لو نظم استطلاع للرأي عن نيات الناخبين في الانتخابات المرتقبة في بلدنا لعبرت
عن نية التصويت للأغلبية؛ ليس إعجابا بما حققته من إنجازات؛ فقد كفانا رئيس
الجمهورية مؤونة تقييم أدائها حين عبر بلطف يبطن مرارة وامتعاضا عن خيبة
أمله في هذا الأداء في مناسبات عدة؛ ممثـلة في شقيها الوزاري والإقليمي؛ رغم
توفر الصلاحيات والوسائل؛ وإنما أبيت نية التصويت تـثـمينا لما ميز ما مضى من
هذه المأمورية من وئام تأرجح بين إجماع عـلني أو سكوتي أشادت به معظم
مكونات الطيف السياسي؛ رغـم ما شابه من تواضع في الإنجاز؛وما يـثـار حوله
من شبهات فساد.
هذا المكسب النبـيل مثـل سابقة محمودة في البلـد منذ بدء مسار التعددية لدينا في
تسعينيات القرن الماضي .
ولاشك أن رصيدا معتبرا من دماثـة الأخلاق ونضج التجربة أسس له ؛ لكن
صيانته تحتاج إلى عدالة نافذة وحازمة تأخذ على يد الظالم؛ وتنصف المظلوم؛
وتدك حصون الفساد دكـا، لا تخشى في ذلك لومة لائم.
ثم إننا ــ ونحن مقبـلون على انتخابات محلية وجهوية وتشريعية ـــ مدعوون إلى
استخلاص العبرة من حقيقة أن ما نتعاطاه في بلدنا ويتعاطاه غيرنا من مستعمرات
سابقة ليس ديمقراطية بالمفهوم القانوني الموضوعي ؛ الذي يمارسه مصدروها
فيما بينهم لتسيير شأنهم العام؛ هيهات !.
ما نمارسه نحن نسخة معدلة تستجيب لمطلب شكلي قانوني خارجي يحتاجه
الكبار: المانحون والشركاء الاقتصاديون لتبرير معاملاتهم المالية الخارجية أمام
رأيهم العام الذي يحترمونه ويخشون حسابه؛ يضاف إلى ذلك ما يترتب على تـلك
المعاملات من مزايا سياسية إقليمية ودولية؛ هم بأمس الحاجة إليها .
نحن إذن ضحايا الديمقراطية في حالتيها؛ المعـدلة والأصلية ؛ إذا تشبـثـنا بها كما
هي في نسختها الأصلية أفضت بنا إلي الخروج عن بيت الطاعة وذلك خط أحمر لا
سبيل إليه ؛ وإذا اعتبرناها لعبة مصالح بينية محلية مطلوبة لغيرنا ؛قد يترتب
عليها بعض المزايا الإيجابية من تفاعل وأخذ وعطاء وتغيـير إيجابي إذا أحسنا
اللعبة، لكن شططا ما غيرمحسوب من أحد لأطراف قد يحرف الأمور عن مسارها
الملائم؛ { فاعتبروا ياؤولي الأبصار}.
فهناك متربصون يستثمرون في مآسي الشعوب ويتربحون من مشاكلها
ولايعدمون بينكم {سماعون لهم} فانتبهوا وخذوا حذركم،
ذلك ما تعلمناه جليا من خلال التجارب المرة التي مزقت شعوبا شقيقة من حولنا
هي أعرق منا حضريا وأغنى منا تجربة وأكثر تجانسا و{ٱكثر مالا وٱعز نفرا} .
إذن علينا أن نعى جيدا مساحة الهامش المتاح لديمقراطيتنا المستنبتة فنحسن
التشارك فيها ونحافظ على الاستقرار الذي هو أغلى ما نملك؛ وسيـظل أهم مكسب
نسعى إليه وندافع عنه ؛ ولا يتأتى ذلك إلا بعدالة على مستوى التحدي؛ بيد أن
المفارقة الغبية تكمن في نهم بعض المحظوظين من كبار الموظفين ورجال
الأعمال و الوجهاء والمنتخبين الذين هم أولى الناس بالمحافظة على السكينة
والانضباط لأن لديهم ما يخافون عليه هؤلاء هم أكثر من تتوجه إليه تهـمـتا
التفريط والإفراط في غياب رادع حاسم، وبين ظهرانيهم من هم مهددون في
أقواتهم وصحتهم وتعليم أولادهم.
{ فليحذر الذين يخالفون عن ٱمره ٱن تصيبهم فتنة ٱويصبهم عذاب ٱليم }
حسبنا الله ونعم الوكيل