جدّد تومويا أوبوكاتا، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بأشكال الرق المعاصرة، في تقرير قدمه للجمعية العامة للأمم المتحدة، تأكيدات له في تقارير سابقة، بأن “العبودية التقليدية، وخاصة تعبيد الأقليات، ما تزال موجودة في موريتانيا ومالي والنيجر بمنطقة الساحل الإفريقي”.
وأكد المقرر الخاص أن “عمالة الأطفال، التي تعتبر نمطاً آخر من أنماط العبودية المعاصرة، موجودة في الدول المذكورة، بل وفي جميع مناطق العالم، ففي آسيا ومنطقة المحيط الهادئ والشرق الأوسط والأمريكيتين وأوروبا، يعتقد وجود ما بين 4 و6 بالمائة من الأطفال الخاضعين لعمالة الأطفال، والنسبة أعلى بكثير في أفريقيا (21.6 بالمائة)، مع تسجيل أعلى معدل في أفريقيا ما دون الصحراء (23.9 بالمائة)”.
وكان المقرر الأممي، الذي زار موريتانيا منتصف شهر مايو الماضي، قد أصدر 22 توصية للحكومة الموريتانية تتعلق بمحاربة الرق، من بينها “إنشاء وحدات معنية بالرق داخل الضبطية العدلية والنيابة العامة في موريتانيا”.
ودعا المقرر “الحكومة الموريتانية إلى اتخاذ خطوات مهمة لتطبيق القوانين ذات الصلة بشكل فعال لمكافحة الرق والاتجار به، وتضمنت التوصيات التي جاءت في التقرير: “إنشاء صندوق مخصص لضحايا الرق، وتسهيل التسجيل المدني لأولئك الذين لا يملكون وثائق مدنية، وضمان المساواة في الحصول على التعليم والخدمات العامة”.
وترى الأوساط المقربة من حكومة موريتانيا “أن موريتانيا مستهدفة منذ سنوات بحملة اتهام بالتستر على الرق يغذيها نشطاء حقوقيون لأغراض سياسية”.
وأكد محمد ماء العينين ولد أييه، وزير التهذيب الناطق باسم الحكومة الموريتانية، في تعليق على الزيارة التي قام بها المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بأشكال الرق المعاصرة، “أن ملف الرق يتم تناوله الآن بكل موضوعية، بعيداً عمّا شهده في الفترات السابقة من شدّ وجذب”، داعيا “إلى ضرورة توخي الموضوعية في تناول هذا الملف والابتعاد عن كل ما لا يخدم مصالح المواطنين والفئات التي عانت من هذه الممارسات”.
وأكد ولد أييه “أن سياسة الحكومة الموريتانية واضحة في مجال مكافحة الرق، وإن اختلفت مع البعض في وصف ما هو موجود أو تقديره”، مبرزا “أن حكومته تولي عناية كبيرة لقضايا حقوق الإنسان واتخذت جملة من الإجراءات الهامة، من بينها مراجعة الإطار القانوني وإنشاء المحاكم المختصة بهذا الموضوع، إضافة إلى الاستعداد للتعامل بجدية مع أي حالة يتم رصدها في هذا المجال في إطار القانون وبطريقة موضوعية”.
وأضاف “أن الجانب الأهم هو إنشاء مؤسسات رصدت لها أموال عمومية كبيرة، لتخفيف مستوى الغبن الذي تعرضت له بعض الفئات في بعض مناطق البلاد، كما أن الحصة التي تحتلها تلك المناطق في سياسة الحكومة كبيرة، إذ تم لصالحها، تنفيذ مشاريع شملت مختلف مناحي الحياة”، ضاربا المثل “بما تقوم به مندوبية “تآزر” (حكومية مختصة في مكافحة آثار الرق والإقصاء)، من بناء المدارس والنقاط الصحية وإنشاء السدود”.
وعرفت موريتانيا، مثل مختلف الأقطار المجاورة لها، ظاهرة العبودية طوال قرون متعددة مضت، وترسخ فيها الرقّ كنسق اجتماعي ينتمي إليه الآلاف من السود الموريتانيين، وذلك تبعا لعوامل اجتماعية وأمنية متعددة في منطقة الصحراء.
ولم تكن موريتانيا استثناء في ذلك، فقد كانت المنطقة كلها سوقا كبيرا لتجارة الرقيق، وكانت السنغال جارة موريتانيا الجنوبية إحدى أهم مراكز شحن العبيد ونقلهم إلى الولايات المتحدة الأميركية.
و يحمل السود الناطقون بالحسانية (عربية ملحونة) في موريتانيا اسم “الحراطين”، وهم قسمان: أبناء وأحفاد العبيد السابقين، وبقايا أبناء قبائل ومجموعات من السكان الأصليين.
و ألغت موريتانيا الرقّ بموجب نصوص متعددة، من بينها الدساتير المتعددة التي تنصّ على المساواة بين المواطنين، فضلا عن القوانين الخاصة بتجريم ومعاقبة مرتكبي هذه الظاهرة.
فبعد قانون إلغاء الإصدر عام 1981، صدر قانون آخر عام 2003 يحرم استغلال الإنسان، قبل أن تعترف الحكومة في عام 2007، باستمرار وجود العبودية، وتصدر قانونا جديدا تميز عن سابقيه بتجريم ممارسة الرق لأول مرة، وأقرّ عقوبات تصل إلى السجن 10 سنوات نافذة، وحظر التلفظ علنا بعبارات مسيئة للأرقاء السابقين.
وفي عام 2015، صدر قانون جديد، وأضيف للدستور تجريم العبودية، واعتبرت في نص الدستور “جريمة ضد الإنسانية” و”لا تسقط بالتقادم”.
ودخل خطاب محاربة الرق في كل البرامج السياسية، وأنشأ الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني وكالة خاصة بمكافحة آثار الاسترقاق والقضاء على مخلفات الفقر والتهميش والحرمان.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ “القدس العربي”