إن عدم فهم حقيقة الروابط التي تربطنا بالإخوة في دولتي مالي والسينغال يترتب عليه من الأضرار مايصعب تقدير حجمه، فعلى الجميع أن يعلموا أن علاقاتنا بالجنوب عميقة ومتشعبة لدرجة أنه يمكن اعتبارنا شعبا واحدا في دول مختلفة ومع الاشتراك في الكثير من القواسم بين الشعوب في الدولتين في الجنوب و الشعب الموريتاني إلا أن الأشتراك الذي يجمع الشعب الموريتاني مع الشعب المالي أكثر عمقا وتنوعا وأبعد أثرا .
إن العلاقة في الماضي بين أوداغست وكونبي صالح مع شعوب الجنوب من السونيكا والفلان والبنبارا وعلاقات تشيت و ولاته مع تينبكتو وسيغو علاقات عمرها مئات السنوات ولقد كان احتلال الحوض انطلاقا من قوات قدمت من مالي مثلما كان احتلال الترارزة بقوات انطلقت من السينغال .
إن العلاقات العميقة والمتشعبة بين موريتنانيا والإخوة في الجنوب لم تضعف يوما ولم يزدها الزمان إلا تعميقا وترسيخا، إذا كان الأقليم الموريتاني كان في عهد الاستعمار يدار من اندر في السينغال وتكونت نتيجة ذلك أشكال من العلاقات المتنوعة سياسية واجتماعية ودينية بين ضفتي النهر بيننا وبين السينغال بلغت الكثير من العمق والاتساع كان من تجلياتها عمق علاقات ولد ابن المقداد بالوجهاء والعلماء والادباء الذين تركوا اسفارا من الادب والطرائف والمآثر ،وكان دور موريدية الشيخ أحمدو بنب وحاضرة كولخ والشيخ ابراهيم انيص ودور القادرية لدى أهل الشيخ سعدبوه في نسج روابط الشعبين..كل تلك التأثيرات معروفة ومقدرة إلخ
ومع كل مابلغته العلاقات الموريتانية بالسينغال من العمق والتداخل كما أشرنا إليه لم تبلغ مستوى مابلغته العلاقات القائمة بين ولايات : غيدي ماغا والعصابة والحوضين مع إقليم "السودان سابقا" الذي أصبح هو مالى لقد ظلت الحياة مذ مئات السنوات بين مناطق الجنوب الشرقي الموريتاني ومالى علاقات قوية تبلغ من التداخل والتنوع والتشعب مايجعلها ترقى إلى مستوى العلاقات داخل الكيان الواحد ،فلم يكن قبل الأستقلال شيئا يميز مناطق موريتانيا عن مناطق مالى يشترك المزارعون في المناطق التي تزرع والمنمين في مناطق الرعي والصيادون الذين أفنوا الحيوانات والوحوش في مناطق موريتانيا هم الذين أفنوا الحيوانات والوحوش كذلك في مالي ومثلما دمرنا الغابات والاشجار والحشائش في مناطقنا لقد فعلنا الشيء نفسه مع الطبيعة في مالي فعلنا بها من التدمير مثل مافعلنا مع طبيعتنا لقد اختفى الكثير من أنواع الحيوانات البرية والطيور من مالي كما هو الحال عندنا واختفت الكثير من الاشجار التي كان يتخذ منها الكثير من الأدوات والآلات التي كانت تستخدم في الحياة البدوية وبعضها مايزال يستخدم حتى الآن فكان يصنع منها الأقداح والأواني وأدوات الفرش والسروج والرحال ولم يستطع الاستقلال وتميز الدول المختلفة في حيز جغرافي معين له حدود وعلم أن يحد من تلك العلاقات ومن حرية التحرك داخل مناطق الرعي والصيد البري والقنص ومن أشكال استغلال الطبيعةوالعبث بها بنفس الأسلوب المعتاد مذ مئاة السنوات ..
لقد صعب في البداية تكون هذا الوطن بسبب صعوبة الانفصال عن المناطق الجنوبية فلقد كان بعض المواطنين على ضفاف نهر السينغال يميلون إلى الاتحاد مع السينغال وجرى في ذلك نقاش طويل وحوارات لعبت فيها حكمة المختار وحنكته هو وعدد من العناصر من بينهم سيد المختار بن يحيى انجاي و باعبدالعزيز وعدد من وجهاء المنطقة المتحالفين في روابط قديمة بين المكونات المختلفة، ولم يكن الأمر بأسهل في المناطق المحادة لما كان يعرف بالسودان والذى سمي بمالي اثناء محاولة الأتحاد مع السينغال التي لم تنجح في النهاية .
لقد التحقت زعامات قبلية موريتانية وازنة بجمهورية مالي واعتبرت نفسها جزئا منها كان من بينها في الحوضين زعامة مهمة من أولاد امبارك " فات" بزعامة اعبود بن عابدين و ومنها المختار بن محمد محمود الشيخ العام لمشظوف، والب بن عبدى بن جيد أكبر زعماء الاقلال " أولاد موس"ومجموعات كثيرة أخرى ، وترافق مع هذه المواقف وساعد فيها موقف الرئيس المالي مديبو كيتا الذي كان يطالب بالحوض ويعتبره جزئا لا يتجزؤ من جمهورية مالي وفي نفس الوقت كان هناك عدد من السياسيين الموريتانيين يطالبون بالانضمام إلى مالي من بينهم أعضاء حزب الاتحاد الذي كان أعضاؤه من الوسط والجنوب ولم يؤثر قيام دولة موريتانيا بجغرافيتها الحالية وتميزها على سلوك المواطنين ونشاطهم وتعاونهم في حياتهم المعتادة غير مهتمين بالحدود ولقد كان ساعد استمرار منمي الحوضين والاعصاب وغيدي ماغا اعتمادهم على أراض مالي للانتجاع ورعي الحيوانات على استمرار المحافظة على الثروة الحيوانية حتى الآن إذ لو لم تسمح جمهورية مالي للمنمين الموريتانيين برعي حيوانتهم داخل الاراضي المالية الخصبة والتي كانت تستفيد من فترة الراحة أثناء موسم الأمطار حيث يذهب مالكو الحيوانات إلى موريتانيا فتنبت اراضي مالي وتستعد لموسم الجفاف فترجع إليها الحيوانات التي تكون غير واجدة كلئا أو مرعى في بلدها .
هذه رحلة الشتاء والصيف للمنمين الموريتانيين داخل أراضي مالي استمرت مئات السنوات ،وتكبدت مالي خلال كل هذا التاريخ الطويل خسائر فادحة في طبيعتها وحيواناتها البرية وعاملت الموريتانيين دائما بلطف وتسامح لايمكن تصوره من دولة تستغل أراضيها وتدمر طبيعتها وتباد ثرواتها من الحيوانات والوحوش والطيور الجميلة من طرف مواطني كيان خارجي وشعب دولة اخرى.!!
إن دولة مالي لم تعامل الموريتانيين دوما إلا كمواطنين لها لقد كانت مالي تزرع وكنا نأكل فالماليون مزارعون من الدرجة الأولى والموريتانيون رعويون فكان كلما نأكل يأتي من مزارع مالي منها عرفنا الفستق وللوبيا والدخن ومن أراضيها تزودنا بالعسل والتمر الهندي ومنتجات كثيرة لولا مالي ماعرفناها لقد تقاسمت معنا كل ذاك ،كنا في مالي لانحتاج أكثر من أن يأتي الواحد منا للشجرة وسط القرية ويجلس عندها فيأتيه من يستدعيه لغدائه عند أهله يستوي في هذه العادة كل القبائل والإثنيات في مالي إنها عادات كرم مالية عرفها جميع من تعامل معهم..
وفي الحوادث القليلة التي تعرض فيها المواطنون لتوقيف أو معاملة شبه قاسية فكثيرا ماتكون نتيجة اللامبالات وتجاوز الحدود في الفوضى والمخالفات من طرف إنساننا الذي يرى أن الكون خلق لخدمته، وفي كل الأحوال لم تكن إلا مثلما يحدث للمواطنين داخل وطنهم.
ولقد جرت تطورات كثيرة ومرت الأمور بحوادث ادرامتيكية أحيانا بعد ظهور مقاومة شمال مالي من طرف البربر والعرب فاختلطت في بعض هذه الظروف الصورة عند بعض المواطنين الماليين و عند بعض السلطات فلقد أصبح يسيطر شيء من الغموض في النظرة للموريتانيين حيث أن المجموعات المتمردة من اللون الواضح لون العرب والبربر واستمرت هذه التمردات تتطور من مطلبية احتجاجية إلى أن أصبحت جهادية وكان قبل دخول إفلان ماسن على خط المقاومة تشكل انطباع لدى بعض السلطات المالية أن بعض الموريتانيين يشتركون في المقاومة أو يدعمونها لكن دخول مقاومي إفلان ماسن أعاد وضوح الرؤية للسلطات المالية وأزالت بعض اللبس الذي كاد يؤثر على علاقات السلطات بالموريتانيين والذي كان تسبب في قتل الماليين للدعاة في ذلك الحادث المؤلم نتيحة هذ الالتباس .
إن العلاقة بيننا ومالى يجب أن تكون امتدادا لعلاقات الماضى بيننا فلم يحس الموريتانيون طيلة التاريخ بتمييز أو معاملة غير طبيعية من الماليين وكنا نحن دوما متسامحين ومرحبين بالماليين أين ماحلو أو ارتحلوا لأننا والماليين نمثل وحدة لم تتأثر ولم تراع أو تهتم بالتمايز والحدود والعلم والنشيد والتسميات إننا شعب واحد في كيانين وضعهما لنا المستعمر الذي جعل لنا حدودا وفرض علينا تمايزا لاتدعمه الجغرافيا والتاريخ والعقيدة و المصالح فهذا قدرنا وقدر مالي، ولكي نرد الجميل لمالي فعلينا العطف والحنو عليها وبلسمة جراحاتها علينا أن نغذيها إذا جاعت ونسقيها إذا عطشت ونعالجها إذا مرضت، فهذا ماعملته مالي معنا وهذا ماعلينا عمله مع مالي اليوم فلا يمكن أن نحاصر مالي ونجوع مالي ونخذل شعب مالي الكريم .
إن ظروف مالي اليوم فرصة لنا لرد الجميل وتجسيد مبدئ أخوة نمت وترعرعت عبر مئات السنوات من سونجة كيتا والسامورى تراورى وخطرى ولداعمر ول اعلى هؤلاء وآخرون كزعماء سياسين ومن كوكبة من عشرات العلماء ربطوا بين شنقيط ووادان وتشيت وولات وتينبكتوأحمد باب والعلم والمكتبات كزعماء روحيين
إن أحداث التاريخ للمنطقة تجعل علاقاتنا بمالى غير قابلة للانفصام والانقطاع إنها علاقات لايمكن التفريط فيها والاستهانة بأهميتها فلايمكن إلا تنميتها وتوطيدها وتوفير كل أسباب الحماية لها حتى يتوصل وعي الإنسان العربي الإفريقي إلى حتمية تحطيم الأغلال وإزالة المعوقات ونهوض المارد الجبار العربي الإفريقي الذي تشكل هذه المنطقة الساحلية جزئا رئيسيا في تشكله ونموه ونهوضه بإذن الله، فهذا مايجب وهذا ماننتظر وغير ذلك لن يمكن ولن يقع لأنه يناقض طبائع الأمور ومصالح الشعوب ، فنحن في موريتانيا ومالي شعب واحد في كيانين انتبهو لذلك إنها الحقيقة!!!