محمد جميل منصور قيادي إسلامي موريتاني بارز، نائب برلماني سابق ومرشح الإسلاميين للرئاسة؛ واجه الاعتقال والسجن، وكان بداية التسعينيات من أبرز مؤسسي الجبهة الإسلامية ثم حزب الأمة، ثم مبادرة الإصلاحيين الوسطيين قبل أن يرخص في مطلع عام 2007 للتيار الإسلامي بحزب سياسي لأول مرة هو حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية «تواصل» الذي تولى ولد منصور رئاسته لمأموريتين متتاليتين.
يعد ولد منصور أحد رموز التيار الإسلامي بموريتانيا، ويشكل في توجهاته أحد نماذج جيل الشباب الإسلامي بموريتانيا الذين يحكم فكرَهم التمسك بالإسلام عقيدة ومنهج حياة، مع قراءة التراث الفقهي في ضوء الواقع والمصلحة العامة للأمة.
وبحكم قراءاته الفكرية تميزت رؤاه بالانفتاح، واعتبره كثيرون أقرب إلى مدرسة راشد الغنوشي، كما يتميز بالمرونة في المجال السياسي.
في هذا الحوار الشامل معه تناول موضوعات بينها نظرته لواقع الصراع مع الكيان الصهيوني، وتطورات الوضع في تونس حيث الخناق يضيق على حركة النهضة، ومن بين ما تناوله اللقاء أسباب الانقلابات العسكرية في دول الساحل، إضافة لقضيتي الصحراء وأزواد، مع خوض معمق في القضايا الموريتانية الداخلية. وفي ما يأتي نص الحوار.
○ما هي نظرتكم لمستقبل الصراع مع الكيان الصهيوني الذي يمر حاليا بتطورات بالغة الخطورة؛ بينها التخاذل والتطبيع العربي؛ واستمرار الوقوف الأمريكي إلى جانب المحتل في كل شيء؟ وهل أنتم ممن يرون أن الحل آتٍ حتما عبر المقاومة الصابرة المؤمنة بآلياتها المختلفة، أم أن الحل ميؤوس منه؟
• رغم كل التحديات المتراكمة والمستجدة في الصراع مع الكيان الصهيوني، فإن واقع الصراع اليوم ليس بالسوء الذي يصوره بعض المتعبين، فالمقاومة في توسع وتطور قوتها في الميدان ملاحظ ومحسوس، والكيان الصهيوني يمر بحالة انقسام سياسي يعززه آخر اجتماعي غير مسبوق؛ صحيح أن النصرة الشعبية في العالم العربي والإسلامي تراجعت أو تراجعت مظاهرها، وصحيح أن التطبيع مع الكيان الصهيوني كسب دولا جديدة ولعل أخرى تنتظر، ولكن القضية الفلسطينية تبقى قوية الحضور، ويظل خط المقاومة هو الأنجح خصوصا أن العدو أبان عن عقلية مخادعة وعدوانية مهما قدمت له أوسلو أو كامب ديفيد قبلها، أو وادي عربة، أو اتفاقات ابراهام، أو حتى المبادرة العربية في بيروت.
○يعيش العالم أزمة غذاء وطاقة بفعل الحرب في أوكرانيا: كيف تنظرون لتأثيرات ومستقبل هذه الحرب ؟
• لا شك أن تأثيرات الحرب الروسية على أوكرانيا واسعة خصوصا في ميداني الغذاء والطاقة، فالبلدان مصدران رئيسيان للحبوب وخصوصا القمح، وعليهما يعتمد عديد الدول بما فيها دول عربية وأفريقية رئيسية، وروسيا مصدر رئيسي للطاقة وأوكرانيا ممر لبعض أنابيبها الأساسية خصوصا إلى أوروبا.
والحرب تحولت إلى شد ذي نفس دولي بين روسيا والغرب خصوصا الولايات المتحدة ودول أوروبية رئيسية، ولعل ذلك زاد من صعوبات التوصل إلى حلول، وحتى الاتفاق الأخير الذي توسطت فيه تركيا ورعته الأمم المتحدة يواجه تحديات حقيقية، وصموده مرتبط بحجم التنازلات المقدمة لروسيا سواء أعلنت هذه التنازلات أو لم تعلن.
الذي تابع «برلين» وهي تطفئ الإنارة العمومية في بعض مواقعها الرئيسية يدرك حجم الآثار التي تركتها الحرب في أوكرانيا على إحدى أغنى الدول الأوروبية، ورابع اقتصاد في العالم.
○أكمل الرئيس التونسي قيس سعيد باستفتائه ودستوره، برنامجه المضاد للنهضة دون منغص داخلي وبمباركة خارجية نوعا ما، ما هي الدروس التي يجب على النهضة ومن يؤازرها (تواصل مثلا) وإخوانها عبر العالم، استخلاصها من هذه التجربة القاسية، التي تنضاف لما وقع في مصر مع الرئيس الراحل محمد مرسي؟ ثم ألا ترون أن ما يسمى في أدبيات التيار بـ «مرحلة التمكين» أمر صعب أو مستحيل، لأنه كلما اقترب ابتعد، ثم ما هي نظرتكم لمستقبل الشأن التونسي؟
•التيارات الإسلامية خصوصا منها التي مارست السياسة، وتدرجت في مراحلها المختلفة، تحتاج تقويما شاملا ومساءلة جدية، ولعل مما يحتاج لهذه المساءلة مصطلح «التمكين» والدلالات التي أعطيت له.
ما جرى في مصر وما يجري في تونس وجرى ويجري في بلدان أخرى فرصة لمراجعات عقلانية؛ أعرف أن تآمر محاور الثورة المضادة، وانقلاب أطراف تكره الإسلاميين والديمقراطية لعبت الدور الأكبر فيما جرى، ولكن أخطاء الإسلاميين وضعف الحاسة الاستراتيجية على لغة الشنقيطي لديهم، واستعجال بعضهم إلى حكم لم يستعدوا له ولم يفسح مجلسه لهم بعد، لعبت دورا أساسيا في الذي جرى.
تميزت تونس بعقلانية نهضتها وبقدرتها على الالتفاف على أهم المحاولات التي استهدفت ربيع القيروان، ولم تبخل في المرونة المطلوبة، ولذلك جاء انقلابها على غير مثال، وإلى الآن ورغم تجاوز دستور قيس سعيد محطة الاستفتاء بنسبة ضئيلة، ما زالت الأوضاع في تونس مضطربة، ولم تستقر على حال، ويبدو أن عدة أطراف استطاعت التغلب على خلافاتها وتبايناتها وأسست جبهة الخلاص بقيادة المناضل التونسي المعروف الأستاذ أحمد نجيب الشابي.
○ما هي نظرتكم لظاهرة وصول الضباط الشباب للسلطة في دول الساحل الداخلة أصلا ضمن الحوزة الاستعمارية الفرنسية ولاختيارهم روسيا حليفا بدل فرنسا؟ وكيف ترون انعكاس كل هذا مضافا لتفكك يهدد مجموعة دول الساحل الخمس على استقرار منطقة الساحل؟
•فعلا شهدت بعض دول الغرب الأفريقي انقلابات عسكرية قادها ضباط شباب، وكان أغلبها في دول الديمقراطيات المتعثرة والتي صاحبها فساد واسع، ويواجه بعضها جماعات مسلحة يتوسع وجودها خصوصا في مثلث يضم دولتين من دول الانقلابات المذكورة (الحدود المالية البوركينابية النيجرية).
وقع انقلاب دولة مالي، ومر بمراحل صعبة وضايقته فرنسا ومجموعة «الإكواس» وتقارب مع روسيا التي تكون فيها قائدان مهمان من قادة الانقلاب، ووقع انقلاب في غينيا كوناكري ضد أحد أقوى الرؤساء ألفا كوندى، وظهرت أمارات تقاربه مع الروس ولا يبدو للمعارضة ذات السند الاجتماعي القوي في وسط الأغلبية الإثنية (قبيلة الفلان) حظ كبير في مستقبل لعبة السلطة، وسارع شباب ضباط إلى الإطاحة بنظام بوركينافاسو إحدى أفقر دول المنطقة وأضعفها في وجه جماعات العنف المسلح.
المثير في موضوع هذه الانقلابات هو مستوى التقبل الشعبي لها، ومحدودية الاعتراض الديمقراطي عليها، ما يعيد إلى النقاش الترابط القوي بين الإصلاح والقوة من جهة والديمقراطية والحرية من جهة أخرى؛ فشعوب المنطقة تبدو زاهدة في الديمقراطية التي لا توفر تنمية وإصلاحا، ولا تستطيع مجابهة التهديدات الأمنية والإرهابية.
أما دول الساحل فقد كانت من أكثر التجمعات تأثرا بحكم حدوث انقلابات في اثنتين من دولها (مالي وبوركينافاسو) والثالثة من ذلك قريبة (تشاد) وتعارض فرنسا وأحيانا بشكل شرس الدخول الروسي للمنطقة، وهو ما يبدو أن دولتين مهمتين في مجموعة الساحل (موريتانيا والنيجر) تتناغمان معه، وهكذا يعاني هذا التجمع الإقليمي من آثار انقلابات الضباط الشباب ومن تنافس فرنسي روسي يتزايد يوما بعد يوم، ومن هنا يرى البعض أن تجمع دول الساحل يمر بأصعب مراحله التي قد تؤثر على وجوده فضلا عن دوره وفعاليته.
○جماعة نصرة الإسلام في غرب أفريقيا وحركة الشباب الإسلامي في الصومال هما ذراعا تنظيم القاعدة في أفريقيا ويجمعان بين بيعة رئيس التنظيم وحرية التحرك والنشاط : كيف تتصورون مستقبل تنظيم القاعدة في أفريقيا بعد مقتل الظواهري؟ وما هو موقفكم من مسألة التفاوض مع الجماعات المسلحة في الساحل الذي تتجه له حاليا كل من مالي وبوركينافاسو؟
•معروف أن تنظيم القاعدة عرف تراجعا بحكم الضربات التي تعرض لها، والفراغ القيادي والرمزي الذي سببه غياب زعيمه المؤسس أسامه بن لادن، ثم بسبب طغيان «داعش» وفروعها على مشهد حركات التطرف والعنف المسلح.
من هنا سيكون لاغتيال أيمن الظواهري أثره الإضافي على مجموعات القاعدة بما فيها مجموعاتها في أفريقيا.
ولفهم التنظيمات المسلحة في الغرب الأفريقي ينبغي استحضار الأوضاع الاجتماعية في هذه المنطقة ومظالم بعض المكونات العرقية والدينية والتي دفعتها إلى أحضان هذه التنظيمات.
فكرة التفاوض مع هذه الجماعات، دفع لها الارتباك العسكري في مواجهتها خصوصا في المثلث الرابط بين النيجر ومالي وبوركينافاسو. وليس من السهل إعطاء رأي في هذا التفاوض، فهو من ناحية تشجيع وتقوية لهذه التنظيمات، وهو من ناحية تخفيف على جيوش لا تملك الوسائل والخبرة والحماس لمواجهة هذه المجموعات، وتقدير أمره في النهاية يعود لهذه الدول وجيوشها.
○بدأت حكومة العسكر في مالي تنفيذًا مرتجفا لاتفاق الجزائر بدمج عدد من مقاتلي حركة تحرير أزواد: ما هو الحل الذي تتصورونه لقضية أزواد؟
•قضية أزواد قضية معقدة تتداخل فيها حقوق مكونات عانت ظلما وتهميشا مع مخاطر انقسام الدولة المالية وانفصال بعض أطرافها، وجميع الاتفاقات الموقعة لم تصمد نظرا لأجندة كل طرف وإصراره عليها، ثم إنه مما زاد تعقيد الملف الأزوادي دخول الجماعات المسلحة على خطه، وتوظيف السلطات المالية لذلك بطريقة تحرج وتعزل الأزواديين.
وعلى كل حال قضية أزواد تحتاج حلا مركبا يضمن وحدة الدولة المالية، ويحقق الأمن والتنمية في أزواد ويعطي لساكنته حقوقهم كاملة في إطار النظام السياسي المتشاور عليه في بلد التنوع العرقي والمناطقي والفئوي: مالي.
هناك نظرتان تعقدان حل ملف الأزواديين، الأولى تعقده بالدعوة إلى الاستقلال، والثانية تصعبه بتجاهل خصوصيته وحقوق أهله.
○ما هي نظرتكم لحالة العلاقات بين الجزائر والمغرب ولقضية الصحراء ولموقف نظام الرئيس الغزواني منها؟
• مؤسف هي الحالة التي وصلتها العلاقات بين الشقيقتين المغرب والجزائر، ومؤسف أن سوء هذه العلاقة يلقي بظلاله على كل المغرب العربي، ويعطل مؤسسات هذا الاتحاد وهياكله.
ويتحول الأسف إلى ألم، حين تلاحظ مؤشرات على عودة التوتر وربما الحرب إلى هذه المنطقة.
أما قضية الصحراء فلا موقف يناسبنا ويمكننا في موريتانيا إلا الحياد الإيجابي الذي يبتعد أصحابه أن يكونوا جزءا من المشكلة، في نفس الوقت الذي يستعدون فيه للمساعدة في الوصول إلى حل سلمي لنزاع كلف المنطقة والاتحاد المغاربي الكثير على المستويين الأمني والاقتصادي.
من طالب موريتانيا بأن تنحاز، سواء بناء على منطق الوحدة ورفض التجزئة أو منطق التحرر والاستقلال، فقد ظلمها وطالبها بما لا تستطيعه؛ لقد كانت طرفا في هذا النزاع وكان لها حينها منطقها ومبرراتها، وخرجت منه وانتهت إلى الحياد وأصبح لها منطقها ومبرراتها.
○نصل إلى موريتانيا: ما هو تقييمكم لثلاث سنوات من حكم الرئيس الغزواني؟ وكيف تنظرون لبقية مأموريته ولتوليه مأمورية أخرى؟ وما هو تقييمكم لتحول حزب الاتحاد إلى حزب الإنصاف؟
•ليس من السهل تقديم تقويم أو تقييم موضوعي لهذه السنوات الثلاث التي مضت منذ تولي رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد السلطة، فالنظام ضعيف في تسويق ما أنجز، ومعارضوه مبالغون في مالم ينجز، ثم إنه واجه تحديات كبيرة يعتبر الصمود في وجهها إنجازا مقدرا، فميراث العشرية الثقيل وجائحة كورونا التي هدت أقوى الدول وأخيرا آثار وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، كلها تحديات فرضت على النظام لجم الطموحات وإعادة ترتيب الأولويات، مع ذلك لا تخطئ العين تقدما في ملفات مهمة مثل التهدئة وتطبيع العلاقات السياسية الداخلية، والبرامج والمخصصات الموجهة للفئات الهشة والضعيفة في المجتمع، وخطوات في مجال التعليم كان من أهمها القانون التوجيهي للتعليم الذي أجيز أخيرا، وزيادات للرواتب في بعض القطاعات واكتتابات شملت أعدادا مهمة، كما لا تخطئ نفس العين تقصيرا وفشلا في عدد من القطاعات والمجالات التي مازال الذين تعودوا على الفساد أو تصالحوا معه مهيمنين عليها.
أما بقية المأمورية، فالأمل كبير أن يتغلب على التجاوزات وترسخ المنجزات ويتشجع النظام على التخلص ممن لا يريد الإصلاح أو لا يستطيعه، فوتيرة البنى التحتية تحتاج جدية وتسريعا، والقطاعات الخدمية تحتاج حيوية وتحسينا، والأوضاع المعيشية لعموم الناس تحتاج تدخلا عاجلا تتراجع فيه الأسعار ويخفف أثرها على الأضعف من الناس، والحوار السياسي تعرقل وتوقف فيلزم إطلاقه والبناء على مخرجاته.
ويبقى الحديث عن مأمورية ثانية للرئيس سابقا لأوانه، فلا هو تحدث عنها حتى الآن، ولا أكبر داعميه السياسيين (حزب الإنصاف) صرح في شأنها، وعلى كل حال الدستور يتيحها وحين تعلن أو يصرح في شأنها يسوغ الموقف منها وحديث الآخرين عنها.
أما تحول حزب الاتحاد إلى حزب الإنصاف فأمر يخصه، والعبرة في الأحزاب أفعالها وممارساتها ومواقفها أكثر من أسمائها وشعاراتها ورموزها.
○هادنت أحزاب في المعارضة التقليدية الرئيس الغزواني ثلثي مأموريته: لكن بدأ التململ؛ فما هو تقييمكم ونظرتكم لهذا الملف؟
•ليس عيبا أن تجنح القوى السياسية المختلفة إلى التهدئة وتطبيع العلاقات خصوصا وهي تخرج من عشرية ضاغطة سادت فيها الحدية والتنافر، ولكن هذا لا يزهد في دور المعارضة في النقد والتصحيح.
لقد أخطأ النظام بتوقيف الحوار الذي كان على مشارف الانطلاق، والتهدئة إذا لم تفض إلى حوار محدودة النتيجة مجالا وزمانا، ومن هنا فإن عودة الجميع إلى طاولة التشاور والحوار ضرورية وملحة، ولا تغني عنها حوارات قطاعية تفتقد الشمول والإلزام.
وهكذا يمكن فهم التململ الذي أشرتم إليه واللغة التي بدأت تعود لقاموس الخطاب السياسي للمعارضة.
○ما هو موقفكم من الحوار ومن توقيف الحكومة المفاجئ له وهو على وشك الانطلاق؟ وكيف تنظرون لفلسفة نقله من تشاور عام لتشاور قطاعي؟
•لقد أشرت إلى ذلك في الجواب السابق؛ لقد كان إعلان الطرف الحكومي ومن طرف واحد توقيف الحوار أو التشاور خطأ في الشكل، بشكل أحادي ودون التشاور مع الطرف الآخر في اللجنة التحضيرية، وفي المضمون، لأن الحوار كان ضرورة ملحة وحول قضايا رئيسية ذات أثر على واقع البلد ومستقبله.
وليس صحيحا أنه لا بد من وجود أزمة لكي ينظم أو يلتئم حوار، فالحوار سلوك ديمقراطي دارج في الديمقراطيات الحقيقية وضرورة لسلامة المسار في الديمقراطيات الناشئة أو السائرة في طريق التطور.
ومع أهمية الحوارات القطاعية خصوصا في موضوع الانتخابات لقربها وإلحاحية أمرها، فإنها لا تغني عن التشاور الشامل ولا تسد مسده، ومن هنا على السلطات أن تعاود الاتصال بمختلف الأطراف لاستئناف العمل على إطلاق الحوار، ورأى البعض في التعديل الوزاري الأخير الذي جاء بالسيد مولاي ولد محمد الأغظف إلى الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية مؤشرا على إمكانية استئناف التواصل مع القوى المعارضة للعودة إلى الحوار.
○ما هي توقعاتكم لملف الرئيس السابق؟ وهل ترون أنه تمكن من تسييس ملفه، ومن خلق أنصار لقضيته قد يتحولون بتمويل منه لتيار معارض للرئيس الغزواني؟ وهل ترون ان التعديل الأخير الذي وصف بأنه إبعاد لمحور التأزيم وتقريب لمحور التهدئة: تأكيد لمصالحة قد تطوي هذا الملف الحساس طيا بمخارج قانونية وقضائية؟
•لا يتطلب الأمر جهدا كبيرا في التوقع، فقد كانت آجال المراقبة القضائية في نهايتها مما يعني أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز سيتمتع بحرية الحركة قريبا، وهو ما وقع بالفعل منذ ليل الخميس الماضي بداية الثامن من ايلول/سبتمبر الجاري.
وقد نجح إلى حد ما الرئيس السابق وفريق دفاعه وبعض أنصاره في فضاء التواصل الاجتماعي في إضفاء الطابع السياسي على ملفه، مع أن الملف بمختلف مكوناته وبتهمه ومجالاتها هو ملف قضائي يتعلق بالفساد وسوء التسيير.
يبقى السؤال المهم عند كثير من الموريتانيين عن مصير الملف وموضوع المحاكمة وهل سنرى قريبا ملف العشرية أمام القضاء الجالس ليقول كلمته فيه.
قيل الكثير في الماضي ويعاد إنتاجه هذه الأيام عن تسويات ووساطات في هذا الملف، ويقحم البعض أطرافا خارجية في الموضوع، ولكن سيكون من الصعب تصور مآل لملف مر بكل هذه المراحل وينتظر الكثيرون ما سيؤول إليه، غير المحاكمة.
وكما أشرت إلى ذلك سابقا، كان رفع الرقابة القضائية منتظرا، ومن الصعب تصور نهاية لهذا الملف دون محاكمة، أما التعديل الأخير فلا يبدو لي ذا صلة بملف العشرية، بقدر ما هو خطوة من خطوات قادمة في إطار الاستعداد للانتخابات، وربما استئناف التشاور من خلال وجه لا يتحفظ بعض الأطراف عليه والتي درجت على تحميل الأمين العام السابق للرئاسة مسؤولية التعثر الذي حدث في حين هي من وضع الصعوبات في طريق الحوار باشتراطات مسبقة.
○كيف تنظرون للانتخابات النيابية التي بدأ التحضير لها؟ وكيف سيكون تأثيرها على المشهد السياسي المحلي؛ وكيف تتصورون الخريطة التي ستتمخض عنها هذه الاستحقاقات؟
• ستكون الانتخابات النيابية المتوقعة منتصف السنة القدمة (2023) أول انتخابات بعد وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى السلطة، ويتوقع أن يسودها التنافس وأن تكون ذات أثر كبير على اللاحق عليها، تنافسية لأنها سترسم الخريطة الحزبية المقبلة وقد تكون الجمعية الوطنية المنبثقة عنها ذات مصداقية أكثر من سابقاتها، وستدخلها الأحزاب حسب استراتيجياتها وأولوياتها (المحافظة على المكانة والترتيب، تحقيق اختراق وتسجيل تقدم، أخذ موقع، اختبار الشعبية…….) أما كونها مؤثرة على ما يلحق بها فهي تسبق الانتخابات الرئاسية بسنة تزيد أو تنقص، وبالتالي سيعتبرها النظام بروفة أولية للرئاسيات، وستعلي من أمل البعض في الرئاسيات أو تضعفه أو تقتله، وربما تمهد لتحالفات قد تخوض الرئاسيات معا.
أما عن الخريطة الحزبية المتمخضة عن النيابيات المقبلة فمن الصعب تصور تغيير في الموقعين الأول والثاني – دون الجزم بذلك طبعا – في حين تتوقع إعادة ترتيب القوى السياسية بعد ذلك فيصعد البعض ويتراجع البعض ويراوح البعض.
○تصنفون على أنكم من أقوى داعمي الرئيس الغزواني ولكم معه لقاءات عدة ولكم في تأييده تدوينات معروفة، ومعكم في هذا الموقف الشيخ محمد غلام والشيخ عمر الفتح براشديه: كيف نجمع هذا الموقف المتخذ علنا من رئيس سابق لحزب «تواصل» مع شدة معارضة الحزب حاليا للرئيس الغزواني؟
•ربما كان في هذا الوصف بعض المبالغة، فأنا حتى الآن لست من داعمي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وأنتمي لحزب معارض له.
يمكن القول إني من المعارضين الذين ينظرون بإيجابية وإنصاف لرئيس الجمهورية، وعبرت عن ذلك منذ انتخابه وما زلت أعبر عنه، ولم يمنعني ذلك من تسجيل ملاحظات وانتقادات.
لقد بعث انتخاب رئيس الجمهورية في الرئاسيات الماضية أملا كنت من بين أصحابه، وقد أكدت خطابات الرئيس ورسائله وسلوكه وخطوات عديدة قام بها هذا الأمل، ولم تتسبب أخطاء التسيير الحكومي وضعف الفريق المختار واستمرار ممارسات فساد هنا وهناك في تراجع هذا الأمل بعد.
أما موضوع «تواصل» فلا تذهبوا به بعيدا، نحن هؤلاء أصحاب الأمل في الرئيس والذين نثني على بعض خطوات النظام وسياساته نجد في موجهات الموقف المعارض للحزب والتي تضبطه بالاعتدال وعدم الحدية أساسا نستفيد منه علما أننا لا نعبر عن موقف الحزب ولا قراراته، والقيادة الحالية للحزب أو بعض أفرادها يميلون إلى الحدية فتظهر في خطابهم ومقابلاتهم، وعلى كل حال ليس هناك توزع أدوار، وإنما تباين واختلاف تسمح به التقاليد الديمقراطية للحزب.
○ينعقد عما قريب المؤتمر الرابع لحزب «تواصل» كيف تنظرون لهذا المؤتمر؟ وهل انتم مترشحون لرئاسة الحزب مرة أخرى؟ وما تقييمكم لرئاسة خلفكم؟ وهل ترون ان حظوظ «تواصل» في الوصول إلى السلطة في موريتانيا أكبر من حظوظ أحزاب المرجعية الإسلامية في البلدان العربية الأخرى؟ وهل تخشون من تعرض «تواصل» يوما ما وبخاصة إذا تعاظم دوره الداخلي، لما تعرض له إخوانكم في مصر وتونس مثلا؟
•المؤتمر المقبل لحزب تواصل استحقاق دستوري، وينعقد في موعده العادي، وهو سلوك درج عليه الحزب في انتظام مؤتمراته ومجالسه.
مع ذلك يتوقع أن يكون المؤتمر الرابع المقبل موعدا للمراجعة والتقويم، والراجح أن يحدث تغييرات مهمة تستجيب لمتطلبات المرحلة وتحدياتها.
أما التقدم إلى الرئاسة أو التقديم إليها فسابق لأوانه، وقد جرت العادة أن يكون أثناء المؤتمر، مع أنني أتوقع أن يجري التداول غير الرسمي طبعا هذه المرة قبل المؤتمر بمدة كالشهر أو الشهرين.
أما فيما يتعلق بي شخصيا فالميل إلى عدم التقدم لهذه المسؤولية محافظة على رمزية التناوب وتقاليده، ولكن الأمر يبقى في يد التواصليين والتواصليات، والمؤتمر سيد نفسه.
وأقدر أن التطورات التي حدثت مع الربيع العربي وفي تجارب قادها إسلاميون، تجعل من الحكمة الروية والانتظارية قبل التقدم إلى السلطة، هذا مع أن حزب تواصل ما زال في مراحله الأولى، وإن كان في الأفق إمكان فهو المشاركة في السلطة لا الوصول إليها.