تواصل أمس في موريتانيا ترحيب بما أعلنه الرئيس الغزواني قبل يومين في خطاب مهرجان المدن التاريخية، من تصميم على إنصاف الشرائح الهشة والمهمشة في المجتمع الموريتاني والتي تضم الصناع التقليديين والمغنين والأرقاء السابقين.
وأعلن الرئيس ضمناً في خطابه انتصاراً رسمياً لشريحة الصناع التقليديين الموريتانيين، منتقداً إقصاءهم ووضعهم في أسفل التراتب الاجتماعي، مع أن الفضل يعود لهم في الصناعة والعمران.
وجاء هذا الانتصار في خضم احتجاجات تقودها منذ أيام النائبة البرلمانية الإسلامية سعدان بنت خيطور المنحدرة من شريحة الصناع، بعد تداول تسجيلات لشيخ موريتاني ينتقص من الصناع.
ودعا ولد الغزواني المواطنين إلى “الوقوف في وجه النفس القبلي”، مشيراً إلى “أنه يشهد تصاعداً هذه الأيام”.
وأضاف الرئيس الموريتاني في خطابه :”مما يحز في نفسي ما تعرضت له هذه الفئات في مجتمعنا تاريخياً من ظلم ونظرة سلبية، مع أنها في ميزان القياس السليم ينبغي أن تكون على رأس الهرم الاجتماعي”.
وقال: “إن الأوان قد آن لتطهير الموروث الثقافي من رواسب الظلم والتخلص النهائي من الأحكام المسبقة والصور النمطية الزائفة التي تصادم قواعد الشرع والقانون”.
وأضاف: “الدولة ستظل حامية للوحدة الوطنية ومساواة المواطنين بقوة القانون أياً تكن التكلفة”، مؤكداً أنها “لن ترتب حقاً أو واجباً على أي انتماء إلا الانتماء الوطني”.
ولفت الرئيس “إلى ضرورة الحرص على المصلحة العامة ومصلحة الأفراد أنفسهم”، معتبراً “أنه لا أقدر على حماية الفرد وصون كرامته وحقوقه من وحدة في كنف دولة القانون”.
وأشاد ولد الغزواني بجهود الفئات الاجتماعية التي أسهمت عبر تاريخ البلاد بفضل القدرات الإبداعية لأبنائها، في مجالات الصناعة التقليدية والتنمية الحيوانية والزراعية والتشييد العمراني وغير ذلك.
وتتالت تعليقات الساسة والمدونين على ما أكده الرئيس، حيث حض الجميع الرئيس الغزواني على تنفيذ ما قاله حتى لا يظل مجرد كلام.
وكتب الداه إسلم، وهو من فئة الصناع: “لقد آن الأوان لإنصاف هذه الفئات من ذلك الظلم الشنيع وضرورة التخلص من تلك الأحكام الزائفة والصور النمطية، التي تحدث شرخاً عميقاً يطول اندماله، وذلك ضرورة تقوية اللحمة الوطنية والوحدة الوطنية، ووقوف الدولة الوطنية إلى جانب حماية حرية وحقوق الأفراد في ظل دولة القانون، وقطع الطريق على كل من يحاول أن يستغل نفوذه أو هيبته في سبيل مخالفة القانون الذي يصون حرية الفرد”. وتحت عنوان “قراءة سوسيولوجية في الانتقال من أرستقراطية الخيمة إلى سلطوية المكتب”، كتب الباحث محمد المختار أحمد فال، معلقاً على قضية الصناع التقليديين المهمشين: “مطلب المدرسة الجمهورية لا يؤكد من منطلقه الداخلي والمؤسسي دائماً أية ضمانات على المساواة في جميع الجوانب، وإنما يؤكد على أنه سيشكل الأساس العملي والتاريخي الذي سيمكن الدولة كمؤسسة من تطبيق كل الرهانات، سواء منها ما هو تنموي أو حقوقي أو حتى ما يتعلق بالتوزيع العادل للثروة”.
وقال: “الهدف الأساسي هو تقليل التفاوت والعمل على أن تتم التهيئة المناسبة للأرضية الاجتماعية من خلال المدرسة الجمهورية التي ستجعل كل الموريتانيين بكل عرقياتهم وشرائحهم وفئاتهم أمام نوعية التعليم نفسها”.
وأضاف الكاتب: “تجب إعادة ضبط الخريطة الاجتماعية وإعادة الموازين وفق تراتبية جديدة تستند إلى فكرة المصالحة والتشاركية عوض الجذرية والتراتبية”.
وتتواصل ثورة “لمعلمين” في موريتانيا منذ عام 2011 بدورات صعود ونزول، عندما لاحظ أبناء هذه الشريحة عدم وجود أي واحد منهم بين الرموز الوطنية التي وشحها الرئيس الموريتاني في ذكرى عيد الاستقلال ذلك العام، حيث أصدروا عريضة احتجاج.
وطالبت العريضة بتشجيع دخول أبناء شريحة “لـمعَلمين” لجميع الوظائف السامية والسيادية بما فيها رئاسة الحكومة، إشراك المناضلين السياسيين من فئة “لمعلمين” في عضوية الهيئات القيادية للأحزاب، لضمان ولوجهم قبة البرلمان والمجالس البلدية.
كما طالبت “بالنص على إشراك الصانعة التقليدية “لمْعَلْمَه” في الكوتة الممنوحة للمرأة الموريتانية في الوظائف الانتخابية، مع إشراك نخب الشريحة في القرارات المصيرية والمنتديات والأيام التشاورية، ومنحهم فرصة إدارة المؤسسات الإعلامية وإشراكهم في إدارة بعض المجالس كالمجلس الدستوري والمجلس الأعلى للقضاء والمجلس الاقتصادي والاجتماعي”. وخلصت الوثيقة إلى التأكيد “بأن لا عيب في اعتراف أمة ما بأخطائها وسعيها لتصحيحها، وإنما العيب كل العيب أن تظل سائرة على نهج النعامة التي تعمد إلى دفن رأسها في التراب حتى لا تواجه المخاطر المحدقة بها”.
ورغم التحولات الكبيرة التي شهدها المجتمع الموريتاني في جميع المجالات، فما زال هذا المجتمع يشهد تراتبية توزع المجتمع إلى نبلاء ومن هم أقل شأناً، ويتجلى ذلك التراتب في أمور، منها عدم التزاوج بين فئة النبلاء التي تضم مجموعتي الزوايا وحسان، مع المجموعات الأدنى في السلم كالصناع التقليدين والأرقاء السابقين.
ومع كل هذا، فثمة عدد كبير من رجالات شريحة “لمعلمين” يحظون بالاحترام الكبير في المجتمع الموريتاني، وبينهم العلماء الكبار والمهندسون البارعون، ومنهم من يتسنمون ذروة شعراء الزجل الشعبي.
عبد الله مولود
نواكشوط – «القدس العربي»