هل سيَحدُث العكس ويُطيح “أبو علي” بوتين بنظيره الأمريكي بايدن ويُغيّر الحُكم في واشنطن.. وزيلينسكي “فوق البيعة”؟ ولماذا لا نستبعد ذلك؟
أثار الرئيس الأمريكي جو بايدن ضجّةً كُبرى يوم السبت الماضي عندما قال في خطابٍ “عاطفيّ” ألقاه في وارسو “إن فلاديمير بوتين لا يُمكنه البقاء في السّلطة”، الأمر الذي فسّره الكثيرون بأنّه يعني وجود مُخطّط أمريكي “لتغيير النظام في موسكو والإتيان برئيسٍ جديد مُوالي للغرب”.
البيت الأبيض وفي ثلاثة تصريحات توضيحيّة صدرت عن المُتحدّثين النّاطقين باسمه، إلى جانب بيانات أخرى عن نُظرائهم في وزارة الخارجيّة، بادر سريعًا إلى التّأكيد “بأنّ الإدارة لا تسعى مُطلقًا إلى تغيير النظام في روسيا، وأن الرئيس بايدن “خرج عن النّص، وأن هذه العبارة لم تكن مكتوبة في الخِطاب الرسمي”، حتّى كأنّ أمريكا قادرة على الإقدام على هذه الخطوة ولكنّها لا تُريدها.
***
الرئيس بايدن، ناقض كُل هذه “التّرقيعات” وتمسّك بهذه العبارة يوم أمس الاثنين، وقال إنه كان يُعبّر عن غضب يَشعُر به من النّاحية الأخلاقيّة، بالنظر إلى تطوّرات الأزمة الأوكرانيّة، واقتِحام الدبّابات الروسيّة.
تغيير الأنظمة عبر الانقِلابات العسكريّة، واليساريّة منها على وجه الخُصوص، في أمريكا اللاتينيّة أثناء الحرب الباردة، بإشراف وكالة المُخابرات المركزيّة الأمريكيّة “سي آي إيه” كان سياسة رسميّة أمريكيّة، والأمثلة الدّامغة كثيرة، وفي عام 1998 تبنّى الرئيس بيل كلينتون قرارًا للكونغرس بإطاحة الرئيس العِراقي صدام حسين، تبنّاه الرئيس جورج بوش الابن الذي خلفه في الحُكم عام 2001 عندما غزَا العِراق مِثل هذه الأيّام عام 2003، وبتحريضٍ من صُقور المُحافظين الجُدُد، ومُعظمهم من اليهود الصّهاينة، تلبيةً لطلبٍ إسرائيليّ، وسار الرئيس باراك أوباما على الدّرب نفسه بدعم ما يُسمّى بثورات الربيع العربي، لنشر “الفوضى الخلّاقة” وتغيير الأنظمة في مِصر، وتونس، واليمن، وليبيا، وسورية عام 2011، وفي عهد دونالد ترامب حاولت الإدارة الأمريكيّة تغيير النّظامين الإيراني والفنزويلي عبر تبنّي المُعارضة في البلدين، وفرض عُقوبات “شرسة” لتقويضهما من الدّاخل وإشعال فتيل المُظاهرات، وكان جون بولتون مُستشار الأمن القومي الأمريكي في حينها، رأس حربة في هذا المُخطّط الذي تبنّاه وروّج له وزير الخارجيّة جورج بومبيو، ولا ننسى مُشاركته في مُؤتمر المُعارضة في باريس وتعهّده بعقد المُؤتمر القادم بعد عام في طِهران.
الرئيس بايدن كان يعني كُل كلمة تلفّظ بها عندما قال “إن الرئيس بوتين لا يجب أن يبقى في الحُكم”، لأنّه لم يُخفِ هذه الرّغبة مُنذ اليوم الأوّل لوصوله إلى البيت الأبيض، عندما وضع روسيا على قمّة قائمة الأعداء، وهو الذي يقف خلف تصعيد الأزمة الحاليّة في أوكرانيا لجرّ الرئيس بوتين إلى مِصيَدتها تمامًا مثلما جرّ سلفه الجُمهوري جورج بوش الأب صدام حسين إلى مِصيَدة الكويت.
وربّما يُفيد التّذكير بأن بايدن كان من أبرز المُؤيّدين لغزو العِراق، وتقسيمه إلى ثلاث دول، تطبيقًا لنظريّة الصّهيوني برنارد لويس، ولهذا ليس غريبًا عليه أن “يحنّ” للعودة إلى استراتيجيّة تغيير الأنظمة، وخاصَّةً في روسيا، بعد فشل تهديداته بالعُقوبات “الشّرسة” و”غير المسبوقة” في ردع الرئيس بوتين، ومنعه من اجتِياح قوّاته للأراضي الأوكرانيّة قبل أكثر من شهر.
***
غباء الرئيس بايدن الأكبر يتجلّى في اعتِقاده بأنّ الرئيس بوتين يُسَهّل الإطاحة به بالطّريقة نفسها التي أطاحت فيها بلاده بالرؤساء في ليبيا والعِراق واليمن وتونس ومِصر عبر زعزعة الاستِقرار الدّاخلي من خِلال العُقوبات التجويعيّة وتوظيف المنظّمات غير الحُكوميّة “N G O”، ولكن حِساباته جاءت خاطئة، وأعطت نتائج عكسيّة بالنّظر إلى تطوّرات الأوضاع في الدّاخل الأوكراني، وتراجع فولوديمير زيلينسكي الرئيس الأوكراني الذي أدرك حجم الخديعة التي أوقعه الأمريكان فيها، واستِعداده للرّضوخ للمطالب الروسيّة بعدم الدّخول في حلف الناتو، وتحويل أوكرانيا إلى دولةٍ مُحايدة على غِرار السويد والنمسا، وعدم إنتاج أو استِضافة أيّ أسلحة نوويّة أو صواريخ باليستيّة على أراضيها، ناهِيك عن تعثّر العُقوبات في يومها الأوّل، والصّحوة الأوروبيّة لـ”الخازوق الأمريكي”.
الرئيس بوتين هو الذي قد يُطيح بالرئيس بايدن، وحزبه الدّيمقراطي، مثلما ساهم بدَورٍ سيبراني خطير حسب بعض الوثائق، بالإطاحة بالسيّدة هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسيّة قبل الأخيرة، والإتيان بـ”صديقة” ترامب إلى البيت الأبيض.. والأيّام بيننا.