نود أن نُخبرك بداية أن هذا التقرير لم يكتبه كريستيانو رونالدو، نظرا لأنه أظهر براعته في الكتابة مؤخرا من خلال قصة قصيرة ينشرها بعد كل مباراة. نعم، الأمر يدور حول الكرة الذهبية، وهو سبب أكثر وجاهة لأن تشك للحظة أن التقرير من كتابة صاروخ ماديرا، بالطبع لأنك تعلم منذ سنوات أنه ليس مهووسا بها. (1)
هذه الكلمات أيضا لم يكتبها سيرخيو راموس، على الرغم من أن لديه رأيا في القصة طبعا. يمكنه أن يُخبرك أن هناك رجلا يرتدي قميصه نفسه هو مَن يستحق الكرة الذهبية؛ هل هو ميسي؟ أم مبابي؟ انظر إلى الفريق الذي يُمثِّله قائد المنتخب الإسباني وستعرف الإجابة بكل سهولة. (2)
فوضى
نعلم أنك قد تشعر بالسخف خلال قراءتك الأسطر السابقة لأنها تتضمن معلومات بديهية. ولكن في هذا الزمن أصبحنا مطالبين بإعادة شرح البديهيات، وذلك لأن حالة الجنون قد تجاوزت الحد المسموح به هذا العام. هل تتذكر تلك النكتة السخيفة التي اعتدنا أن نسمعها في طفولتنا عن الشخص الذي ذهب للبقال ليسأله هل لديك جبن، فيقول له لا بينما هو يمتلك في الداخل؟ تخيل أن مزحة غير قادرة على جعلك تبتسم حتى باتت قانونا يحكم كرة القدم.
نعم، قانون يحكمها، ونحن لا نبالغ على أية حال، الجميع بات يمتلك قدرا لا يُحتمل من التبجح، فهناك رجل يؤكد لنا دائما أنه ليس مهووسا بالكرة الذهبية، وكلما خسرها بات يقوم بتصرفاُّت أقل ما يصفها هو الهوس، وصحفيون يُصوِّتون على الجائزة ثم يسألون المدربين عن سر ترتيب المراكز الذي يرونه ظالما، نعم أنا بصفتي صحفيا "أدعو على ابني، وأكره مَن يقول آمين".
يورغن كلوب في مؤتمره الصحفي الأول بعد إعلان الفائز بالكرة الذهبية هذا العام واجه سؤالا عن مدى الظلم في ترتيب صلاح، حيث يحل سابعا رغم أنه يستحق مركزا أفضل، فلم يقل للصحفي سوى البديهيات التي اضطر -مثلنا- لإعادتها على مسامعه؛ فقال له إذا كنت ترى الترتيب ظالما فأخبر زملاءك الذين يُصوِّتون بهذا العبث، فربما يكون هذا هو الحل، "ربما" فقط، أليس كذلك؟ (3)
بالنسبة للمعايير.. لا يوجد معايير
لم ننتهِ بعد، وهل ينفد عطاء فقرة البديهيات؟! وددنا أن نخبرك فقط أن هذه الجائزة بلا معايير واضحة، وبلا معايير أصلا، وهو أمر يمكن استنتاجه من آلية منحها، حيث تُمنح من خلال التصويت. لا يوجد طريقة معينة مثلا لحساب النقاط بناء على كل ما يقوم به اللاعب، فتخرج النتيجة إلكترونيا في النهاية من خلال نظام تكنولوجي، الأمور محسومة بأهواء البشر، فهل تثق في قدرتها على إنتاج المعايير؟ (4)
العاطفة هي المعيار الوحيد لأهواء البشر، ومن السهل أن ينجح أيٌّ منا في إنتاج قصة تتناسب معها حتى يبدو الأمر منطقيا، فيما يمكن تسميته بمَنْطَقة العاطفة (Rationalising Emotions)؛ حيث إن مَن يُصوِّت لهذا اللاعب أو ذاك ربما يمنحه صوته لأنه صديقه أو ابن بلدته، أو ربما لأنه استيقظ صباحا فوجد اسمه أسهل نطقا وكتابة، ولكن هذه الأسباب لا تبدو مقنعة تماما في حال سُئل أحد المصوتين عن الأسباب التي دفعته لتفضيل هذا اللاعب بعينه.
ما الذي يحدث بناء على ذلك؟ يمكنك تأليف قصة تُنصف هذا عن ذاك، حتما ستلقى رواجا بين الجماهير، وبناء عليه يصبح صوتك منطقيا. فمثلا اللاعب الذي منحته صوتك لأنه ابن خالتك لم يكن الأفضل، ولكنه منح تمريرة حاسمة في ليلة ماطرة ساهمت في انتصار ثمين، أو أنه استحق الجائزة عن مجمل أعماله ومسيرته رغم أنه كان سيئا هذا العام، وكأنه بات من حق العظماء أن يعاقبوا البشرية لأنهم كانوا عظماء يوما ما!
في هذه الحالة أنت لا تؤلف القصة لأنك تريد أن تخدعنا، بل لأننا البشر نحب ذلك؛ نحب الحديث حول دور هذا اللاعب في مواجهة الضغط المُتقدِّم أو قدرته على تغطية المساحات في حالة الهجوم العكسي، ونفتتن بتلك الجدارية في روزاريو التي تجمع بين مارادونا حاملا كأس العالم وميسي حاملا كوبا أميركا. يا رجل، الأمر لا يحتاج إلى تفكير حتى. (5)
ماذا تقول الرأسمالية؟
الرأسمالية؟ في الواقع هي لا تقول أي شيء إلا إن ما يجلب أموالا أكثر هو الأهم على الإطلاق، وبالضرورة ما يجلب أموالا أكثر هو ما يجمع حوله أكبر عدد ممكن من البشر، وللاستفادة من هذا الزخم البشري الموجود حول كرة القدم، لا بد أن تصنع لهم عددا أكبر من القصص التي يحبونها، حتى وهم يتأكدون بنسبة 100% أنها غير حقيقية أو مبالغ فيها.
هنا يمكننا القول إن كلنا فاسدون، العبارة التي أطلقها الفنان المصري الراحل أحمد زكي؛ ولم يستثنِ منها أحدا؛ نظرا لأن تلك القصص التي تُحوِّل الكرة الذهبية وجزء كبير من آراء الجماهير حول اللعبة عموما إلى مسرحية متفق على مشهدها النهائي منذ البداية تتم بمباركة الجميع، بالأحرى يصنعها الكل بلا استثناء ثم يشتكون منها لاحقا. (6)
الغرض الأساسي من مشاهدة كرة القدم هو الترفيه، والتنافس يجعل كل شيء أكثر تشويقا؛ الجميع يحب التنافس حتى وإن كان يعلم أنه يحدث وفق سيناريو متفق عليه، تماما كما يحدث في المصارعة الحرة. إذا لم يكن ذلك صحيحا، فلماذا يحب مشاهدو "WWE" تلك السيناريوهات المتفق عليها، حتى وهم يعلمون أنها متفق عليها؟ لا بد من لعبة تتضمَّن فائزا وخاسرا؛ أولهما يكون "حراقا"، وثانيهما "صياحه طرب"؛ معادلة تضمن لك كل تشويق وإثارة الدنيا. (7)
في كرة القدم، هذا المشهد لن يظهر هكذا إلا لو ساهم فيه الجميع، اللاعبون يبدأون الأمر بأنهم ليسوا مهووسين بالجائزة، ثم يملأون الدنيا ضجيجا بعد خسارتها، ثم يساهم الصحفيون في صناعة أسئلة ومقارنات مثيرة للجدل، فيجذبون بها أنظار الجماهير المُتيَّمة بهذا اللاعب وذاك، ليصنعوا قاعدة جماهيرية لكل الآراء الحمقاء التي تُسمى زورا بالمعايير، وبتعدُّد الآراء واحتدام النقاش والاتهامات المتبادلة بـ"الحرقان والصياح" تبدأ حالة الجدل التي تمنح شعبية لكل لقطة في المشهد، فيحصل الصحفيون على مزيد من القراءات، والرعاة واللاعبون وشركات منصات التواصل الاجتماعي على مزيد من الأموال، تلك التي يُعاد توزيعها على كل عناصر المشهد تقريبا، عدا الجماهير التي تشقَّقت حناجرها من كثرة الصياح.
نسخة 2021.. صياحكم جميعا طرب!
في 2021، وجَّهت فرانس فوتبول خطابا للعالم أخبرتهم فيه أنهم ليسوا في حاجة إلى التأكد من تصريحات فرانشيسكو توتي حول بحث الفيفا عن البقرة التي تدر أرباحا أكثر، لم نعد في حاجة إلى الرمزيات، وإلى أن يكشف لنا أحدهم الحقيقة من داخل المطبخ، لأننا أصبحنا كما في "WWE" نعلم السيناريو سابقا، ونتظاهر بأننا تفاجأنا به. (8)
الجماهير التي تُعيد تشكيل المعايير على مقاس لاعبها المفضل، واللاعبون الذين يقومون بذلك ويخبروننا بأنهم ليسوا مهووسين بالجائزة، نظرا لأن علاقتهم بها تخطَّت حاجز الهوس نفسه، الصحفيون الذين يمنحون الأصوات ثم يبدون استغرابهم من نتائجها. في فرانس فوتبول الشعار هو: "صياحكم طرب"، جميعا وبلا استثناء.
أما عن نسخة 2021، فجدارية في روزاريو تحمل صورة ميسي حاملا كوبا أميركا بجوار مارادونا الذي يحمل كأس العالم هي القصة الأكثر درامية، أكثر من مواسم ليو نفسه التي قدَّم فيها أضعاف ما قدَّمه هذا العام ولم يحصد شيئا؛ لأنه لم يمتلك حينها تلك الجدارية، تماما كما كانت قصة لوكا مودريتش من الحياة لاجئا إلى وصافة المونديال. القصة الأجمل تفوز دائما لأنها قادرة على جلب المزيد من الإشادة والسخرية، ومعهما المزيد من الأموال.
_____________________________________________
المصادر:
رونالدو: لست مهووسا بالكرة الذهبية
راموس يرشح ميسي كأفضل لاعب في العالم 2021
يورغن كلوب يسخر من أحد الصحفيين عند سؤاله عن ترتيب صلاح وفقا لفرانس فوتبول
جدارية ميسي ومارادونا تخطف أنظار الصحافة الأرجنتينية
فيلم ضد الحكومة، مشهد مرافعة أحمد زكي في المحكمة
"الفيفا تبحث عن البقرة التي تدر أرباحا أكثر" تصريح منسوب لفرانشيسكو توتي
المصدر : الجزيرة