الرد على تقرير الإخوان المسلمين في موريتانيا حول أحداث 2014
(الحلقة الأولى)
بسم الله الرحمن الرحيم
نشر في هذه الأيام ما يسميه أصحابه "التقرير العام لموريتانيا 2014" وهو في ظاهره كتيب يتناول الأحداث البارزة في موريتانيا، أما جوهره فشحنة من السموم يبثها إعلام جماعة الإخوان على شاكلة بعض التقارير التي تصدر بين الفينة والأخرى بأوامر إخوانية تسعى لبث الفتنة والتفرقة بين المسلمين وإلى تشويه سمعة الوطن وزعزعة أمنه واستقراره. وقد تضمن التقرير فقرة بعنوان "أحداث الإساءة إلى المقدسات" أقحموني فيها مستخدمين المغالطات والتدليس كعادتهم. وكنت قد أمسكت عن الحديث عنهم منذ فترة لأني ببساطة لا أريد هدم هياكل ومؤسسات تعبت في بنائها من العدم، ثم إنني لا أرغب في نشر تفاصيل أمور سرية تخص جماعة ارتبطت بها ذات يوم رغم كل خلاف نشأ بعد ذالك. لكنهم لم يتركوني إذ تركتهم، وهم يعرفون حق المعرفة أنهم أذل وأقل عددا وأنهم أوهن عندي من بيت العنكبوت، وأني إذا واجهت واجهت بصدق ولا أضرب ضربة الجبان، وكان من رشدهم أن يدعوني. أما وقد أبوا فعلى نفسها تجني براقش.
تحدثوا في التقرير أني أرتبط بالشيخ محمد الحسن ولد الددو بصلات اجتماعية وأني رافقته مدة من الزمن وأشرفت على موقعه الرسمي وعلى تسجيلاته قبل أن يبعدني لأسباب لم يشرحها. وهذا تدليس وكذب، فالتدليس قولهم أني أرتبط بالشيخ بعلاقات اجتماعية فقط وذالك من أجل الإيحاء بأنني لم أكن من جماعتهم وحتى أنني لست شخصا معروفا لديهم. والحقيقة أنني كنت من هذه الجماعة منهجا وفكرا وكنت من الأعضاء الفاعلين الذين لعبوا الدور الأساسي في تأسيس هيئات وهياكل من أهم ما يتبجح به الإخوان اليوم. فعلى سبيل المثال كنت عضوا في أهم اللجان الفاعلة لديهم (لجنة الإكتتاب المكلفة زيادة على ذالك بالنشاط الدعوي وجمع المال، وقد كنت أهم محصل لديهم وأنا من جلب لهم ذات ليلة مشهودة المال الذي هربوا به صالح ولد حننه سنة 2003، وكان وجودي في هذه اللجنة أهم الأسباب التي جعلتني أشك في إخلاص الجماعة وأدت إلى ابتعادي عنها بعد ذالك بسبب الإحتيال الفظيع والإختلاس البشع من طرفهم للأموال الطائلة التي يتم التبرع بها من حين لآخر من طرف المحسنين، كاختلاسهم الصريح بوقاحة ودون أدنى تبرير لمبلغ طائل تم جمعه وكان مخصصا لشراء الساحة المجاورة لمسجد الذكر)، كما توليت إدارة مركز تكوين العلماء في أحلك الظروف أيام كان مشروعا جادا. وكانوا قد أوفدوني في كثير من الحالات إلى العديد من الشخصيات السياسية والمالية والإجتماعية والأمنية وكلفوني بكثير من الملفات الحساسة التي لم أكن أرغب في تفصيلها، وقد ذكرهم محمد غلام في تسجيله بالدور الذي كنت أقوم به في السجن في أحلك الظروف
أنظر الرابط
https://www.youtube.com/watch?v=iQdMKLzdRv0&feature=youtu.be
(إن الزعامة والطريق مخوفة غير الزعامة والطريق أمان)
وسأعود إلى تلك الأحداث بالتفصيل في مناسبات لاحقة بحول الله.
ذالكم هو التدليس أما الكذب فقولهم إن الشيخ أبعدني لأسباب لم يشرحها. فالحقيقة أن الشيخ لم يبعدني فأنا من قدمت استقالتي بعد أن أيقنت من الفساد الذي يعصف بمنظومتهم. وقد أوضح الشيخ ذالك بنفسه وبخط يده فإليكم معشر الإخوان ما كتبه إن كنتم تصدقونه
أما إذا لم تكتفوا بهذا الشرح فإليكم قصتي معه ومعكم:
لقد قدر لي أن أتعرف على الشيخ محمد الحسن ولد الددو في السنوات الأولى من دراستي بمحظرة أهل عدود بأم القرى، وكان مضرب المثل في العبادة والزهد والتواضع والورع، حتى وصل به الورع إلى ترك الأمور المباحة كالتلفاز مثلا، وكان طلب العلم والحث عليه والإنشغال به همه الوحيد، وكثيرا ما قال لي: إن أهم ما في العلم هو البحث عن الخشية التي شرف بها العلماء في قول الله تعالى "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" ، وإن هذه الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة بألقابها وشهاداتها العليا.
ثم تتالت الأحداث بعد ذالك وتغيرت الظروف وتبدلت الأحوال بعد إلتحاق الشيخ بجماعة الإخوان المسلمين فتغير فجأة في أسلوبه ومضمون محاضراته وخطبه وأكثر من ذالك في سلوكه ونمط عيشه.
من المحطات البارزة في بداية علاقة الشيخ بالإخوان برز الترويج من طرفهم لحكايات مطولة يرويها الشيخ عن تلامذته من الجن ومن مردة الشياطين، وهي حكايات كثيرة متشعبة طالما تحدثوا عنها فأسهبوا في تفاصيلها وغرائبها، منها أن ملكة من ملوك الجان تدعى الماردة سوزان تتلمذت عليه وصارت تستفتيه وتستشيره وتتصل به هاتفيا. وهكذا كان أبواق تنظيم الإخوان يروجون لهذه القصص على أنها كرامات للشيخ. وبغض النظر عن الحكم على صحة هذه الحكايات من عدمها فالمراد من طرف المروجين لها من الإخوان هو ضم أكبر عدد من عوام المسلمين إلى صفوفهم لاعتقادهم أن معظم الشعوب الإسلامية تتأثر بالكرامات والخوارق أكثر من غيرها. وفجأة أعرض الشيخ عن قصصه مع الملكة سوزان ولم يعد يتحدث إطلاقا عنها وإذا سئل عن تلك الحكايات في مجلس تهرب من الإجابة.
ترك الشيخ تلامذته من الشياطين وأعرض عنهم ليتفرغ لعلاقته بإخوان الشياطين الذين يسمون أنفسهم الإخوان المسلمين. وعلى كل حال ومهما يكن في مملكة الجن من الشر فلن يكون الشياطين أسوأ من إخوانهم، فالجن لم يفرقوا بينه وبين خاله الزاهد العلامة محمد سالم ولد عدود رحمه الله، والجن لم يطلبوا منه الفتاوى التي تبيح سفك دماء المسلمين، والجن لم يضغطوا عليه لتزكية شهادات الزور، والجن لم يأمروه بشتم العلماء وهجائهم والتشهير بهم والإعتداء اللفظي عليهم . وحتما سيأتي اليوم الذي يقول فيه يا ويلتى ليتني لَم أتخذ إخوانيا خليلا " لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ".
في هذه الفترة دفعتني الثقة بالشيخ والإنجذاب إليه والميل إلى كل ما يرتبط به إلى الإنخراط في صفوف جماعة الإخوان المسلمين في موريتانيا فبايعت وانتظمت، وسرعان ما وصلت إلى أعلى مراكز اتخاذ القرار، وهناك بدأت الشكوك تراودني في إخلاص هؤلاء المجاهدين حيث كنت شاهدا على فظاعات كان أخفها الكذب والسرقة والغيبة والإستهزاء بمقدسات الأمة وعلمائها، واختزال رسالة الإسلام وشريعته ومنهاجه في تفاهات ومؤامرات تتلخص في منهج جماعة الإخوان.
تسارعت الأحداث بعد ذالك وكانت النهاية الحتمية هي استقالتي وانسحابي من هياكل الجماعة كما سيأتي تفصيله بحول الله، ولكن لماذا أنسحب؟ لقد انسحبت لما تأكدت أن ما يريده الإخوان لم يتضح لهم بعد، انسحبت لما رأيت الإخوان يريدون تحكيم شرع الله بالكذب والخداع والغدر، إنسحبت لما رأيتهم يدشنون المساجد باسم جهتين وينهبون تمويلاتها ويغازلون السناء داخلها، إنسحبت لما رأيتهم يتاجرون برقاب العبيد وفي نفس الوقت يتخذون قضيتهم ورقة سياسية، إنسحبت لما رأيت الفتوى تتغير بتغير سياسة الإخوان فتصاغ كلما دعت الحاجة على مقاسها.
أول ما استفزني وأدى إلى احتكاكات قوية بيني وبينهم هو استهزاؤهم بالعلماء وإساءتهم بوقاحة إلى شيخي لمرابط محمد سالم ولد عدود رحمه الله حيث دخلت معهم في جدال تحول إلى صراع من أجل حذف ما كتبوه عنه لكنهم رفضوا، وسعيت في ذالك مجددا صحبة الشيخ محمد الحسن نفسه الذي طالبهم واستجداهم لكنهم تمادوا في غيهم وواصلوا الهجوم على العلامة، فاضطررت إلى الرد عليهم كتابة وعلى موقعهم الإصلاح. ثم بلغ الخلاف معهم أشده حين كنت أدافع عن الشيخ محمد الحسن نفسه في وجه انتقاد قادة الإخوان له في غيابه والذي وصل بعض الأحيان إلى حد التجريح غير اللائق ووصفه بصفات جارحة كالكذب والإنغماس في الملذات وغيرها. وكثيرا ما كان ذالك يخرجني عن طوري فيسخر الإخوان مني ويضحكون من إيماني المطلق بالشيخ وكأنه معصوم، ومع ذالك يتقربون للشيخ ويكبرون إذا دخل المسجد ويظهرون بوجه آخر مغاير تماما لحقيقتهم. فقلت للشيخ مباشرة: إن الجماعة المتحكمة فيك تتصف بجميع أوصاف اليهود التي تصفها لنا دائما.
أما أسباب ظهور الخلاف للعلن فكانت معارضتي ورفضي القاطع لمشاركتهم في انتخابات التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ وتحالفهم مع الحزب الحاكم سنة 2009، خاصة وأن مستشاري تواصل في بتلميت كانوا مستائين من ذالك التحالف لكونهم أكثر قناعة بمرشح التكتل، وحين بالغوا في تزكيته وقالوا إنهم لا يعرفون ما يقولون بين يدي الله إذا لم يصوتوا له، خاصة وأن الشيخ قد أفتاهم بما يلي:
رد عليهم أمين التنظيم في حزب تواصل الأستاذ حبيب ولد حمديت قائلا: نحن سنتولى عنكم الجواب يوم القيامة. وهذا خلل في العقيدة وفي المنهج. وأنتهز الفرصة هنا لتذكير أولئك الذين يرون الفساد ويعترفون به ولكنهم ينتظرون الإصلاح من الداخل بزوال رموز الفساد في الإخوان بأن الفساد إذا كان في الأفراد يمكن أن يزول لكن إذا كان الخلل في المنهج فالفساد محكوم عليه بالإستمرار.
وحين قمت بنشر الفتوى مذكرا الناخبين بها كان رد قادة الإخوان أنهم لا يأخذون الدين من شاب أهله من المغافرة وأخواله من السود. وهنا لن أرد على ما تحمل هذه الجملة من شحنة لأني لن أطرق باب التفرقة بين الموريتانيين كما يفعل أبواق الإخوان.
كانت تلك بداية القطيعة بيني وبينهم حيث بدأت التحضير لتسليم مسؤولياتي والإستقالة من مهامي بهدوء. لكنهم بدؤوا في حبك المؤامرات وتأليف الشائعات كما يفعلون بكل من يخرج من مستنقعهم، لكني لم أكن ولن أكون من أولئك الضعاف المستسلمين فأنا مؤمن والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. لكنني أسأل الإخوان أي منا أقرب إلى المخابرات والنظام؟ هل هو أنا الذي دعمت بكل قوة مرشح التكتل، أم هم المتحالفين مع الحزب الحاكم المجالسين لقادته، المرافقين لعقداء الجيش في سياراتهم؟ أذكرهم فقط أن من دخل في مستنقعهم النتن وصل إلى الحضيض في الإنحطاط والإنحراف فهو بذرة مهيأة لكل فسوق وعصيان.
يتواصل