يتواصل في موريتانيا حالياً نقاش حاد حول إعلان وزارة التهذيب الوطني عن بدء إجراءات جديدة لمواكبة افتتاح العام الدراسي 2022-2023، باستقبال جميع تلاميذ السنة الأولى الابتدائية في المدارس العمومية دون الخصوصية تنفيذاً لتعهد انتخابي رئاسي سابق بإقامة المدرسة الجمهورية الموحدة.
ويمارس التعليم الابتدائي بموريتانيا منذ عقود، في نمطين دراسيين متوازيين هما الحكومي والخاص، وهو ما اعتبره الكثيرون تكريساً لانقسام بين الأطفال الموريتانيين، وتعزيزاً سلبياً للتفاوت الطبقي، وإضعافاً للتعليم العمومي.
وكان الرئيس الغزواني قد تعهد في برنامجه الانتخابي قبل ثلاث سنوات «بإنشاء مدرسة جمهورية تعزز قيم الوحدة واللحمة الوطنية وتسهم في صناعة أجيال وطنية موحدة».
وأعلنت وزارة التهذيب الوطني، أمس، عن تكليف المديرين الجهويين للتعليم بتنفيذ القرار الجديد على أرض الواقع، بعد المصادقة عليه من طرف البرلمان في تموز/ يوليو الماضي.
وأثار هذا القرار جدلاً بين السياسيين والمهتمين بإصلاح التعليم، حيث رحب به الموالون بينما اعتبره خصوم النظام قراراً غير دستوري.
ورحب وزير الإعلام السابق سيدي محمد ولد محم، بالقرار وكتب مدوناً عنه: «لأول مرة منذ عقود، يستقبل التعليم العمومي كل تلاميذ الصف الأول الابتدائي في خطوة تهدف إلى المساواة والدمج وأن تكون المدرسة رمز بناء تماسك المجتمع ووحدته».
وعلق الأستاذ والباحث الدكتور عبد الله محمد سالم، رئيس بيت الشعر، على القرار مؤكداً «أنه يثمن أي خطوة نحو عمومية التعليم القاعدي وإلزاميته ومجانيته لمسوغات عدة بينها أن ضعف مستويات التعليم، وانهيار منظومة القيم الأخلاقية، وارتفاع وتيرة الحقد والبغضاء بين مكونات المجتمع، مع أمور أخرى، كل هذا يعتبر نتيجة من نتائج تربيتنا القاعدية، بما تقوم عليه من فوضى، لا تخضع لرقابة، ولا مبدأ، وبما تتنازعها من نظم تعليمية غير منسجمة الغايات والبرامج، والمكونين».
وأضاف: «ما لم يكن التعليم القاعدي ميداناً يلتقي فيه أبناء كل المكونات، والمستويات الاقتصادية، والمراتب الوظيفية فلن يجد العناية اللازمة من المجتمع، إذ كيف يفكر رجل الأعمال في تعليم لا يدرس فيه ابنه وكذلك الوزير، والرئيس، والبرلماني، والقاضي، ورئيس الحزب، وبالتالي فلن تبنى المدارس، ولن تصان، ولن تحسن ظروف المعلم، إذا ظل التعليم العمومي خاصاً فقط بأبناء الفقراء والمهمشين».
وزاد عبد الله محمد سالم: «يمكن في نظري أن تكون هذه الخطوة محل ترحيب من القطاع الخاص، والمستثمرين في التعليم الخصوصي إذا حاورتهم الحكومة حواراً يضمن عدم خسارتهم؛ بالتعويض لهم مثلاً عن استثماراتهم، واستيعاب طواقهم القادرة على العطاء في التعليم العام».
وممن انتقد هذا القرار، القيادي الإسلامي الدكتور عبدوتي عالي نائب رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح (المحسوب على الإخوان) الذي كتب عن القرار قائلاً: «إجبار الناس على تدريس أبنائهم في المدرسة العمومية حصراً، قرار غير دستوري، وغير واقعي، وغير مفيد».
وأضاف: «قرار الحكومة: إذا عجزت عن تقديم تعليم عمومي جيد، فعمم الجهل».
وعلق وزير الثقافة السابق محمد فال الشيخ، على هذا التحول، قائلاً: «المشكلة تكمن في إمكانية تطبيق هذا الإجراء في ظروف مقبولة من حيث عدد القاعات الدراسية والمدرسين».
وانتقد الإعلامي هيبة الشيخ سيداتي الطريقة التي أعلنت بها الحكومة عن القرار قائلاً: «من مظاهر الفشل الإعلامي أن يعلن عن خبر على هذا القدر من الأهمية بهذه الطريقة الباهتة، لا من طرف رئيس الجمهورية، ولا الوزير الأول، ولا الوزير المعني».
وقال: «كنا جميعاً ننتظر خطوة في اتجاه التخلص من هيمنة تعليم خاص رسخ الفوارق الاجتماعية وكرس التفاوت بين الأغنياء والفقراء، وهمش التعليم العام وألغى دوره في تشكيل الهوية الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية، لكن هذه الطريقة الخجولة التي تم بها الإعلان عن استقبال جميع تلاميذ السنة الأولى ابتدائية في المدارس العمومية تبدو أقرب إلى جس النبض منها إلى الشروع في تجسيد طموح مجتمعي مشروع والتزام سياسي مشهود».
يذكر أن التعليم الحكومي بموريتانيا يواجه منذ عقود حالة من ضعف المخرجات يرجعها متابعون للشأن التعليمي إلى جملة أسباب، يأتي في مقدمتها غياب تشجيع المدرس وضعف البنى التحتية، وهو ما جعل موريتانيا تصنف في مرتبة متدنية في سلم جودة التعليم في التقارير الصادرة عن مؤشر التنافسية العالمي GCI. وأفضت هذه الحالة إلى تراجع ثقة المواطن الموريتاني في التعليم الحكومي ببلاده، ما شجع ظهور وانتشار مؤسسات التعليم الخاص التي تكاد تكتسح الساحة التعليمية في المدن الكبرى.
وإلى جانب مؤسسات التعليم الخاص الوطنية، التي يصل عددها المئات، ولبعضها فروع في نواكشوط ومدن الداخل الموريتاني، تحقق المدارس الأجنبية رواجاً كبيراً بموريتانيا خصوصاً الفرنسية منها والتركية، التي باتت تشهد إقبالاً من الأثرياء وأبناء الأسر في الأحياء الراقية بنواكشوط ما أدى إلى ازدياد وانتشار فروعها.
ويقبل النظام التعليمي الموريتاني على أول سنة لتنفيذ الإصلاح الذي أقره البرلمان في تموز/ يوليو الماضي والذي نص على أن مدة التعليم ما قبل المدرسي ستصبح ثلاث سنوات، أما التعليم القاعدي فهو إجباري ويمتد على مدى تسع سنوات مقسمة إلى تعليم ابتدائي مدته 6 سنوات وتعليم إعدادي مدته 3 سنوات؛ أما التعليم الثانوي فمدته 3 سنوات تنقسم إلى مسلك عام، ومسلك تقني مهني، كما تناول القانون أسلاك التعليم العالي الثلاثة.
القدس العربي