حين أكمل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني عامه الأول في الحكم، شهر أغسطس 2020، اختار المهندس محمد ولد بلال وزيرًا أولَ، وكلفه بتشكيل حكومة جديدة، كان البلد حينها يستعد للخروج من جائحة كورونا وإطلاق ما سُمي آنذاك “الإقلاع الاقتصادي”، ولكن الأزمات المتلاحقة عصفت بحكومة المهندس وبقيت الكثير من المشاريع عالقة.
الواضحُ أن ولد الغزواني وهو يقلب ملفات المرشحين لقيادة حكوماته المتعاقبة، يفضل المهندسين على غيرهم، فأول وزير أول له كان المهندس إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا، الذي غادر الوزارة الأولى بعد عام واحد من تعيينه، تاركًا على مكتبه برنامج “أولوياتي الموسع”.
كان البرنامجُ مفصلًا ويراد منه أن يكون انطلاقة ما سمي آنذاك بالإقلاع الاقتصادي، وقد أثار إعجاب الممولين وشركاء التنمية، ولكن تنفيذه على أرض الواقع واجه عراقيل كثيرة، من أبرزها المشاكل الهيكلية في الإدارة الموريتانية والبطء في اتخاذ القرارات.
ولد بلال وهو يتسلم مهامه من ولد الغزواني يوم السادس من أغسطس 2020، كان صريحًا حين قال للإعلام إن مهمته هي “تنسيق العمل الحكومي”، أي أنه لم يكن مكلفًا بوضع برامج أو خطط حكومية جديدة، فالهدف الأوحد كان واضحًا ومحددا؛ إنه تنفيذ برنامج “أولوياتي الموسع”.
ولد بلال البالغ من العمر 59 عامًا، ينحدر من منطقة كرمسين (امبلل)، جنوب غربي موريتانيا، تخرج من الجامعات الجزائرية عام 1990 مهندس مياه، قبل أن يبدأ مساره المهني عام 1991 منسقاً جهوياً للبرنامج الوطني للمشاريع الصغيرة «الغذاء مقابل العمل» بولاية لعصابة، ثم أصبح عام 1993 رئيساً لمصلحة الدراسات والبرمجة بإدارة دعم التنمية بمفوضية الأمن الغذائي، وعين عام 2000 مديراً مساعداً بمفوضية الأمن الغذائي مكلفاً بمحاربة الفقر.
وفي عام 2001 عمل ولد بلال خبيراً استشارياً في وكالة التنمية الحضرية، قبل أن يصبح عام 2002 مدير البنى التحتية بنفس الوكالة، وهو المنصب الذي بقي فيه حتى دخوله الحكومة عام 2007 وزيراً للتجهيز والإعمار والاستصلاح الترابي، ليعمل في حكومة الزين ولد زيدان خلال حكم الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
يعد ولد بلال من المسؤولين غير الملطخين بملفات فساد، بل إنه عين خلال حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز مديراً للشركة الموريتانية للكهرباء (صوملك) لفترة قصير، قيل إنه اختلف فيها مع طريقة تسيير الصفقات العمومية في الشركة.
كان تعيين ولد بلال منطقيًا من الناحية الاجتماعية والسياسية، خلال الظروف التي مر بها البلد منتصف عام 2020، في ظل الحديث عن ملفات الفساد، والرغبة العارمة من طرف الموريتانيين بتعيين أسماء جديدة، خاصة وأن العديد من الوزراء والمسؤولين في الحكومة التي سبقته كانت أسماؤهم قد وردت في ملفات العشرية، أو على الأقل تحوم حولهم بعضُ الشبهات.
تغيرت المعطيات منذ ذلك الوقت، فلم يعد ملف العشرية في الواجهة، وأصبح الحديث منصبًا على تأخر المشاريع الحكومية، التي تعهد بها ولد الغزواني للناخبين الموريتانيين، وهي مدونة في برنامجه الانتخابي “تعهداتي”، وفصلت أكثر في برنامج “أولوياتي الموسع”.
كان ولد بلال أقرب إلى فئة “التكنوقراط”، ولكنه افتقد التكوين والشراسة السياسية، وذلك ما يتضح من مساره الوظيفي، وهو ما كان يؤخذ عليه طيلة أكثر من عام ونصف على رأس الحكومة، في بلد تعود على نمط من الحكم يتخلى فيه الرئيس عن قدر محدود من النفوذ والسلطة لصالح الوزير الأول.
مُنح ولد بلال الكثير من المساحة الإعلامية، وترك له ولد الغزواني حيزًا مهما من الأضواء طيلة فترة قيادته للحكومة، ولكن ذلك الحيز لم يترجم على شكل “نفوذ”، وبقي الكثير من الوزراء التابعين له نظريًا، غيرُ تابعين له فعليًا، وبالتالي وقعَ خلل في “تنسيق العمل الحكومي”.
وهكذا سحبت المفتشية العامة للدولة نحو الرئاسة، وتحدث ولد الغزواني الأسبوع الماضي عن الاختلالات في الإدارة الموريتانية، فكانت إشارة واضحة إلى أن مهمة “إصلاح الإدارة” التي كلف بها ولد بلال لم تكلل بالنجاح.