرد على بيان حزب التكتل المعارض قائلاً: “تابعنا باهتمام بالغ البيان الذي أصدره حزب تكتل القوى الديمقراطية، بعد تمرير قانون “حماية الرموز الوطنية وتحريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن”، ولأننا على يقين من أن هذا الحزب العريق لا يسعى إلى التعريض بالرموز الوطنية، ولا يرغب في المساس بهيبة الدولة، ويحرص على صون وعرض وكرامة المواطن، أردنا أن نعبر عن استغرابنا للتخوف من تمرير قانون من هذا النوع، يسد فراغاً تشريعياً كان حاصلاً في المنظومة الجنائية، ويحافظ على حماية الثوابت والرموز الوطنية، ويحفظ للمواطن كرامته من أن تداس كلما أراد أحد التعريض بشرفه المصان شرعاً وقانوناً وعرفاً”.
“إننا هنا، إذ نهنئ الشعب الموريتاني على اعتماد هذا القانون لما يشكله من صون لكرامة الجميع، يضيف حزب الاتحاد، لنؤكد أن هذا القانون يمثل روح وفلسفة تحكُّم الأخلاق في المعاملات بين الأفراد والجماعات، بوضعه لضوابط تمنع التسلط على الرموز والأعراض؛ وأن المصادقة على هذا القانون ستسهم إلى حد كبير في الحد من المزايدات والتنابز والشتائم بين الفرقاء، وهو ما يسمح بتدعيم أرضية الثقة بين كل الأطراف، ويعزز من تماسكنا الاجتماعي ووحدتنا الوطنية”. وانتقد حزب التجمع الوطني للإصلاح (الإسلاميون) ما سماه “تمرير مشروع القانون الغريب”، مضيفاً “أنه يأتي في ظل مضايقات متتالية على حرية التعبير، وتوقيف للعديد من الأشخاص بسبب تدوينات أو تسجيلات أو احتجاجات هنا أو هناك عبروا فيها عن استيائهم من أداء الحكومة، أو نقدهم لأداء موظف ما، ليجدوا أنفسهم خلف القضبان”.
وأضاف: “إننا نستغرب الإصرار على تمرير مثل هذا القانون بين يدي حوار تتفق جميع الأطراف على أنه ينبغي أن يناقش كل القضايا الأساسية ومن بينها الحريات، ونحن نعتبر أن في القوانين الحالية ما يكفي لصيانة الأعراض والخصوصيات والبلد أحوج إلى ما يعزز الحريات العامة”.
وطالب الحزب “كل القوى الحية، وكل أنصار الحقوق والحريات باليقظة والوقوف ضد كل محاولات التكميم وتقييد الحريات، سواء عبر محاولات تقنينها أو حتى ممارستها دون قانون”، مشدداً التأكيد على “أن الشعب الموريتاني الذي ناضل لعقود من أجل انتزاع حقوقه وحرياته العامة لن يقبل التنازل عنها أبداً”.
وتنص المادة الثانية من قانون حماية الرموز على أنه “يعد مساساً بهيبة الدولة ورموزها، من يقوم عن قصد عن طريق استخدام تقنيات الإعلام الرقمي أو ومنصات التواصل الاجتماعي بالمساس بثوابت ومقدسات الدين الإسلامي أو الوحدة الوطنية والحوزة الترابية أو بسب أو إهانة شخص رئيس الجمهورية أو العلم أو النشيد الوطني”. وتخول المادة السابعة من القانون الجديد “النيابة العامة ممارسة الدعوى العمومية لتطبيق العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون بشكل تلقائي، كما يمكنها ممارسة الدعوى بناء على شكوى”.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»