أطلق رئيسا السنغال وموريتانيا منذ أيام أحد أكبر مشاريع التكامل والتبادل البيني الإفريقي. وهو الفقرة قبل الأخيرة من طريق القاهرة-داكار، إذا اكتمل طريق تيندوف -الزويرات، أو تم حل المعضلة الصحراوية بشكل نهائي.
دار الحفل المهيب في الضفة اليمنى؛ واستعرض فيه المحتفلون من أجهزة الحزب الحاكم (الاتحاد من أجل الجمهورية) من مختلف مقاطعات ولاية الترارزه إمكانيات تنظيمهم وصور ولائهم لمحمد ولد الشيخ الغزواني.
شارك في الحفل ممثلون عن الممولين؛ وكان المجتمع المدني السنغالي حاضرا بشكل آمل وخجول.
صديقي رجل أعمال موريتاني خسر قبل أيام ستة أيام من العمل بسبب ضعف حركة العبارة بين ضفتي نهر السنغال؛ وتعقد الإجراءات الإدارية عليهما؛ مماجعل شاحناته العشرة التي كان يجب أن تنقل معدات ثقيلة لمتعاقدين أجانب مع شركته في السنغال في يوم واحد تقبع كرها في الضفة اليمنى ويخسر رجل الأعمال الملايين في صمت.
مما جعل الجسر-الحلم الذي فكر فيه المختار رحمه الله وسينغور ألحقه الله بأكابر قومه؛ يشكل بارقة أمل عظيمة لشعبي البلدين الجارين.
وجعل الجسر أكبر من مجرد فرصة لنفض غبار الصيف وإظهار ولاء شتائي ضيق أبداه وأضمره معظم المستعرضين.
هذه المنشأة تعبير صادق عن تعلق شعوب الضفتين بانسيابية المصالح المرسلة بينهما. ستجعل خضروات كازامانس تصل انواكشوط في يوم واحد؛ وستمكن سمك انواذيبو من الولوج لفوتا العليا طريا.
وستظهر أننا والسنغال جسد واحد؛ رغم التباينات التشكيلية ووحدة الجوهر والمصير. لابد لنا من السنغاليين ولابد لهم منا.
وحدهم السياسيون الذين دعوا ملكة موسيقى امبالاخ الحضرية (فيفيان شيديد) حيث الطبل والوتر والنغم في عناق بديع، جنبا إلى جنب مع حفيدة المخلد حمه ولد نفرو؛ من فهموا البعد الجيواجتماعي والجيو اقتصادي للجسر في نظري.
فيفيان فيليب شيديد هي لأم ذات أصول موريتانية ومالية تدعى آمنة فال وأب لبناني؛ جمعت بين بلاد الشام وبلاد شنقيط وأرض مالي فاستقر سحر هذا الخليط في موطن السحر والجمال والتعايش شاطئ امبور.
دُعيت إلى يوم الجسر الإفريقي بجدارة فاستجابت وغنت لعشرين دقيقة ثم تلتها فنانة شابة من أعرق بيوت الأحلام الصائتة والذائقة الفنية الشفاهية في المجتمع الحسانوفوني لستين دقيقة.
دفع الداعون مبلغين متساويين للفرقتين من مالهم الخاص؛ ليزيدوا بهما زخم عرس إفريقي خالد عبر الزمن؛ وليعبروا عن فهمهم للجسر وقيمة الجسر وأبعاد الجسر؛ فصرف النظر عن أحد المبلغين دون الآخر.
انهالت الانتقادات على الدنانير وزي فيفيان وكلمات بعض أغاني فيفيان حين أرادت التلبس بألوان الهيب هوب والراب؛ مغفلة النظر أن أوتار فيفيان الصوتية وقبولها وجوائزها الفنية الرفيعة وتعالقاتها مع النسيج الاجتماعي والقومي الموريتاني وعالميتها؛ تجعل منها جسرا بشريا بيننا وبين السنغال قبل الجسر الخرساني؛ ولم تسلط تلك الانتقادات زاوية نظرها على الجواهر ولا المضامين.
ووحدهم من استحضروا ذكرى ملكة والو والو العظيمة جمبتْ امبودج من فهموا أن ابنها الأمير اعل ولد محمد لحبيب لم يكن طفرة جينية في تعالقات الضفتين اليمنى واليسرى لنهر ابجهْ الأعظم.
الرئيس ولد الغزواني لم يحصل تمويل الجسر في عهده لكن المناقصة جرت في عهده؛ والجسر ممتد في أحلام ساكنة الوادي وموردي شمال وغرب إفريقيا قبل ميلاد حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ومطبلاتية العصبيات المستجدة.
كان على المنظمين لهذا الحفل استدعاء مناديب عن موردي ومستوردي مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب ودول غرب إفريقيا لأنه فقرة ظلت مستأصلة من العمود المكون من 500 مليون إنسان نصفهم من العرب الأفارقة والنصف الآخر من الأفارقة الغربيين؛ مستأصلة من محور شمال وغرب القارة الفتية.
لدينا في موريتانيا هوس مستجد بالحديث عن الأرقام المالية والخلط بين الأرقام والمجالات؛ مرده خصاصة فكرية وحرباوية في اجتراح القضية.
لم نعد مقسطين في النظر لرجل الدولة ولا لامرأة الدولة؛ نتنمر على أي وزير لمجرد أنه استقبل ضيفا وأكرم وفادته في مناسبة وطنية؛ نستحضر ماضيه المهني في بواكير شبابه لمجرد أننا لانحبه؛ ونتقول عليه بالتشفي في مهن بعينها لم يشغلها هو؛ حيث نطلق كاتبا في مؤسسة على من كان مدير أعمال لقائدها على سبيل المثال لا الحصر.
لم نعد كما كنا؛ فمتى كانت المبالغة في حسن الضيافة سفها ؟ ومتى كان المسؤول حين يتصرف كمواطن ومن ماله الخاص مذنبا في حق مواطن آخر؟ ثم كيف نصرف النظر عن أنشطة مرافقة لمناسبة ونركز على أخرى اقل بذخا وأقوى فحوى؟
لم نعد كما كنا فمتى كان التندر والتفكه والتنكيت قضية ورأيا؟