مما لا شك فيه ان اول رئيس للجمهورية يأخد على عاتقه وبشكل جدي لامراء فيه ملف مكافحة الفسادومحاربته بعد الرئيس المؤسس المختار ولد داداه ، هو الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فكل ماعدا ذلك من الرؤساء يتخذون فقط من الإصلاح شعارا حتى اصبحت النخبة السياسية هي الأخرى تعتبره فقط شعارا ومن ثم اصبح المجتمع هو الآخر، يرى ان مكافحة الفساد موضوع يتجدد مع كل استحقاقات ، ليختفي بعد ذلك مباشرة، بل واكثر اصبح وفي كثير من الأحيان كلمة حق أُريد بها باطل، فلا يلجأ له الحكام الا لضرورة قصوى تتمثل في الأساهداف وإسكات المعارضين والكيل بمكيالين لتصفية الخصوم وتكييف التهم الجاهزة ، وقد انتشرت هذه الظاهرة كثيرا في عهد العشرية السوداء ، لكن ومع ذلك فرب ضارة نافعة فالفساد في العشرية لم يكن منتشرا بشكل افقي ، بل انه تركز فقط في قمة الهرم دون ان يتسلل الى الوسط ثم الأسفل ، وهذا يجععل مكافحته اكثر سهولة على القمة الحالية للهرم لأنها قمة لاتشوبها شائبة ، ولديها إرادة صادقة وعزيمة لاتلين على كسر شوكة الفساد واقتلاعه من جذوره، على قاعدة الرعية على قلب الأمير، فكل القرارات المتخذة في الآونة الأخيرة تدل على ان الرئيس بدأ حربا لاهوادة على الفساد والمفسدين ، بدء باتخاذ قرار بتبعية مفتشية الدولة الى رئاسة الجمهورية مما يُضفي الكثير من المصداقية على عملها ويدي من اهميتها، ويتيح للرئيس متابعة عملها وتقاريرها اولا بأول، ثم بعد ذلك اختيار شخصية نظيفة لاتشوبها شائبة، وذات كفاءة عالية، الحسن ولد زين، بعدذلك اعطى الرئيس إشارة الضوء الأخضر لهذه المفتشية ، من اجل اعداد خطة شاملة تستطيع ان تكون كفيلة برقابة قبلية وبعدية لتسيير المال العام، دون ان يترك اي مجال للخطأ في ذلك، لكن ورغم عزيمة الرئيس وتضافر الجهود المختلفة ، فإن مكافحة الفساد على هذه الأرض يصطدم بعوائق ومطبات بنيوية، يصعب تذليلها مع انه ممكن ، "إن الله لا يُغيِّر ما بقوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم" الآية، ويمكن تقسيم هذه العوائق الى :- - عوائق تتعلق بالمجتمع نفسه ، فالمجتمع يتحدث جميعا عن الفساد والمفسدين وينبذ هذه الظاهرة المتخلفة ، ولكن مع ذلك ليس مستعدا لكثير من التضحيات ،فالفرد والجماعة مستعدون للإنخراط في اي حرب على الفساد طالما انها لاتمس المصالح الشخصية . - الطبقة السياسية والإعلامية ليستا جاهزتين على مايبدو للقضاء على ظاهرة الفساد ، فالحل في هذه المعضلة دائما مؤجل الى أجل غير مسمى ، ليبقى شعارا يُردد في كل وقت وحين وسيفا معلقا على رقاب الحاكمين دون المساعدة الفعلية بتصور واضح والدخول حملة حقيقية لإشتثاث جيوبه، بل والأدهى والأمر ان عمل تقوم به المفتشية في سبيل الإصلاح يُواجه بحملة مغرضة للتنقيص من عملها والتشكيك فيما تقوم به مختلف وسائل التفتيش ، التي تقوم بعمل جبار في جو يطبعه التعقيد والتدليس وعدم الكفاءة في التسيير بمختلف المرافق المستهدفة بالتفتيش. - العائق الثالث والأخير يتمثل في كون الفساد باض وعشعش طوال العشرين سنة الماضية ، مما يجعل مهمة القضاء عليه تستغرق الكثير من الجهد والوقت.