كنت في مهمة صحافية، وكان ترتيبي الرابع في الطابور أمام بيت الحجابة كاجاتا لي السنغالية السبعينية المختصة في نزع آثار العين والنظرة من الأجسام.
كان المترددون الراغبون في التخلص من النظرة والعين يتقاطرون زرافات ووحدانا، على مركز كاجاتا الواقع في حي البصرة جنوب العاصمة نواكشوط.
أبخرة وروائح تنبعث من مقر الحجابة الذي لا نوافذ فيه، فيشتمها المترددون المنتظرون لاستشارة الساحرة، وتتأذى بها المارة أيضا.
قال لي الشاب الموجود أمامي في الطابور «هذه السيدة ولية كبيرة تنزع النظرة من تحت الأظافر ومن بين كريات الدم الحمراء والبيضاء».
طرحت سؤالا أثار نقاشا بين زبناء الحجابة أو «التامسليت» كما يسمونها محليا، حيث تساءل عن حقيقة العين وهل هي موجودة بالفعل أم مجرد خرافة ينهب بها المشعوذون أموال الجهلة المقهورين؟».
تدخلت سيدة في طابور السيدات الموازي لطابورنا لتقول باقتناع «لا تنكر النظرة، فأعراض العين والنظرة والحسد في الغالب تكون كمرض من الأمراض العضوية التي عجز الأطباء عن تشخيصها لعلاجها أو لم تستجب لعلاجهم مثل أمراض المفاصل، والأمراض الجلدية وسقوط الشعر من غير علة أو مرض، والعمى المفاجئ، والثقل والوخز في الأكتاف والأطراف، وأوجاع أسفل الظهر».
أيدها رجل منتظم في طابورنا قائلا «نعم..وأعراض العين تظهر على العيال على شكل موت الأولاد وهم في بطون أمهاتهم أجنة، وهروب الأولاد من البيت، وشتات شمل الأسرة».
هنا جاء دوري فدخلت على الحجابة فإذا هي في صورة مخيفة بعيون غائرة وفم بلا أسنان ورأس بشعر مغبر ..
أخذت مني ورقة نقد المئتي أوقية التي هي تذكرة المعاينة، وبدأت تذرع خيطا طويلا ثم اقتطعت الخيط وبدأت تضرب به أكتافي وصدري ورأسي وهي تهمهم بعزائم غير مفهومة.
كان الخيط ثلاثة أذرع أي مترا ونصف المتر وازداد طوله بنصف متر بعد أن تحولت العين والنظرة من جــســمــي إلى الخيط، كما أكدت ذلك الحجابة كادياتا.
قالت «ستختفي عنك أعراض آلام الظهر وستنزل البركة في مالك وعيالك»، ثم ناولتني الخيط وأمرتني بحرقه والتبخر به وخرجت لا ألوي على شيء عرقا وفرقا.
عدت لإمام جامع البصرة القريب الشيخ إسحاق ولد سيدي سالم الذي أكد ردا على استيضاحاتي «النظرة حقيقة واقعة والنبي عليه السلام قال «العين حق والله إنها لحق..تدخل الرجل القبر والبعير القدر».
وفي توضيحات أخرى أكد سدي عالي بلخير وهو شيخ موريتاني مختص في الرقية «الإصابة بالعين إما أن تكون من عين إنسية أو عين من الجن، فالجن يصيبون بالعين كإصابة الإنس أو أشد».
وأضاف «تنقسم العين إلى ثلاثة أقسام، أولها العين المعجبة والنفس إذا ما أفرطت في الإعجاب بنعمة من النعم أثرت فيها وأفسدتها بإذن الله تعالى ما لم يبرك صاحبها»، والثانية العين الحاسدة وهي تخرج من نفس حاسدة خبيثة، خبيث صاحبها، وهي في الأصل تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود، والثالثة السمية وهي تخرج من العائن إلى المراد إعانته بقصد الضرر».
ويقول الشيخ محمدنا بن أحمد «كثير من الناس يصابون بالعين وهم لا يعلمون، لأنهم يجهلون أو ينكرون تأثير العين عليهم».
وعن أعراض الإصابة العين يضيف الشيخ محمدنا «منها التثاؤب والنعاس والرغبة في النوم بل والنوم العميق، ومنها شعور المعيون بخدر في عامة جسده وربما في إحدى شقيه الأيمن أو الأيسر».
مع كل هذا تظل النظرة والعين أمران غير مفهومين؛ والغريب أن الجميع يعالج العين والنظرة ويدفع من أجل ذلك أمواله.
القدس العربي