تشهد المنطقة الحدودية بين موريتانيا ومالي سخونة وأحداثاً متلاحقة هذه الأيام، وذلك منذ أن نقلت الحكومة الانتقالية المالية شراكتها العسكرية من فرنسا إلى روسيا، ومنذ أن استعانت حكومة مالي بعناصر شركة فاغنر الروسية في ضبط الأمن في مناطقها المضطربة وعلى مستوى الحدود بين مالي وموريتانيا.
فقد تضاربت الأنباء أمس حول مصير عشرات المواطنين الموريتانيين الذين اعتقلهم الجيش الماضي خلال الأيام الأخيرة في المناطق الحدودية بين موريتانيا ومالي.
وبينما لم يصدر لحد ظهر الإثنين أي توضيح لا من طرف السلطات موريتانيا ولا مالي، يؤكد أهالي الموقوفين معلومات تتحدث عن احتمال مقتلهم على يد وحدات الجيش المالي غير بعيد من مكان توقيفهم داخل الأراضي المالية على 90 كلم من مدينة باسكنو الموريتانية.
ونقلت وكالة “الأخبار” الموريتانية المستقلة تحفظ السلطات الموريتانية والموريتانية بخصوص تأكيد أو نفي الأنباء المتداولة حول مصير هؤلاء المواطنين.
وأكد شنوف مالكيف، مدير نشر موقع “الطوارئ” الإخباري المستقل، “احتمال تعرض مجموعة من الموريتانيين تزيد على العشرين للقتل شمال مالي”.
وقال: “حسب المعلومات التي حصلنا عليها لحد الآن، فإن مواطناً موريتانياً أبلغ السلطات عن طريق الهاتف بعثوره على جثث متفحمة لعشرات الأشخاص في بلدة بئر “العطاي” على بعد 32 كلم من الحدود الموريتانية المالية”، مؤكداً “أنه لم يستطع التعرف على أي منهم بسبب تحلل وتفحم الجثث”.
وأضاف مدير موقع “الطوارئ” المستقل: “هذه المجزرة يتخوف أن تكون لمجموعة من الموريتانيين تزيد على العشرين قطع الاتصال بهم منذ يوم الأحد، غير بعيد من المنطقة نفسها، لكن لا يوجد أي دليل مؤكد حتى الآن على أن الجثث التي تم العثور عليها تعود للموريتانيين المفقودين، فالرجل الذي عثر على الجثث لم يستطع التعرف على أي جثة من جثث أقربائه المفقودين”.
ولم يستبعد مدير “الطوارئ” أن يكون القصد من هذه القضية التأثير على العلاقات بين موريتانيا ومالي، خاصة في هذه الفترة.
وتأتي هذه الحادثة يوماً واحداً بين إصابة مواطنين موريتانيين اثنين بجروح بالغة، وهما من أصل ستة موريتانيين كانوا قد تعرضوا السبت الماضي، لإطلاق نار من دورية من الجيش المالي برفقتها وحدة من مقاتلي “فاغنر” الروسية، في منقطة داخل الأراضي المالية.
وقالت المصادر “إن الموريتانيين الستة كانوا في منطقة “الشيخ أحمد” المالية، حين وقعوا في مواجهة مع دورية من الجيش المالي برفقتها وحدة من مقاتلي “فاغنر” الروسية.
وأكدت أن مقاتلي فاغنر بادروا إلى إطلاق النار على الموريتانيين، قبل أن يتوقفوا عن ذلك إثر تبين هويتهم بتأكيد الجنود الماليين للمقاتلين الروس بأن “هؤلاء الأشخاص موريتانيون مسالمون”.
وسمح الجنود الماليون لأحد أفراد المجموعة بنقل المصابَين الاثنين إلى مدينة عدل بكرو الموريتانية لتلقي العلاج، فيما أوقفوا الثلاثة الآخرين، ومعهم مواطنون ماليون ينحدرون من منطقة أزواد شمال مالي.
ولم تصدر أي تصريحات عن الجيش المالي حول هذه الحادثة، التي تأتي بعد أكثر من شهر على مقتل سبعة موريتانيين داخل الأراضي المالية، في حادث أثار غضب الموريتانيين.
وفي الخامس من فبراير الماضي، أعلن الجيش المالي أنه أفرج عن 16 مواطناً موريتانياً أوقفتهم دورية تابعة له، قبل أيام، مشيراً إلى أنه أوقفهم فقط من أجل حمايتهم لا للاشتباه بهم.
وأكد بيان للجيش المالي آخر شهر فبراير المنصرم، أنه سلم إلى سفارة موريتانيا في باماكو اثنين من رعاياها يشتبه في انتمائهما للجماعات المتطرفة.
ووفق ما ورد في البيان، فقد اعتقل الشخصان المذكوران أثناء عملية للجيش المالي بولايات سيغو وموبتي.
وفي توضيحات لـ “القدس العربي” عن هذه الأحداث، أكد المختار آبكه، الخبير في قضايا الساحل والصحراء، “أن موريتانيا تواجه تحديات أمنية على حدودها لأنها ستكون وجهة لعناصر القاعدة وغيرها من التنظيمات الفارين من إقليم ازواد وشمال مالي بعد اشتداد ضربات الجيش المالي وحليفته فاغنر”.
وقال: “حسب وجهة نظري، فإن الجيش الموريتاني وبفضل خبرته فى مكافحة الإرهاب واستفادته من دروس اكتوائه بناره، سيتصدى لتلك الجماعات، إلا من دخل منهم رفقة النازحين وتحت غطاء اجتماعي بسبب تداخل السكان على الحدود”.
وأضاف الخبير: “لقد أنشأ الجيش الموريتاني سنة 2014، كتائب متخصصة ومسلحة تسليحاً قوياً أشاد بها العسكريون والخبراء الغربيون، وهي جديرة بالثقة وكفيلة بالتصدي للإرهابيين”.
وحول دور فاغنر في هذه التطورات، قال الخبير مختار آبكه، مدير معهد الساحل للدراسات الأمنية: “إن فاغنر شركة أمنية روسية تضم الآلاف من المرتزقة المنحدرين من الدول الإفريقية والآسيوية ومن أمريكا الجنوبية، وعناصرها منتشرون فى شمال مالي وخاصة في أماكن التنقيب عن الذهب واليورانيوم، ولديها أسلحة متطورة وأجهزة تكنولوجية حديثة، وعناصرها مدربون تدريباً عالياً. وحسب المراقبين، فإن عناصر فاغنر يبسطون سيطرتهم على أغلب قرى ومدن شمال مالي، وهو ما يفسر بحث عناصر الحركات الجهادية عن مناطق يتخذون منها مراكز تجمع جديدة”.
وحول تأثر المهادنة بين موريتانيا والحركات الجهادية، قال الخبير المختار: “ما يسمى بالهدنة وأسميه أنا بالمتاركة، أصبح من الماضي؛ وذلك لأسباب أهمها أن من عقدها (الرئيس السابق ولد عبد العزيز) إن كانت عقدت، قد غادر كرسي الحكم، ومن عقدت معهم من قادة الجماعات المتشددة آنذاك فإما أنهم قتلوا أو اختفوا، كما أن الجماعات تكاثرت كالفطر فى منطقة الساحل والصحراء، ولم يعد بالإمكان عقد اتفاق مع أي منها”.
وقال: “لقد أدى وجود الشركة الأمنية الروسية إلى تضييق الخناق على الجماعات المسلحة، مما جعلها تبحث عن مأوى بديل عن شمال مالي، ولن يكون هذا المأوى سوى موريتانيا”.