أكد الرئيس الموريتاني، محمد الشيخ الغزواني، أنه “لا يمكن تصور حجم الكلفة التي تدفعها شعوب المنطقة جراء عدم قيام اتحاد مغاربي قوي وفعال ومتكامل”، معرباً “عن قلقه البالغ من عوامل التوتر التي تظهر من حين لآخر في النطاق المغاربي”.
جاء ذلك ضمن ردود له تضمنتها مقابلة مطولة مع مجلة “الاقتصاد والأعمال”، عبر فيها عن “استعداد موريتانيا بشكل دائم للقيام بدور رئيسي في استعادة اللحمة بين البلدان المغاربية، حيث ظلت مواقفها تصب في هذا الاتجاه دائماً”.
وقال: “أملنا أن يأتي اليوم الذي تعود اللحمة إلى اتحاد المغرب العربي، وهو أمل يعيش عليه كل مواطني هذه المنطقة بالإضافة إلى المسؤولين فيها، ولا شك أنه سيتحقق يوماً ما، بفضل إرادة قادة هذه البلدان، وقدرتهم على تطويق الخلافات، وتحقيق التكامل المنشود، تحقيقاً لإرادة الشعوب، وتجسيداً لأحلام الآباء المؤسسين”.
وفي حديث عن دور موريتانيا في التقارب العربي الإفريقي، قال الرئيس الغزواني: “بحكم موقعنا وتاريخنا، فقد ظلت بلادنا تمثل جسر تواصل، وحلقة الوصل التي لا غنى عنها، بين العالم العربي وإفريقيا، فقد كانت بلادنا ترجماناً للثقافة العربية الإسلامية إلى إفريقيا، وجسراً لعبور الثقافة الإفريقية إلى العالم العربي، كما أن تنوعنا الديموغرافي، وموقعنا الجغرافي، وتكويننا التاريخي يعطينا إمكانية القيام بهذا الدور، ويمنحنا هذه المكانة، ونحن مدركون لقيمتها الاستراتيجية، ولمردودها المعنوي والمادي”.
وأكد الرئيس ولد الشيخ الغزواني “أن موريتانيا قادرة على تحويل التحديات الماثلة أمامها بما فيها الوضع الاستثنائي الذي تعيشه المنطقة المحيطة بها على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وتحديات فرضتها جائحة كوفيد، إلى فرص حقيقية للنهوض، ولبناء أنظمة اجتماعية واقتصادية وصحية وأمنية قوية، خصوصاً مع وجود رؤية واضحة لدينا، وتجربة يمكن البناء عليها، وتسارع الإنجازات التي تعمل عليها الحكومة”. وعن الحالة الاقتصادية في موريتانيا، أكد الرئيس الغزواني “أن جائحة كورونا ومضاعفاتها غيرت زاوية النظرة إلى الاقتصاد، خصوصاً في الدول السائرة في طريق النمو، فبعد أن كان ينظر إلى المؤشرات الاقتصادية من خلال ارتفاع أرقام النمو، أصبح ينظر إلى المؤشرات من زاوية عدم الانخفاض”. وقال: “كنا ننتظر مع نهاية العام 2019 وبداية العام 2020 أن يكون النمو أكثر من 5 في المئة على سبيل المثال، ومنذ منتصف العام 2020 أصبح الهدف تقليل الخسائر، والحيلولة دون تحول الأرقام إلى سالبة، وتمكنا بالفعل من تثبيت الرقم عند انكماش بنحو 2.2 في المئة، ومع بدء انحسار تداعيات الجائحة، أصبح الحديث عن تلافي آثارها على الاقتصاد بمحاولات الحد من التضخم، وإعادة خطوط الاستيراد والتصدير إلى طبيعتها ومستويات ما قبل الجائحة، ومن ثم العودة إلى الحديث عن معدلات النمو مبرراً، وأصبحنا الآن نتوقع نمواً اقتصادياً بـ 7.5 في المئة في العام 2023”.
وعن الغاز الذي تنتظر موريتانيا البدء في تصديره بعد عامين، قال الرئيس الغزواني: “بالنسبة لكميات الغاز المنتظرة، فلا شك سيكون لها انعكاس كبير على ميزان المدفوعات، وعلى الاحتياطيات النقدية من العملات الصعبة، ومن شأنها أن تساهم في تخفيف أعباء المديونية، وعلى الدعم المباشر لميزانية الدولة، مما سيتيح مساحة أكبر للتحرك في مجال البنية التحتية الداعمة للنمو، وتمويل مشاريع محاربة الفقر، ويمكن من تحقيق رؤيتنا في العدالة الاجتماعية، ومحاربة الغبن”.
وقال: “إنني أريد للشعب الموريتاني اقتصاداً منتجاً قائماً على سواعد أبناء موريتانيا وعقولهم، ونريد لثرواتنا الطبيعية، ومنها الغاز والمعادن المختلفة أن تكون حافزاً لتحقيق رفاه معيشي قائم على الإنتاج، ونحن نعمل على تنويع مصادر الطاقة عبر الاستثمار في طاقة المستقبل، وأعني الهيدروجين الأخضر”. وعن تحسين الحوكمة في القطاع العام وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، قال الرئيس الغزواني: “الفساد داء عضال، ومواردنا المحدودة لا تتحمل أن تذهب حصة منها إلى غير ما هي مرصودة له، وقلت، وأكررها عبر منبركم الكريم، إنني لن أحمي مختلساً لأموال الشعب الموريتاني أو متلاعباً بمواردنا العمومية، وسنطبق كافة القوانين المتعلقة بمحاربة الفساد، ورؤيتنا لمحاربة الفساد وتعزيز الشفافية تعتمد على موجهات أساسية، أولها، تكريس مبدأ فصل السلطات المحمي دستورياً، وذلك بمنح السلطات القضائية والرقابية كامل استقلاليتها في حماية المال العمومي وفق الضوابط القانونية المعمول بها”.
وتحدث الرئيس الغزواني عن جهود مبذولة لإقامة بيئة استثمارية وتحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمار الخارجي على موريتانيا، فأوضح “أن ثمة حزمة إجراءات ستساعد في ذلك منها تطوير البنية التحتية الداعمة للإنتاج، ومقاربة متكاملة في المجالات التشريعية، والتوجهات الاقتصادية الكبرى المتعلقة بالإنتاجية، والشراكة مع القطاع الخاص، علاوة على فرص الاستثمار في الثروات الطبيعية، وتعزيز استقلالية القضاء”، معرباً عن أمله في أن يكون كل ذلك تأسيساً استراتيجياً لمناخ استثماري مستقر، وآمن، ومطمئن في الوقت نفسه”.
عبد الله مولود
نواكشوط – «القدس العربي»