يواصل ساسة ومدونو موريتانيا جدلهم لليوم الثالث ونقاشهم الساخن حول مصير بلدة “لكويرة” الحاضرة الصحراوية الصغيرة المركونة في أحشاء مدينة نواذيبو الموريتانية على بعد سبعة أميال منها.
وكانت لكويرة من ضمن منطقة وادي الذهب التي حازتها موريتانيا بموجب اتفاقية تقسيم الصحراء الموقعة بين موريتانيا والمغرب في أبريل/ نيسان 1976، وبقيت البلدة خاضعة لموريتانيا بعد انسحابها من وادي الذهب بموجب الاتفاقية الموقعة مع جبهة بوليساريو في أغسطس 1979.
وتحولت مدينة لكويرة من نقطة تجارية نشيطة على مدى حقب طويلة تحت علم المستعمر الإسباني، إلى أطلال منسية يغسل المحيط الأطلسي أطنابها بأمواجه التي لا تهدأ، ويسكب على أعتابها دموع الأسى على ما لحق بها من إهمال ونسيان بعد أن كانت قلبا ينبض ورئة تجارية تربط أنفاسها بين شاطئ بحر الظلمات وتخوم جبل طارق.
وتتنازع ملكية لكويرة عدة إدارات: فموريتانيا جارتها الأقرب تحكمها ولن تسلمها بسهولة، ولكن عين المغرب والصحراء عليها من هنا وهناك، فالمغرب يعتبرها عمالة بوصفها ناحية من صحرائه، وجبهة البوليساريو تراها جزءا من الجمهورية الصحراوية.
في هذا الخضم، أشعلت تدوينات لوزير الإعلام السابق محمد أمين الجدل حول لكويرة، عندما دون قائلا “الكويرة ليست موريتانية منذ تخلت عنها موريتانيا طوعا عام 1979، وإذا أراد المغاربة أخذها فذلك أمر لا يعنينا؛ مهمتنا ليست حراسة أراضي الغير، كما هو الحال منذ نيف وأربعين سنة، وإذا أعاد المغاربة الحياة لها فذلك مفيد لنا من الناحية الاقتصادية، وهو يعني وجود موناكو مغربية قرب نواذيبو، وتداعيات ذلك الاقتصادية والسياحية الفاخرة لا يمكن تجاهلها”.
وأضاف “كل ما علينا هو بناء جدار رملي حدودي والتترس خلفه، ليست عندي خشية من المغرب، ولا توجس، ولا أي مصدر قلق”.
وتابع “أنا لا أحب التبلد والغباء خصوصا في السياسة الدولية؛ مثلا: وضع المغاربة لليد على مدينة الأشباح المسماة بالكويرة ليس فيه إلا الخير للجميع، فالمستفيد الأول هم أهل الكويرة أنفسهم الذين يرون ممتلكاتهم تضمحل، والغرقى في الحزن منذ نصف قرن، وستكون فرصة لاستعادة عقاراتهم وأملاكهم المجمدة والمضارب عليها”.
وزاد “البوليساريو سيستفيدون أيضا لأن المغرب سيقوم بتعمير المكان، فإذا آل الأمر إليهم بسبب استفتاء أو بسبب تغير مزاج ملك المغرب، أو تخلى المغاربة طوعيا عن الصحراء بموجب الضغط الدولي، فسيجدون أمامهم مدينة جميلة وجاهزة”.
لم تكد هذه الآراء تنشر على صفحة الوزير ولد أمين، حتى انهالت عشرات التعليقات والردود من موريتانيين ومغاربة وصحراويين، بين المستحسن لها والرافض لها، بل وثمة من اتهم كاتبها بالعمالة للمغرب.
وجاءت تدوينة الضابط السابق محمد كعباش لتصب الزيت على الجدل المشتعل، حيث كتب “موقف الدولة الموريتانية من قضية منطقة لكويرة أوضح من الشمس في رابعة النهار: فأطراف النزاع اتفقت على بقاء لكويرة تحت إشراف السلطات الموريتانية حتى يتم الاتفاق على حل نهائي يتم تسليمها بموجبه إلى من استحقها عن جدارة؛ وموريتانيا لم تفكر يوما في ملكية لكويرة وإلا لكانت وضعيتها الحالية مختلفة، والمغرب لم يفكر يوما في اجتياحها احتراما لبنود الاتفاقيات وحسن الجوار، والموضوع لا يتطلب توضيحا ولا شرحا من محلل سياسي ولا من وزير سابق”.
وعلق أحمد ابات على تدوينات الوزير أمين قائلا “لماذا نسلم لكويرة للمغرب، بل يجب أن نضمها إلى أراضينا فهي موقع استراتيجي لنا”.
ويرى المدون سيدي ببكر عثمان “أنه من المناسب أن تكون لكويرة توسعة طبيعية لمدينة نواذيبو، فنحن أحق بها علما أن المعتمد في الأمم المتحدة هو الاتفاقية الثلاثية الموقعة عام 1975 في مدريد والتي تعطي لموريتانيا ثلث الصحراء الغربية؛ هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية الاستراتيجية والأمنية، فمن غير المقبول وجود دولة قوية في هذا الموقع القريب وبخاصة أن هذه الدولة (المغرب) ما زالت تدعي أننا امتداد طبيعي لها”.
وكتب حبيب الله أحمد أشهر مدوني موريتانيا “هناك من يبثون إشاعات لتسميم أجواء السكينة والتعايش بين موريتانيا والمغرب، وصحيح أن نبرة خطاب الملك الأخير كانت قوية بل لنقل صارمة اتجاه من يتبنى (الحياد) لكن أولوية المغرب بعيدا عن الصخب الإعلامي هي مواجهة موجة انتشار الاعتراف بالجمهورية الصحراوية في افريقيا وأمريكا الجنوبية”.
وقال: “يعرف المغاربة أن موريتانيا يمكن أن تتنازل عن نواذيبو وروصو مثلا قبل التنازل عن لكويرة لأنها رئتها ومتنفسها وضحت بالغالي والنفيس لاستعادتها وحمايتها لاحقا”.
وأضاف “الصحراويون أيضا يقولون إن لكويرة تابعة لهم كما يقول المغاربة تماما.
ولكن عندما يتنازع شخصان على رئة شخص ثالث هي قوام حياته فإن حقه في التنفس والحياة يكون مقدما، وإن أجبراه على استئصالها فسيواجههما حتى بالأظافر ومحار الشاطئ؛ فأن تأخذ لكويرة فانت عمليا أخذت “دخلت نواذيبو” بكل البراري والشطآن والأجواء، ويتفهم المغرب حساسية الموضوع ويفهم حاجته لعلاقات قوية مع موريتانيا كما عليه الأمر الآن، فأوراق موريتانيا في الوضع الإقليمي كثيرة ولن تغرق وحدها في النهاية”.
وتابع “ثمة غضب جزائري دفين ليس في صالح المغرب إثارته فللجزائر قبل القفازات عضلات هي الأقوى إقليميا، وثمة أزمات قد يكون تصديرها كارثيا على كل دول وشعوب المنطقة؛ وثمة خلف هذه اللوحة صراع دولي قوي على النفوذ خاصة بعد دخول إسرائيل وروسيا وإيران على الخط وتخبط الدور الفرنسي في شبه المنطقة”.
عبد الله مولود
نواكشوط- “القدس العربي”