لم يكن مستغربا أن تعلن دول “الإيكواس” وهو الاختصار للمنظمة الاقتصاية لغرب أفريقيا عن تضامنها مع فرنسا، فهي الدول التي أفتى علماؤها بجواز القتال مع فرنسا ضد الدولة العثمانية المسلمة في الحرب العالمية الاولى، معارضين بذلك فتاوى من شيوخ وعلماء دين حظوا بمكانة علمية كبيرة في الشرق، وقد أعطت تلك الفتوى زخما لفرنسا وصيرتها حام للمسلمين بدل محارب لهم، كما شارك أبناؤها الجيش الفرنسي القتال ضد ألمانيا النازية ودورهم مشهود في الدفاع عن باريس فى الحرب العالمية الثانية، ولازالت فرنسا تحصد الألقاب وتنال الكؤوس الكروية بأبناء القارة الإفريقية، وما كأس العالم 2018 عنا ببعيد وقبله كأس 1998م والذي كان الأسطورة زيدان الجزائري الافريقي سببا في نيلها له، لكن الغريب أن تعلن هذه الدول مقاطعة وحصار دولة جارة وشقيقة “جمهوريه مالي” بحجة تأجيل العسكر للانتخابات أربع سنوات، أما الواقع فيقول أن فرنسا غاضبة من استعانة الجيش المالي بمرتزقة “الفاغنر” الروس لضبط الامن في شمال مالي حيث تنشط الجماعات الجهادية، فالجمهورية الفرنسيه لا تريد لأي قوة عظمى أن تنافسها في منطقة نفوذها بشمال وغرب ووسط أفريقيا، لذلك قررت معاقبة الحكومة المالية لاستعانتها بالروس وتضامنت دول “الإيكواس” معها.
لم تستجب حكومتنا الموقرة بتوجيهات فخامة الرئيس: محمد الغزواني لدعوات المقاطعة، وكذلك فعلت الشقيقة الجزائر وأبقيا الحدود مفتوحة مع الجارة مالي التي تعاني من اضطرابات ومشاكل داخلية لن تساهم المقاطعة في حلها بل ستزيد منها، وقد تؤدي لتفاقمها فدول الإيكواس متنفس للدولة الحبيسة وعبر موانئها تصل أغلب واردات جمهورية مالي الغذائيه والدوائية، كما أن منع التحويلات المالية سيزيد من البطالة وسيخلق مشاكل اقتصادية جمهورية مالي في غنى عنها، فمعدلات الفقر مرتفعة إضافة لانتشار الجهل والأمية.
ليس الروس وحدهم المنافسين لفرنسا في المنطقه، فالولايات المتحدة حاضرة بقوة في المنطقة عبر قوات أفريكوم في، لكن هناك تفاهما أمريكية فرنسيا يقضي بحصر الوجود الأمريكي بمحاربة وملاحقة الإرهاب، كما يلاحظ الحضور الثقافي التركي عبر المدارس التركية والبعثات التعليميه ومؤخرا سارعت الدول الافريقية لاقتناء الطيران التركي المسير وخاصة طائرة “بيرقدار” التي أثبتت كفاءتها وقدرتها على حسم المعارك في ليبيا وأذريبجان بسرعة، كما لا يخفى الحضور الإيراني عبر مراكزها الثقافية وأنشطتها الدينية وقد خلقت لها تأثيرا قويا في نيجيريا عبر أربعة ملايين شيعي يقودهم “الزكزاكي” فالمنطقة مفتوحة وكل القوى العالمية والإقليمية تسعى للتأثير فيها وخلق موضع قدم لها بها.
استدعاء مرتزقة “الفاغنر” وقطيعة دول “الإيكواس” لجمهورية مالي لن يفيدا الحكومة المالية ولن يسهما في تحقيق الأمن في منطقة رخوة وهشة ويسيطر الجهاديون على مناطق واسعة من صحرائها ك”تنظيم الدولة ولاية غرب أفريقيا” الذي ينشط في جمهورية مالي والنيجر وقد نجحت فرنسا مؤخرا في تصفية قائده “عمر الصحراوي” وقاعدة الجهاد بالمغرب الإسلامي، إضافة لتنظيمات ذات طابع قومي كجماعة “أنصار الدين” التي تنتمي لمجموعة “الطوارق” و”بوكو حرام” في شمال نيجيريا، ما يجعل حاجة هذه الدول للتعاون ضرورة لضبط الامن والاستقرار، والحد من التدخلات الخارجية التي تسهم في المزيد من التشرذم والانقسام.
تعزيز اللحمة الداخليه لهذه الدول، وإيجاد ميثاق وطني يحمي حقوق المواطنين ويساوي بينها في الحقوق كفيل بالحد من النزاعات الداخلية، فهذه الدول بها العديد من القوميات ولا توجد أكثرية، ففي السينغال عشرين قومية لكل منها لغتها الخاصة، وأكبر هذه القوميات قوميتي الولف والبولار ولا يشكلون مجتمعين نسبة 40٪ من السكان، أما في ساحل العاج فأكبر قومية تشكل نسبة 15٪ من السكان، ما يجعل اتحاد هذه القوميات ضرورة لاستقرار تلك البلدان وضبط النظام فيها.
التنسيق بين هذه الدول وتبادل المعلومات الأمنية ضرورة لحماية الحدود وتجنيبها الويلات الأمنية التي قد تنشأ عن اختراقها من قبل الجماعات المسلحة الناشطة بقوة في بلدان الساحل، والحد من التهريب الذي تعد هذه البلدان معبرا رئيسيا له.