الهدف من هذه الرسالة هو محاولة تسليط الضوء قليلا على اكتتاب الشركة الوطنية للكهرباء الذي نظمته مؤخرا بغية اكتتاب 70 إطارا بين مهندسين وفنيين عاليين، والذي تعتبر نتائجه "كلمة حق أريد بها باطل".
الهدف هنا ليس طبعا الطعن في النتائج التي من المحتمل تماما أن لا يكون حالف 96.7% من المشتركين فيها (أكثر من 600 مهندس وفني عالي) الحظ لتجاوز الامتحان الكتابي فيها، وطبعا المشكلة ستوجه لهم، وسيحملون مسؤولية إخفاق شركة وطنية عمرها يزيد على 35 عاما وما زالت عاجزة عن طرح آلية موضوعية تمكنها من اكتتاب نسبة قليلة من الكفاءات التي تحتا جها رغم اعتمادها على خبرائها من الدول الشقيقة كما أكدت في أحد البيانات الصادر عنها عقب المسابقة.
فقط للتذكير وحسب العديد من الدراسات فإنه من أكثر وأهم المهارات المطلوبة في سوق العمل وذلك حسب المشغلين الأكثر إنتاجية ومردودية تتلخص في المهارات التالية بالنسبة للمهندسين والفنيين العاليين:
- تصميم وفهم واستخدام الرسومات والمخططات، والقدرة على استخدام التكنولوجيا الحديثة
- التفكير التحليلي والنقدي
- مهارات التواصل والعمل مع الآخرين كفريق
- مهارات التعلّم النشط وعقلية النموّ واكتساب مهارات جديدة
- الإنتاجية العالية والسرعة في الإنجاز
- القدرة على التخطيط ووضع الأهداف وصياغة مؤشرات تمكن من متابعة تحقيقها
- المهارات القيادية والقدرة على اتخاذ القرارات
من هنا أجد من الوارد طرح هذا السؤال على الشركة وخبرائها في مجال اكتتاب المصادر البشرية، كيف استطاعوا التحقق من كل هذه المهارات وغيرها من خلال بعض التمارين التي تم نسخها ولصقها بطريقة بدائية، وتم تصحيحها بطريقة غريبة أقصت 96.7% من المتسابقين دون التحقق من كفاءتهم أو من عدمها؟
طبعا النجاح في هذه المسابقة يبدو أنه كان صعبا رغم سهولة بعض المواضيع وبساطتها ورغم خروج بعضها عن مجال التخصص المطلوب بنسبة تفوق أحيانا 80% ورغم تركيز بعض المواضيع أحيانا على جزيئية صغيرة من تخصص كبير.
في بعض الأحيان النجاح في الموضوع لم يكن يتطلب أكثر من تذكر بعض المعادلات التي عهد المتسابقون تطبيقها بشكل نظري أثناء الدراسة في إطار تحضير إحدى المواد ضمن ما يزيد على 50 مادة درسوها في إطار التخصص كل حسب تخصصه وتمكنوا وقتها من النجاح فيها بتفوق في أغلب الأحيان ومن مختلف الجامعات أثناء فترة الدراسة.
المواضيع التي لم توفق الشركة وخبرائها من الدول الشقيقة من نسخها ولصقها من محرك البحث كوكل بطريقة تتناسب مع ما حاولوا إظهاره من ملائمة تلك المواضيع مع واقع الشركة ومتطلباتها وإسقاطهم على الواقع في موريتانيا، فمثلا في إحدى التخصصات حاولوا ربط الموضوع بواقع إحدى ولايات الوطن في الداخل والتي اكتشف المتسابقون أنها تتعامل بالأورو كعملة محلية من خلال موضوع الامتحان.
المواضيع التي طرحت في المسابقة في غياب أطر مرجعية تفكك معالهما حلها لم يكن يحتاج أكثر من قليل من الولاية ليكتشف من خلاله المتسابقون في أي مجال سيمتحنون وفي أي المواد من تلك التي مروا بها خلال مسارهم الأكاديمي (والتي تصل قرابة 50 مادة في أي تخصص هندسي وقرابة 30 مادة في أي تخصص فني عالي) ليحضروه تحضيرا يمكنهم من تذكر بعض القواعد النظرية البحته وتطبيقها بشكل مباشر للوصول للحل المناسب دون أن يتيح ذلك الفرصة للتعرف على مختلف المهارات التي من المحتمل أن أغلب الشباب اكتسبها من خلال معترك سوق العمل ومقتضياته والتي حتما أكثر مردودية على الشركة من حفظ قاعدة وتطبيقها والاستعانة بالحاسبة للتطبيق الرقمي.
لكن للأسف واقعية سوق العمل أملت على مختلف الشباب المهندسين والفنيين المشاركين في المسابقة مهارات أخرى تعتمد في أصلها على الأسس النظرية والقواعد التي تجاوزوها في مراحل مسارهم الأكاديمي بنجاح ومن مختلف الجامعات في العالم وبجدارة في أغلب الأحيان وإلا لما تمكن ما يقارب 700 مشارك بين مهندس وفني من الحصول على الشهادة لكن في حقيقة الأمر أن التطبيق والممارسة في مختلف التخصصات تتطلب أدوات وبرمجيات ومناهج وطرق للتعامل مع المشاكل الفنية شغلت مختلف المتسابقين من العض بالنواجذ على مختلف الدروس النظرية التي مروا عليها في مختلف الجامعات عبر العالم.
إذا، كخلاصة أولى أستغرب كيف يمكن أن يكون غير مؤهل للنجاح أكثر من 600 إطار عال لشغل مناصب في شركة في أمس الحاجة لهم بحجة أنهم لم يوفقوا في اجتياز امتحان كتابي يفتقد لآلية واضحة وموضوعية في الطرح والتصور والتصحيح ويعتمد على أشخاص ربما يكون من مصلحتهم عدم الاستقلالية الفنية للشركة بطاقم وطني شاب قد يساهم حتما في تغيير حالها الذي سنتعرض له - وسد الفجوة الكبيرة المسجلة في الأطر والفنيين العاليين.
لو تطرقنا قليلا لتشخيص واقع الشركة الوطنية للكهرباء والتي يعهد إليها مهمة إنتاج وتوزيع الكهرباء في الوطن والذي تغطي مته حتى الآن 58 مدينة وعشرات القريات في الداخل حيث تدير ما يقارب من 335000 مشترك من خلال 72 مركز، سنجد أن المصادر البشرية التي تعتمد عليها الشركة نسبة 70% منها (ما يزيد على 1600 عامل) هم عمال غير دائمين 30% المتبقية تمثل نسبة المهندسين والفنيين فيها النسبة الأقل.
نتائج هذه الوضعية المأساوية للكادر البشري للشركة باتت جلية فبعد أكثر من 35 عاما من إن شاء هذه الشركة ما زالت غير قادرة - فقط على سبيل المثال لا الحصر - على:
- تنظيم اكتتاب بسيط لـ 70 إطارا لدرجة الاستعانة بخبرات أجنبية من دول شقيقة
- صيانة وتسيير أهم المنشآت الفنية للشركة بطاقمها الخاص بنسبة 100%
- صيانة بعض المعدات البسيطة كالمحولات وبعض المولدات دون اللجوء إلى مناقصات لاكتتاب شركات أخرى للقيام بالمهمة
- غير قادرة على كتابة وصياغة دفتر التزامات وملفات مناقصة لبعض مشاريعها
- غير قادرة على تنفيذ ومراقبة بعض مشاريعها البسيطة دون اللجوء إلى مناقصات لاكتتاب مكاتب مراقبة وشركات نتفيد خارجية
طبعا السبب واضح هنالك جهات متنفذة في الشركة وخارجها - كما هو الحال في بعض المؤسسات الخصوصية والعمومية الأخرى – تسعى وتهدف دائما إلى تسويق وإبراز أن الوطن يفتقد للأطر وأن الكثير من التخصصات المطلوبة في سوق العمل غير متوفرة وأن الشباب الموريتاني يفتقد للكفاءة المطلوبة جاعلين من ذلك مبررا لعدم الاكتتاب ولإبعاد الكفاءات الشابة وتقزيمها لأنهم لن يرضوا بالممارسات الغير مسؤولة التي دأب بعض المسؤولين على نهجها للأسف. فحضور الشباب من مختلف التخصصات بكثرة سيحول دون الكثير من تلك التصرفات والتي منها اكتتاب خبرات أجنبية في صفقات مشبوهة تعود بالنفع على جيوب خصوصية وتعود بالكثير من الخسارة المالية على الشركة وعلى الوطن.
فقط للتذكير فهؤلاء الشباب الذي لم يتسن لهم النجاح في تجاوز الامتحان الكتابي حسب شركة صوملك وخبرائها في مجال اكتتاب المصادر البشرية من بعض الدول الشقيقة. هم خريجوا نفس الجامعات والمؤسسات التي أنتجت مصادر بشرية شابة يعتمد عليها في اسنيم (SNIM) وتازيازت وشركات ومكاتب دولية أخرى، وأحيانا ينتدبون لحل مشاكل شركة صوملك التي لم تسمح بتجاوز أكثر من 3.2%من المتسابقين.
هؤلاء الشباب هم نفس الشباب الذين يغذون القطاع الخاص بجهدهم وفكرهم في وضعية غير قانونية في أغلب الأحيان أرغمتهم ظروف الحياة على ذلك فرأوا في اكتتاب صوملك فرصة لخدمة وطنهم في ظروف تكفل لهم حقوقهم من عقود وضمان صحي ...إلخ. فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار.
يذكر أن القطاع الخاص وبمجهودات هؤلاء الشباب يدعم شركة صوملك في تنفيذ بعض مشاريعها الفنية التي عجزت عن القيام بها لافتقداها للعنصر البشري الكافي والذي هو محور كل تنمية ونهضة.
ختاما، ومن خلال هذه الرسالة أردت إيصال صوت بعض الشباب حول هذا الاكتتاب وتنبيه المدير العام والذي عبر في عدة خرجات إعلامية له عن عزمه إصلاح الشركة بتركيزه على الكادر البشري.
السيد المدير العام،
الأمر بيدك فانظر ماذا أنت فاعل ولا يغرنك كلمة حق أريد بها باطل فيوهموك أن الشفافية وتدني المستويات وعدم موائمة التخصصات مع حاجة الشركة هما المانع من اكتتاب جميع الأطر المطلوبة في إعلان الاكتتاب، وفي الحقيقة إن كل تلك الادعاءات مجرد كلام حق أريد به باطل.
والسلام