لم يعد يفصلنا سوى ساعات قليلة على إطلاق صافرة بداية بطولة كأس الأمم الأفريقية، التي تستضيفها دولة الكاميرون بداية من اليوم الأحد وحتى السادس من فبراير / شباط المقبل، وأيضا سيفتتحها البلد المنظم بمواجهة خارج التوقعات أمام بوركينا فاسو، بآمال وطموحات عربية تلامس السماء، طمعا في الاحتفاظ بالأميرة السمراء للمرة الثانية على التوالي، بعد إنجاز الجزائر في أراضي الفراعنة في صيف 2019، وللمرة الثالثة عشرة في تاريخ عرب أفريقيا، بواقع سبعة ألقاب للمنتخب المصري واثنين لمحاربي الصحراء ولقب للجارين المغربي والتونسي وآخر للسودان.
المرشح المفضل
بعيدا عن الانتماء أو الانحياز «الفطري» لنا كعرب اتجاه المنتخب الجزائري، ربما لو أخذنا جولة في أحد الشوارع أو الميادين الشهيرة في كوت ديفوار أو غانا أو نيجيريا أو حتى البلد المستضيف، وسألنا مشجعي كرة القدم بشكل عشوائي عن المنتخب الأوفر حظا للفوز بالكان، بنسبة كبيرة لن نتفاجأ من سماع الاجابة باكتساح كتيبة المدرب جمال بلماضي، أو في أضعف الإيمان لن يخرجوا من المرشحين الثلاثة الأوائل، وهذا يرجع للصورة المرعبة التي رسمها هذا المنتخب لنفسه في السنوات القليلة الماضية، كمنظومة جماعية يُضرب بها المثل في الانضباط والتضحية، أو بمعنى آخر، لا ترتكز على أفراد، حتى لو كان بموهبة أندي ديلور، الذي يعض الآن أصابع الندم، على قرار الاعتذار عن عدم تمثيل الخضر في نهائيات كأس الامم في مصر 2019، بحجة التركيز مع ناديه الفرنسي، كواحد من القرارات الجريئة التي اتخذها الناخب الوطني منذ توليه مهمة إنقاذ منتخب بلاده، في أعقاب الفشل في التأهل الى نهائيات كأس العالم 2018، وسبقها حملة مخيبة للآمال في بطولة كأس الأمم الأفريقية، حتى أن إذاعة «مونت كارلو»، أشارت إلى أن هذا القرار جعل الميغا ستار قبل المراهق الصغير يراجع نفسه وحساباته ألف مرة قبل شراء عداء المدرب، الذي تحول بالتبعية إلى النجم الأول وصاحب السعادة في كل ولايات الجزائر، خاصة بعد رده العملي على كل من شكك في أولى كلماته، عندما تم تعيينه مدربا للمنتحب الجزائري خلفا للرمز الخالد رابح ماجر في أغسطس / آب 2018. وآنذاك قال عبارته الشهيرة: «هدفنا مع خير الدين زطشي الفوز بكأس الأمم الأفريقية المقبلة»، وبعد حملات السخرية منه، في الحقبة المأساوية التي تبدل خلالها 5 مدربين على منصب المدير الفني للمنتخب، تحديدا منذ الإنجاز الكبير مع المدرب وحيد خليلوزيتش، بالوصول إلى دور الـ16 لكأس العالم في البرازيل 2014 وحتى أوقات الوصول إلى الحضيض الكروي مع رابح ماجر في نهاية ولايته غير الموفقة، قبل أن يأتي ابن ضاحية شامبيني الباريسي، ويعيد الهيبة الى محاربي الصحراء، بخارطة طريق ارتكزت على الصرامة والالتزام داخل معسكر المنتخب، ليجني ثمار عمل ما زرعه، بتحول مشروعه إلى مفخرة لا تقل جودة ولا كفاءة عن أعتى ملوك اللعبة في أي مكان في العالم. ويكفي أن هذا الجيل لم يتوقف كثيرا عند إنجاز معانقة الكأس السمراء للمرة الأولى خارج حدود الوطن، والآن يقارع بطل أوروبا المنتخب الإيطالي على رقمه القياسي، بتجنب الهزيمة في 37 مباراة على التوالي، والآن وتحديدا بعد تجاوز غانا في أول وآخر احتكاك في لقاء ودي قبل التوجه إلى ياوندي، أصبح رجال بلماضي بحاجة الى ثلاث مباريات فقط للوقوف على قدم المساواة مع أسياد الدفاع، وهذا في حد ذاته، بمثابة الحافز المثالي لرياض محرز ورفاقه لاستكمال المغامرة، تزامنا مع وصول هذا الجيل الى قمة الانسجام والتفاهم، مثل الجيل الذهبي للمنتخب المصري، في وجود الأيقونة محمد أبو تريكة وباقي معاونيه الفراعنة، الذين استغلوا هذه الحالة، بإحكام سيطرتهم على الكأس في الفترة بين عامي 2006 و2008. والسؤال الآن، هل يسير بلماضي على خطى نظيره المصري حسن شحاتة ويظفر بالكأس الثانية على التوالي؟ أم سيكون الكان شاهدا على توقف سلسلة اللا هزيمة للخضر؟ هذا ما سنعرفه في الأيام والأسابيع القلية المقبلة.
كبير القارة
صحيح أن هناك حالة من التشاؤم تسيطر على النخبة والشارع الكروي المصري، بسبب اختيارات المدرب كارلوس كيروش الى قائمة المنتخب المشارك في البطولة، لكن باتفاق الأغلبية الكاسحة من شمال القارة إلى جنوبها، أن اسم الفراعنة وحدة يكفي لوضعه ضمن القائمة المختصرة المرشحة، حتى لو كان يعيش في أسوأ أوقاته، ومن ينسى خديعة الأسطورة محمود الجوهري في أواخر التسعينات، عندما حقن الرأي العام المحلي والقاري، بفكرة أن رفقاء حسام حسن وحازم إمام سافروا إلى بوركينا فاسو، لمهمة قصيرة الأجل، ستنتهي مع آخر لقاء في مرحلة المجموعات، وإذ به، يعيد أمجاد الماضي البعيد، بقيادة بلده الى الفوز برابع كأس في تاريخه، وأول بطولة منذ أكثر من عقد من الزمن، وبالكاد هو نفس السيناريو الذي يحدث مع المدرب البرتغالي، كما يظهر في وسائل الإعلام وتعليقات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، آخرها الهجوم الضاري على المدرب، لاستبعاد صانع ألعاب الأهلي محمد مجدي (أفشة)، صاحب هدف «القاضية ممكن»، والمساهم الرئيسي في ألقاب نادي القرن الأخيرة، وغيرها من علامات الاستفهام التي لا ينتظر الشارع الكروي المصري الإجابة عليها في البطولة الأفريقية، ولو أنه بنظرة منطقية، سنجد من الصعب استبعاد زعيم القارة من زمرة المرشحين على اللقب، ودعك من «الكاريزما» المصرية، التي تفرض نفسها على القارة السمراء، بصفتهم كبار القارة والأكثر تتويجا بالألقاب الكبرى في القارة على مستوى المنتخب الأول والفرق، فهم كمنتخب بإمكانه الذهاب بعيدا في البطولة، في وجود الأسطورة محمد صلاح، الذي يمثل أكثر من 70% من القوة الضاربة للمنتخب، سواء بتأثيره في الثلث الأخير من الملعب، أو خارج المستطيل الأخضر، بتصدير كل معاني الذعر الكروي للخصوم، بطريقة مشابهة لوضع كريستيانو رونالدو مع منتخب بلاده في «يورو 2016» على وجه الخصوص، ومعه عناصر أخرى، جُلها يعرفها منذ الصغر، أو بالأحرى كبر في المنتخب معهم، مثل شريك رحلة الكفاح محمد النني، وقائدهم في مرحلة المراهقة أحمد حجازي، متسلحين بخبرة أصدقاء أحمد حسن وأبو تريكة القدامى، أمثال عبد الله السعيد ومحمد الشناوي، وأبرز الوجوه الصاعدة، في مقدمتها اكتشاف البوندسليغا عمر مرموش، وأسماء أخرى تملك من الجودة والكفاءة ما يكفي لمحاكاة ملحمة الغابون 2017، التي لم تكتمل على أكمل وجه، بالتجرع من مرارة الهزيمة في اللحظات الأخيرة للمباراة النهائية أمام الكاميرون، بعد التقدم في البداية بصاروخية محمد النني، إلا إذا بصم مساعد السير أليكس فيرغسون السابق، على صحة توقعات النخبة، بأنه لن يحقق توقعات الملايين، لعدم توصله إلى التوليفة السحرية حتى الآن، فضلا عن التحفظ الكبير على طريقته في تجربة اللاعبين، على غرار ما فعله في كأس العرب، بالتعامل معها على أنها حقل تجارب لكل اللاعبين، والتي ختمها بطريقة مخيبة للآمال، بهزيمة مؤلمة أمام تونس بهدف بالنيران الصديقة بنائب القائد عمرو السولية في الدقيقة 90، بعد هيمنة ساحقة لنسور قرطاج، قابلها تحفظ ومبالغة دفاعية مصرية، فمن يا ترى سيربح الرهان، خبراء الكرة والمحللون في مصر أم المدرب البرتغالي وطاقمه المساعد؟
عراقيل المغرب وتونس
بعد حملة المغرب المثالية في مرحلة مجموعات التصفيات الأفريقية المؤهلة لكأس العالم في قطر 2022، ارتفع سقف طموح المشجع المغربي مع المدرب وحيد خليلوزيتش، الذي يذكر الجميع بفترته الذهبية مع الخضر، بالنتائج الرائعة التي يحققها مع المنتخب، متسلحا بثورة التغيير التي يقوم بها، والتي عصفت بأسماء كبيرة بحجم نجم تشلسي حكيم زياش وأكثر من نصف الأسماء التي مثلت أسود أطلس في آخر تجمع أفريقي تحت قيادة مدرب السعودية الحالي هيرفي رونار. ويكفي أنه لم يعد في الدفاع من الأسماء القديمة سوى أشرف حكيمي وغانم سايس، وفي الوسط برزت أسماء جديدة مثل أيمن برقوق وعمران لوزا وعز الدين أوناحي والياس شاعر. وفي المقابل سيبقى فيصل فجر ويوسف النصيري وسفيان بوفال في المقدمة والهجوم، ومن الأسماء التي خاضت البطولة الأفريقية الأخيرة، وفي المقابل هناك تحديات بالجملة تنتظر المدرب البوسني وجهازه الفني، منها عدم وضوح الصورة حول جاهزية النصيري، بداعي الانتكاسة التي يعاني منها في الوقت الراهن، بجانب سوء طالع المنتخب مع المواجهات الودية، سواء التي كانت مقررة في الدار البيضاء أو بعد السفر المبكر إلى الكاميرون، والتي بدأت بإلغاء ودية الرأس الأخضر، لظروف تفشي كورونا في معسكر المنافس، واكتملت بنفس المجهول لمباراة بوركينا فاسو، لتأخر الأخير في الوصول إلى الكاميرون، هذا بخلاف إشكالية قلة الخبرة الأفريقية لدى أغلبية المجموعة، ما بين محترفين غير متمرسين على الملاعب الأفريقية المختلفة عن أوروبا، والشباب الصاعد الذي سيخوض أول نهائيات كأس امم في مسيرتهم، ناهيك عن الضربة الأخيرة التي تلقاها المدرب، باعتذار جوهرة برشلونة عبد الصمد الزلزولي عن عدم المشاركة، لحاجته للتركيز على مستقبله ومكانه في مشروع المدرب تشافي هيرنانديز. وبالمثل يواجه المدرب الوطني التونسي منذر الكبير مشاكل مشابهة، آخرها إلغاء ودية سييراليون بعد إلغاء ودية بوركينا فاسو وتأخير رحلة الكاميرون، وذلك تزامنا مع تفشي الوباء في غرفة خلع الملابس، آخرهم الموهوب حنبعل المجبري والقائد يوسف مساكني، ما يضاعف مشاكل نسور قرطاج قبل بدء حملة البحث عن ثاني أميرة أفريقية في التاريخ، والأولى منذ معانقتها على أراضي العاصمة في نسخة 2004. في حين يأمل مدرب السودان برهان تيه، أن يحقق المطلوب منه، بكسر عقدة المنتخب مع الأدوار الإقصائية، وهذا لن يتحقق إلا بمفاجأة مدوية على حساب الجار الشمالي المنتخب المصري أو نيجيريا، أو في أضعف الإيمان حجز واحد من المقاعد الأربعة لأفضل ثلاثة أصحاب مركز ثالث، وبالمثل المنتخب الموريتاني، الذي سيسجل حضوره الثاني التاريخي في البطولة، وسيكون في المجموعة السادسة التي تضم معه تونس ومالي وغامبيا.
الطريق للحلم الثالث
منذ بداية الحلم الأفريقي بإقامة أول بطولة في السودان في أواخر الخمسينات وحتى نسخة مصر الفخمة، لم يصعد الى المباراة النهائية ثنائي عربي سوى مرتين فقط، الأولى في نسخة 1959، بين مصر تحت علم الجمهورية العربية المتحدة والسودان، وانتهت بفوز الفراعنة بهدفين نظيفين، بينما الثانية، فكانت في العام 2004 بين الجارين التونسي والمغربي، وحسمها البلد المستضيف تونس بهدفين مقابل هدف، وحتى نحظى بفرصة الاستمتاع بثاني نهائي عربي متلفز وثالث تاريخيا، ينبغي أن تتصدر مصر أو السودان المجموعة الخامسة، لتفادي الاصطدام بالمرشح الأوفر حظا لحجز صدارة المجموعة الرابعة المنتخب الجزائري. ومنطقيا وحسابيا، يعد المنتخب المصري المنافس المحتمل لنيجيريا على صدارة المجموعة، إلا إذا أرادت كرة القدم أن يكون دور الـ16 شاهدا على ملحمة مصرية جزائرية جديدة، في حال انتهى المطاف بمحمد صلاح ورفاقه باحتلال المركز الثاني، وفي الجهة الأخرى حجز بلماضي وفريقه صدارة مجموعتهم، أو العكس بحصول الجزائر على وصافة المجموعة التي تضم معهم كوت ديفوار وسييراليون وغينيا الاستوائية. وكذلك يحتاج المنتحب المغربي الابتعاد بقدر الإمكان عن وصافة مجموعته الثالثة، لتفادي الدخول في حسبة برما مع البلد المستضيف الكاميرون في الدور ثمن النهائي، أما إذا نجح في إزاحة منافسه المباشر غانا من صدارة المجموعة، فسوف ينتظر ثالث المجموعة الأولى التي تضم مع الكاميرون وبوركينا فاسو كلا من إثيوبيا والرأس الأخضر، أو ثالث المجموعة الثانية التي تضم السنغال وزمبابوي وغينيا ومالاوي. وبالمثل سيبحث المنتخب التونسي عن صدارة مجموعته، في ما ستكون أول خطوة ملموسة لأول نهائي عربي منذ صدام تونس والمغرب. أما باقي المجموعات، ففي الغالب لن تشهد مفاجآت خارج التوقعات، على سبيل المثال تبقى الكاميرون وبوركينا فاسو الأوفر حظا للصراع على صدارة ووصافة المجموعة الأولى، بينما في المجموعة الأولى، تبدو الصدارة محجوزة باسم المنتخب السنغالي، ليبقى الصراع على المركزين الثاني والثالث بين غينيا وزمبابوي وبدرجة أقل مالاوي، لكن الآن دعونا نستمتع بأجواء الماما أفريكا، على أن تكون لنا عودة مع ظهور مؤشرات الأبطال المحتملين للكأس.
عادل منصور
لندن ـ «القدس العربي»