في يوم 7 مارس 1820، شهدت قرية اندير، بمملكة الوالو، في الشمال السينغالي، حدثا تاريخيا غير مسبوق في مجال رفض الاستعمار. لقد قررت الملكة فاطمَه يَمَرْ امبودج أن تجمع الحطب والحشيش داخل أكواخ كبيرة وتوقد النار فيه، ثم ترتمي فيها مع باقي نبيلات القرية، في عملية انتحارية لم يسبق لها مثيل. لقد فضلت الملكة وحاشيتها الموت حرقا تحت لهب النار على الخضوع للمستعمر بعد تمكنه من دحر جنود الوالو. إلا أن بعض رجال القرية، وخوفا من أن تبقى المملكة دون وريث، انتزعوا من ألسنة النار اثنتين من بنات الملكة هما: اجّمبتْ امبودج وانضاتَه يالّا امبودج.
بعد موت والدتها، في مشهد مفزع الرهيب، كان على الملكة الشابة اجّمبت أن تفكر في عقد تحالف قوي مع إمارة الترارزه بغية الوقوف أمام أطماع المستعمر. وفي هذا الإطار تزوجت بالأمير محمد لحبيب يوم 18 يونيو 1833 خلال حفل بهيج أقيم في مدينة دكانه على ضفة النهر. ما أغضب الإدارة الفرنسية التي تخوفت من أن يتمخض عن هذا الزواج وجود وريث يكون من حقه أن يجمع السلطة على الصفتين: في الوالو وفي الترارزه. وبالفعل أسفر زواج الملكة اجّمبت امبودج بالأمير محمد لحبيب عن ميلاد ولدهما الوحيد: اعلي الذي حكم ما بين 1873 و1886، والذي سيُعرف بـ"اعلي اجمبت" تمييزا له عن إخوته: "سيدي امبيريكه" و"أولاد فاطمه".
ردا على هذا الزواج السياسي، قام المستعمر بهجمات فظيعة أحرق خلالها الكثير من قرى الوالو فلجأت الملكة اجمبت إلى قريبها اميسا تيندا فال (ملك كايور) تحت حماية ألوية من فرسان الوالو والترارزه.
نظر أبناء الضفتين، في الوالو وفي الترارزه، إلى الأمير اعلي على أنه القادر وحده، بحكم إرثه السلطوي الثنائي، على توحيد الضفتين تحت راية واحدة.
ورغم أن الأمير اعلي تزوج شمال النهر، وكان له أبناء بخؤولات من البيظان، إلا أنه لم ينس أهمية التشابك الاجتماعي مع أخواله في الجنوب، فتزوج بإحدى النبيلات الأندريات تدعى ياسين غَيْ، عمة النائب البرلماني الشهير انكالاندو جوف، وأنجب منها طفلة سماها كمبه، ستكون، في ما بعد، زوجة للعالم الشيخ اتيورو امبكه (الأخ الأصغر للشيخ أحمدو بمبه مؤسس الطريقة الصوفية المريدية). وهكذا ازداد حجم العلاقات الثنائية وترسخت أكثر بفعل المصاهرات الهادفة إلى تمتين عرى الصلة والتعاطي.
كانت علاقات إمارة الترارزه بالوالو استثنائية حقا، ففي عهد الأمير اعلي اجّمبت، قرر تقسيم مساحات كبيرة من أراضي شمامه، بالضفة اليمنى، على سكان الوالو، كما شجعهم على استيطان قرى كَنّار هربا من بطش المستعمر. وبذلك ترك أثرا إيجابيا في أنفس السكان ظلوا يُكْبرونه في سمرياتهم إلى أيامنا هذه.
ورث إبن اجمبت امبودج، كما ورث أحفادها وأبناء أخواتها مناهضة المستعمر من جدتهم الملكة المنتحرة فاطمه يَمَرْ امبودج، فكانت المقاومة بالنسبة لهم نمط حياة وأسلوب بقاء ودرب شرف، لذلك قام حفيد الملكة اجّمبت، محمد بوراص بن اعلي ولد محمد لحبيب، بقتل قائد دائرة دكانه الإداري الفرنسي الويس فينسان يوم 23 فبراير 1894 مدشنا بذلك إحدى أقدم عمليات المقاومة، كما أن الأرشيف الفرنسي لا يخلو من كلام للإداريين الفرنسيين حول احترام الأمير اعلي اجمبت للمعاهدات الموقعة مع فرنسا، "مع أنه لم يزل يحمل معه نواياه الرامية إلى استرداد الوالو"، أو، على الأقل، دعم أحد أبناء خالته انضاته يالّا امبودج (التي حكمت بعد وفاة اجمبت سنة 1846) كي يُخرج البلاد من قبضة الفرنسيين. في هذا الإطار قدم الأمير اعلي كل الدعم لابن خالته سيديّا جوب خلال مناوشاته مع الإدارة الاستعمارية. يجدر الذكر أن سيديا جوب كان مثقفا لأنه تخرج من المدارس الفرنسية، لكنه ظل في قرارة نفسه يكره الاستعمار. وهو مقاوم من طينة كبار المقاومين الأفارقة أمثال لاتْ جور جوب، والحاج عمر تال، وساموري توري، وألبوري انجاي. كانت أمه آخر ملكة عظيمة في الوالو. وكانت إحدى بطلات المقاومة في غرب إفريقيا عموما. بعد عملية الانتحار الجماعي العجيب، وبعد وفات أختها الملكة اجمبت، هاجمت الملكة انضاته سان الويس عدة مرات وهددت الوالي الفرنسي في عقر داره. وفي سنة 1850، منعت أي نوع من المتاجرة مع الفرنسيين عبر أراضي الوالو. وفي شهر فبراير 1855، أطلق الوالي افيديرب حربه الشرسة ضد الوالو. وأثناء تلك الحرب، غير النظيفة، توفيت الملكة انضاته سنة 1860 في دكانه. وبوفاتها بدأت فرنسا تبسط سيطرتها الحقيقية على السينغال. اعتقد الوالي فيديرب أنه يستطيع تدجين إبنها سيديا جوب فأدخله المدارس الفرنسية، ليصبح ضابطا في سرايا جيش المستعمر، لكنه ظل يخفي بغض الاستعمار ويسعى لطرده. تفطن الفرنسيون لميوله التحرري ومعارضته للاحتلال فأبعدوه عن ولاية العهد ونصبوا مكانه، خلفا للملكة انضاته، العميل فارا بيندا جاو. تمرد سيديا جوب على الفرنسين وقاد مقاومة قوية وجدت الدعم السخي من ابن خالته أمير الترارزه اعلي اجمبت ولد محمد لحبيب. بل إن الأمير اعلي منحه اللجوء السياسي في الترارزه. ما دفع فرنسا إلى قيادة حملة عسكرية شرسة جنوب وشمال النهر بدأت يوم 20 نوفمبر 1875 فبثت الرعب على مدى شهر كامل على الضفتين اليسرى واليمنى. وقد عبث الجنود والمجندون الفرنسيون بكل شيء في طريقهم، فأحرقوا الأكواخ والخيام، وقتلوا الرجال، وأهانوا النساء. ثم انتهت الحملة باعتقال وريث مملكة الوالو المتمرد سيديا جوب، فحوكم في سان الويس، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد في غابات الغابون. إلا أنه، وهو الوارث أسلوب الانتحار تحاشيا لإهانة المستعمر، انتحر يوم 26 يونيو 1878 في زهرة العمر إذ يكاد لا يلغ الثلاثين سنة.
هكذا إذن يكون من حق التاريخ علينا، ومن حق المقاومة علينا، في منطقة كانت تعتبر السرة الواصلة بين منطقتين توحدتا في المعاناة، حرقا وقتلا وتشريدًا، من أجل الاستقلال، أن نمنح هذا الجسر الرابط بينهما اسمَ الشخصيتين اللتين ترمزان أكثر لإرثهما المشترك، وتعبران بصدقٍ عن أواصر الإخاء بينهما، ومن خلالهما بين الشعبين الموريتاني والسينغالي.